3:40 صباحًا / 9 مارس، 2025
آخر الاخبار

الدكتور يوسف المدهون ، نهرٌ من العطاء في غربة العلم والنضال ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الدكتور يوسف المدهون ، نهرٌ من العطاء في غربة العلم والنضال ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الدكتور يوسف المدهون ، نهرٌ من العطاء في غربة العلم والنضال ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

في رحلة العلم، نقابل أشخاصًا يتركون في أرواحنا بصماتٍ لا تُمحى، ويمتد أثرهم في ذاكرتنا كالنهر الجاري، يمنح دون أن ينتظر مقابلًا، ويسقي العابرين من معين عطائه بلا حدود. ومن هؤلاء الذين كانوا نورًا في طريقي خلال دراستي لدرجة الدكتوراه في جامعة USIM ماليزيا، كان الدكتور يوسف المدهون، رجلٌ اجتمعت فيه الأخلاق الرفيعة، الرقي في التعامل، والتفاني في مساعدة الآخرين.

لم يكن الدكتور يوسف مجرد باحث دكتوراه أو زميل دراسة، بل كان الأخ والسند والمعين، الذي تجده حاضرًا في كل موقف يحتاج إلى العون. إلى جانب انشغاله بالدراسة، كان يساعد كل من يحتاج المساعده أو الخدمه في سفارة دولة فلسطين لدى ماليزيا ، ويؤدي دورًا فاعلًا في الاتحاد العام لطلبة فلسطين، ومع ذلك، لم تشغله مسؤولياته عن أن يكون يدًا ممتدة لكل فلسطيني وطالب مغترب، يرشده، يعينه، ويفتح له الأبواب التي قد تبدو مغلقة.

في محطات دراستي المختلفة، كان الدكتور يوسف الحلقة الذهبية التي تربطنا بالجامعة والاتحاد، لم يبخل بمعلومة، ولم يتردد في تقديم نصيحة، وكان صوته في أوقات الحيرة يحمل الحل قبل أن يُطرح السؤال. وكان أول من فتح لي باب العمل التطوعي من خلال ترشيحي لعضوية الاتحاد العام لطلبة فلسطين، وهي الفرصة التي منحتني شرف مساعدة الطالبات الفلسطينيات الجدد في ماليزيا، ليكون ما تعلمته منه امتدادًا لعطائه.

لكن اللحظة التي كشفت لي عن عظمة هذا الرجل وسمو أخلاقه كانت خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، حين كانت جراحه تنزف قبل كلماته، فقد فقدَ أفرادًا من عائلته تحت القصف، وكانت روحه محاصرة بين ألم الفقد ومسؤولياته التي لم يتخلَّ عنها لحظةً واحدة. في خضمّ هذا الوجع، تواصلت معي إحدى الأخوات للاستفسار عن التسجيل والقبول في الجامعة، ولأنني كنت قد حصلت على الدكتوراه، وكانت القوانين قد تغيّرت، وجدت أن أفضل من يجيبها هو الدكتور يوسف. ترددت للحظة في سؤاله، لأنني أدركت حجم معاناته حينها، ولكنني تفاجأت بجوابه السريع الذي حمل كل معاني الإيثار:


“نحن هنا لمساعدة الطلاب، نحن إخوة، ولن نتأخر عن قضاء حوائجهم في غربتهم.”

كم من مرة سمعت هذه الجملة منه، وكم من مرة رأيته يثبتها بأفعاله قبل كلماته. لم يكن مجرد مسؤول في الاتحاد، بل كان الأخ الذي يطرق باب كل طالب ليطمئن عليه، والذي يزورهم، يحل مشكلاتهم، ويدفع بهم نحو طريق النجاح. وحين تخرجنا، لم ينسَ أن يحتفي بنا ويكرّمنا، فقد كان الاتحاد العام لطلبة فلسطين، بقيادته، يحتفل بنا كأننا أفراد من عائلته الخاصة، وكأن نجاحنا كان نجاحه هو.

لم يكن مجرد زميل دراسة، بل كان ركنًا من أركان الخير في ماليزيا، ورجلًا يحمل رسالة سامية في قلبه. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الخير في أمتي إلى يوم الدين”، فإن الدكتور يوسف كان تجسيدًا حيًا لهذا الحديث، وكان أثـره خالدًا في نفوسنا، لنذكره كلما وجدنا أنفسنا في موقف نحتاج فيه إلى يد العون.

لأمثاله تُرفع القبعات احترامًا…


لمن جعلوا من حياتهم رسالةً، ومن وجودهم نورًا للآخرين، ومن غربتهم وطنًا لكل مغترب…


شكرًا دكتور يوسف، لأنك كنت أكثر من زميل، كنت بصمةً مضيئة في طريقنا، وكنت دائمًا حيث يكون العطاء، بلا حدود.

شاهد أيضاً

علماء من الصين يكشفون عن الآلية الرئيسية وراء علاج السرطان بالبكتيريا

شفا – كشفت دراسة جديدة أجراها علماء صينيون عن الآلية وراء العلاج البكتيري للسرطان باستخدام …