
“ناس مرّوا في حياتي… وكان لهم طيبُ الأثر” ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات
هناك أشخاصٌ يمرّون في حياتِنا كنسمةِ هواءٍ عليلةٍ في يومٍ صيفيٍّ حار، يتركون في أرواحِنا أثرًا لا يُمحى، وأضواءً لا تنطفئ، وكلماتٍ تظلُّ تترددُ في أعماقِنا كلما ضاقت بنا الحياةُ أو احتجنا إلى يدٍ تمتدُّ لنا بحبٍّ وعطاء. من بينِ هؤلاءِ الذين مرّوا في حياتي، وتركوا أثرًا لا يُنسى، الأستاذُ مراد سارة، الكاتبُ والروائيُّ الكبير، وصاحبُ دارِ جفرا للنشرِ والتوزيع، الإنسانُ الذي حملَ في قلبهِ من التواضعِ والرقيِّ ما يجعلُهُ نبراسًا لكلِّ من أرادَ أن يسيرَ في دربِ الأدبِ والنشرِ بخطى ثابتةٍ وقلبٍ مطمئن.
بدايةُ الرحلة… حين أشرق “لحن الأمل”
منذ عام 2019، كنتُ أحملُ بين يديَّ حلمًا صغيرًا بحجمِ الكون، كتابًا كتبتهُ بشغفِ من يُحاولُ أن يرسمَ الأملَ في قلوبِ الناسِ بأبسطِ العباراتِ وأعمقِ المعاني. “لحن الأمل”، كتابٌ جمعتُ فيهِ مقولاتٍ عالميةً، وأضأتُهُ بنورِ آياتٍ قرآنيةٍ وأحاديثَ نبويةٍ شريفةٍ، وحلّلتُها بأسلوبٍ أدبيٍّ جميلٍ وبسيط، ليكونَ رسالةً تبعثُ على الإيجابيةِ، وتنثرُ في الأرواحِ بذورَ التفاؤلِ والإصرارِ على الحياةِ مهما اشتدت الظروف.
لكنّ الكتابةَ ليست سوى الخطوةِ الأولى، أما النشرُ، فكان بوابةً جديدةً تقتضي عبورَها بحذرٍ ومعرفة. وهنا بدأ البحثُ عن دارِ نشرٍ تتبنّى هذا الحلمَ وتحملهُ إلى النورِ بأمانةٍ وإخلاص. في هذا المسير، سمعتُ عن الأستاذِ مراد سارة، الكاتبِ الكبير، وصاحبِ دار جفرا للنشر، الذي عُرفَ بدعمهِ للكتّاب، وتشجيعهِ للإبداع، فقررتُ أن أخطو أولى خطواتي نحوه.
لقاءُ الأدبِ والتواضع… كيف يصنعُ الإنسانُ أثره؟
عندما تواصلتُ مع الأستاذِ مراد لأولِ مرةٍ، كنتُ أتوقعُ أنني سأتحدثُ مع كاتبٍ وناشرٍ مشهور، وربما سيكونُ من الصعبِ أن يمنحني من وقتِه الثمينِ الكثير، لكنني فوجئتُ بإنسانٍ قمةٍ في التواضعِ والرقيِّ، ينصتُ إليَّ باهتمامٍ، وكأنَّ كلماتي تستحقُّ أن تُكتبَ بماءِ الذهب. لم أشعرْ للحظةٍ أنني كاتبةٌ مبتدئةٌ تبحثُ عن فرصة، بل تعاملَ معي كما يتعاملُ مع الكتّابِ الكبار، بصدقٍ واحترامٍ وتشجيعٍ لا محدود.
لم يكتفِ بالاستماعِ إليَّ، بل قدّمَ لي شرحًا تفصيليًّا عن الإجراءاتِ القانونيةِ لنشرِ الكتاب، والأوراقِ المطلوبة، والمراحلِ التي يمرُّ بها أيُّ عملٍ أدبيٍّ قبلَ أن يرى النور. كنتُ أستمعُ إليهِ بانبهارٍ، وأدركتُ أنَّ النجاحَ لا يكونُ فقط بالموهبة، بل أيضًا بالمعرفةِ والدقةِ والإتقان.
وبفضلِ الله، ثم بفضلِ دعمِه، تمَّت الإجراءاتُ بكلِّ أمانةٍ وسلاسة، حتى جاءَ اليومُ الذي استلمتُ فيهِ كتابي الأول بين يديّ، مطبوعًا بأبهى صورةٍ، وأجملِ شكلٍ، تمامًا كما تخيّلتُهُ وأفضل. كانَ ذلكَ اليومُ لحظةً فارقةً في حياتي، لحظةً شعرتُ فيها أنَّ الحلمَ قد صارَ حقيقة، وأنَّ الإصرارَ يصنعُ المعجزاتِ حين يكونُ الإنسانُ محاطًا بأشخاصٍ يمنحونهُ الثقةَ والأمل.
رحلةُ النجاحِ المستمرة… “إنما الإنسانُ أثر”
لم ينتهِ المشوارُ عندَ “لحن الأمل”، بل كانَ ذلكَ مجردَ بدايةٍ لرحلةٍ طويلة. استمرَّ التعاونُ مع الأستاذِ مراد، وأصبحتُ أشعرُ أنَّ النشرَ لم يكنْ مجردَ عملٍ تجاريٍّ بقدرِ ما كانَ رسالةً تحملُ بين طيّاتها الإبداعَ والمسؤوليةَ والالتزام. وجاءَ كتابي الثاني، “إنما الإنسانُ أثر”، ليكونَ شاهدًا آخرَ على هذهِ الرحلةِ الجميلة، ولتستمرَّ الأحلامُ في التحقق، والنجاحاتُ في التوالي.
اليوم، وأنا أخطو خطواتي نحو كتبٍ قادمةٍ وأعمالٍ أكبر، لا يمكنني إلا أن أقول: شكرًا من القلب، حضرةَ الأستاذِ الكاتبِ مراد سارة، شكرًا لأنكَ كنتَ أثرًا طيبًا في مسيرتي، شكرًا لأنَّ دعمَك لم يكنْ مجردَ خطوةٍ عابرة، بل كانَ حجرَ الأساسِ الذي انطلقتُ منهُ نحو عوالمَ أوسعَ من الأدبِ والكتابة.
ختامًا… كن ذا أثر
في هذهِ الحياة، هناكَ من يمرُّ مرورَ العابرين، وهناكَ من يتركُ أثرًا خالدًا لا يُمحى. أن تصنعَ أثرًا في حياةِ أحدهم، هو أعظمُ ما يمكنُ للإنسانِ أن يحققهُ في هذهِ الدنيا. الأستاذُ مراد سارة، كانَ واحدًا من هؤلاءِ الذين زرعوا الأملَ في طريقي، وفتحوا لي أبوابًا كنتُ أظنُّها موصدة.
ولكلِّ من يقرأُ هذهِ الكلمات، تذكروا دومًا: إنما الإنسانُ أثر، وما يبقى بعدَ رحيلِنا، ليسَ المالُ ولا الجاه، بل تلكَ البصماتُ التي تركناها في قلوبِ الآخرين، والكلماتُ التي منحناها، والفرصُ التي قدّمناها، والمساعدةُ التي لم نبخلْ بها، واليدُ التي امتدتْ لتمسكَ بأيدي الحالمين، وتدفعَ بهم نحوَ النور.
كنْ أنتَ هذا الأثر.