
“لا أرض أخرى” يهز العالم… ويفجّر غضب الاحتلال! ، بقلم : م. غسان جابر
في إنجاز سينمائي غير مسبوق، حصد الفيلم الفلسطيني “لا أرض أخرى” (No Other Land) جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي طويل، ليكشف أمام العالم الوجه الحقيقي لسياسات التهجير القسري والتطهير العرقي التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين، وخاصة في مسافر يطا جنوب الخليل. هذا الانتصار الفني لم يمر مرور الكرام، بل فجّر موجة غضب في الأوساط الإسرائيلية، حيث وصف وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار فوز الفيلم بأنه “لحظة حزينة لعالم السينما”، متّهماً صناع الفيلم بتشويه صورة إسرائيل!
قصة الفيلم: بين العدسة والمأساة
يروي “لا أرض أخرى” القصة الحقيقية للتهجير القسري الذي يتعرض له الفلسطينيون في مسافر يطا، وهي منطقة تضم عشرات القرى المهددة بالهدم والمصادرة. الفيلم يتتبع رحلة باسل عدرا، الشاب الفلسطيني الذي كرس حياته لتوثيق عمليات الهدم والاعتداءات العسكرية الإسرائيلية، في مواجهة آلة الاحتلال التي تسعى لمحو وجود الفلسطينيين في المنطقة.
يرافقه في هذا التوثيق الصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام، الذي رغم كونه إسرائيلياً، يعترف بأنه يتمتع بحرية لا يملكها باسل، ويعيش في ظل نظام عنصري يكرّس التفوق الإسرائيلي على حساب الفلسطينيين.
غضب إسرائيلي… لماذا؟
بعد إعلان فوز الفيلم، خرج وزير الثقافة الإسرائيلي ميكي زوهار بتصريح غاضب، معتبراً أن صناعة الفيلم تمثل “ترويجاً لروايات مشوهة” ضد إسرائيل بدلاً من تقديم “تعقيدات الواقع”، على حد تعبيره.
لكن الحقيقة التي وثّقها الفيلم وأثارت الغضب الإسرائيلي واضحة: الاحتلال يهجّر الفلسطينيين، يهدم منازلهم، ويمنعهم من العيش بكرامة على أرضهم. لم يكن غضب زوهار بسبب “تشويه صورة إسرائيل”، بل لأن الفيلم كشف الحقيقة التي تحاول تل أبيب إخفاءها عن العالم.
مسافر يطا… قصة صمود في وجه التطهير العرقي
ما يجسّده “لا أرض أخرى” ليس خيالاً سينمائياً، بل واقعاً يومياً تعيشه مسافر يطا. هذه المنطقة تتعرض منذ عقود لحملة تهجير ممنهجة، حيث تسعى إسرائيل لطرد سكانها بحجة “المناطق العسكرية”، متجاهلة أن هذه القرى كانت موجودة قبل قيام الاحتلال نفسه.
الشيخ سليمان الهذالين، أحد رموز المقاومة الشعبية في مسافر يطا، استُشهد عام 2022 بعد أن دهسته مركبة إسرائيلية. كان الهذالين صوتاً مدافعاً عن الأرض والحق، وصورته تكررت في الفيلم من خلال وجوه سكان مسافر يطا الذين يرفضون مغادرة أرضهم رغم القمع والاضطهاد.
رسالة الفيلم: لا عدالة مع الاحتلال
خلال تسلّمه للجائزة، قال المخرج الفلسطيني باسل عدرا:
“الفيلم يعكس الواقع القاسي الذي نعاني منه منذ عقود، وما زلنا نقاومه. نطالب العالم باتخاذ إجراءات جدية لإنهاء الظلم وإيقاف التطهير العرقي للشعب الفلسطيني.”
أما الصحفي الإسرائيلي يوفال أبراهام، فقد وجّه رسالة صادمة للرأي العام، قائلاً:
“عندما أنظر إلى باسل، أرى أخي، لكننا غير متساويين. أنا حر بموجب القانون المدني، بينما يخضع باسل للقانون العسكري، الذي يدمر حياته ولا يستطيع السيطرة عليها.”
لماذا يجب أن نشاهد “لا أرض أخرى”؟
هذا الفيلم ليس مجرد وثائقي، بل شهادة تاريخية تُسجل بعيون فلسطينية وإسرائيلية حقيقة الاحتلال. فوزه بجائزة الأوسكار لا يعني فقط نجاحاً فنياً، بل اعترافاً عالمياً بالظلم الواقع على الفلسطينيين، ورسالة بأن صوت الضحايا لا يمكن إسكاته.
الغضب الإسرائيلي من الفيلم ليس إلا دليلاً إضافياً على أهميته. فحين يغضب المحتل، فهذا يعني أن الحقيقة وصلت إلى العالم، وأن الرواية الفلسطينية باتت أقوى من محاولات التزييف والتضليل.
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)
