5:44 مساءً / 9 مارس، 2025
آخر الاخبار

الأخت والصديقة زهرة صوالحه “أم قيس”… زهرةٌ في بستان الحياة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأخت والصديقة زهرة صوالحه "أم قيس"… زهرةٌ في بستان الحياة ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في هذه الحياة، يمنحنا الله هدايا لا تُقدَّر بثمن، هدايا لا تُغلف بورقٍ مزخرف ولا تُوضع في صناديق ذهبية، لكنها أثمن من كل كنوز الأرض. ومن أجمل تلك العطايا أن يُكرمك الله بأختٍ لم تلدها أمك، وصديقةٍ لا تفارق قلبك، تحمل لك في قلبها حبًا صادقًا، وتدعو لك في ظهر الغيب، وتكون لك سندًا حين يشتدّ الطريق وتضيق الدنيا. نعم، إنها أم قيس، الصديقة النقية التي لم يكن لقاؤنا بها مجرد مصادفة، بل كان قدرًا جميلاً رسمه الله بحكمته ليكون امتدادًا للخير والعطاء.

حين التقيتُ بها لأول مرة، كان ذلك من خلال تدريس ابنها قيس، ذاك الفتى الذي جمع بين الأدب والعلم، والتواضع والالتزام، وكان نورًا يُشع من بين أقرانه، حافظًا لكتاب الله، متميزًا في أخلاقه وسلوكه. لم يكن ذلك مستغربًا، فشجرة الخير لا تُنبت إلا ثمارًا طيبة، وما إن تشرفتُ بتدريس ابنها حتى امتدّت العلاقة إلى ابنتها رسيل، تلك الطالبة المؤدبة، الخلوقة، التي زادتني فخرًا حين علمتُ أنها تحفظ كتاب الله كاملًا. ثم جاءت تقى، تلك الصغيرة التي ملأت قلبي حبًا حين نظرت إليّ بعينين لامعتين وقالت بحماسة طفولية: “سأصبح مثلك يومًا ما، سأكون دكتورة مثلك!”

حين تنظر إلى أم قيس، تدرك أنك أمام امرأة استثنائية، أمٌّ صنعت من الحب والتضحيات جسرًا تعبر به بأولادها نحو المستقبل، امرأة نذرت وقتها وجهدها لتربية جيلٍ يضيء كالشمس، جيلٍ تربى على القيم والمبادئ، جيلٍ لا يعرف المستحيل. لم تكن أمًا عادية، بل كانت مدرسةً متكاملة، تتابع أبناءها، تزرع فيهم العلم والأدب، وترويهم بحنانها، تقف خلفهم كالسند المتين، ترفعهم كلما تعثروا، تشجعهم كلما أصابهم الوهن، وتدفعهم للأمام كأنها الريح التي تحمل الأشرعة نحو أفق النجاح.

ولكنها لم تكن فقط أمًا ناجحة، بل كانت صديقةً مختلفة، صديقةً تملأ قلبك طمأنينةً، تنظر إليك بعين المحبة، وتشجعك كأن نجاحك نجاحها، وتفرح بإنجازاتك كأنها أعيادها. لم يكن التشجيع مجرد كلمات عابرة، بل كان شعورًا صادقًا يصل إلى القلب دون تكلف.

وكأن الحياة أرادت أن تختبر معدنها الحقيقي، فابتلاها الله بمرض زوجها منذ سنةٍ ونصف، ليبدأ فصلٌ جديدٌ من الصبر والكفاح، حيث رافقته في رحلته العلاجية، متنقلةً بين المدن، تاركةً خلفها راحتها من أجل أن تكون الرفيقة الوفية التي لا تفارق يد زوجها في أشد أوقاته ضعفًا. لم تكن مجرد زوجة تقف بجانبه، بل كانت الجبل الذي يحتمي به في وجه العاصفة، والقلب الذي يربّت على ألمه، والسند الذي لا ينحني مهما اشتدت الأيام.

ورغم كل هذا، لم تتوقف عن أداء رسالتها الإنسانية، فقد كانت موظفة نِعم الموظفة، لم تعرف التقصير في عملها رغم كل الضغوط، بل كانت رمزًا للالتزام والإخلاص، وتحملت مسؤولياتها بتفانٍ قلّ نظيره. ولم يقتصر عطاؤها على أسرتها فقط، بل امتد ليشمل قلوبًا أخرى بحاجة إلى لمسة حنان، فقد كرّست سبعة عشر عامًا من عمرها في مجال العمل الخيري، تحديدًا في كفالة الأيتام، فكانت أماً لمن لا أم لهم، وعائلةً لمن فقدوا العائلة، ويدًا تمتد بالخير لمن ضاقت بهم السبل.

يقولون إن الإنسان ليس مجرد كائن يمشي على الأرض، بل هو أثرٌ يُروى، وذكرى تُحكى، وبصمةٌ تظل حاضرة حتى بعد الغياب. وكم هو جميلٌ أن تترك في حياة الآخرين أثرًا طيبًا لا يُمحى، أن تكون ذكرى بيضاء تضيء القلوب كلما مرَّت بها. وأم قيس، بطيبتها، وصدق مشاعرها، وحبها النقي، تركت أثرًا لا يُنسى، نقشته في القلوب بحروف الوفاء، وزيّنته بأفعال الخير التي لا تعرف مقابلًا.

لقد أثبتت الدراسات أن الكلمات الطيبة ليست مجرد أصواتٍ تُقال، بل هي بلسمٌ يشفي، وضوءٌ يضيء، وحياةٌ تمنح الروح قوةً لم تكن تملكها من قبل. ولذا، لم يكن غريبًا أن يخبرنا النبي ﷺ أن “الكلمة الطيبة صدقة”، لأنها قادرةٌ على أن تُحيي القلوب، وتشعل في الأرواح نور الأمل.

في هذا العالم الذي يمضي سريعًا، حيث تتبدل الأيام وتتغير الملامح، لا يبقى سوى أولئك الذين جعلوا الحياة أجمل، الذين كانوا ضوءًا في العتمة، ويدًا تُمسك بك حين يوشك قلبك أن يسقط. وهكذا هي أم قيس، صديقةٌ من طرازٍ نادر، زهرةٌ لا تذبل، وروحٌ تُثبت أن هناك قلوبًا لا تزال نقية، وأن هناك أصدقاء يبقون رغم تبدل الفصول.

ما أجمل كلماتك الطيبة، صديقتي زهرة (أم قيس)، وما أروع قلبك الذي يُشبه وردةً يفوح عبيرها حبًا ووفاءً! دمتِ زهرةً يانعةً في بستان الحياة، ودمتِ أثرًا جميلاً لا يُنسى!.

شاهد أيضاً

الصين : انطلاق فعالية "التجول في الصين باتباع الأفلام - جولة في سيتشوان وتشونغتشينغ" والنشاط الترويجي للثقافة والسياحة الصينية والمصرية في متحف سانشينغدوي

الصين : انطلاق فعالية “التجول في الصين باتباع الأفلام – جولة في سيتشوان وتشونغتشينغ” والنشاط الترويجي للثقافة والسياحة الصينية والمصرية في متحف سانشينغدوي

شفا – أقيمت فعالية “التجول في الصين باتباع الأفلام – جولة في سيتشوان وتشونغتشينغ” والنشاط …