
شفا – وصال أبو عليا – تتجلّى الأجواء الرّوحانيّة بكلّ فلسطين، لا سيّما مراكز المدن التي تزيّنت شوارعها وأزقّتها بالفوانيس والأهلّة، لتظهر بصورتها الأبهى استعدادًا لشهر رمضان المبارك الذي يعيد الحياة والرّوح إليها، رغم تداعيات الحرب على قطاع غزة، واتّساعها في محافظات الضفة، الأمر الذي يلقي بظلاله على نفوس الفلسطينيّين خشية حرب أخرى هنا.
الاستعدادات في مدينة الخليل
ففي البلدة العتيقة في مدينة الخليل مرورًا بمدخل سوق القصبة حتى الحرم الإبراهيميّ الشّريف، نرى الأحبال المضيئة، ومحالُّ الباعة تفتح أبوابها في إطار الاستعدادات للشّهر الفضيل، وهنا نجد أشهر محالّ الحلويات في البلدة العتيقة في الخليل للسّبعيني صبحي الشّوامرة، وهو متخصّص بالقطايف في رمضان، حيث يعمل في هذه المهنة منذ أن كان صبيًّا، ويصف المحلّ بأنّه المكان الوحيد الذي يتنفّس فيه، بقوله: “روحي معلّقة في هذا المكان”.
وأضاف الشّوامرة أنّ الحركة تتزايد مع حلول شهر رمضان المبارك، ويكون البيع بسعر التّكلفة وبأسعار زهيدة وأرباح هامشيّة، وهذا ما يجعل النّاس يتهافتون على الشّراء، موضحًا أنّ الزّوّار والرّوّاد يقبلون على محلّه كونه ذا سمعة وشهرة، ولأنّ شراء القطايف بالنسبة لهم يمثّل مادّة أساسيّة تضاف إلى مائدة الإفطار، مؤكّدًا أنّ شهر رمضان يعيد ويجدّد الحياة في البلدة العتيقة، رغم تراجع نسبة الشّراء جرّاء الظّروف الحاليّة التي تعيشها فلسطين.
وأوضح الشّوامرة أنّه يبيع كيلو القطايف بسبعة شواكل، علمًا أنّ سعر الكيلو منها خارج بلدة الخليل العتيقة لا يقلّ عن عشرة شواكل، وهو ما يمثّل خيارًا جيّدًا للمواطنين.
وعند سؤال معمّر العويوي تاجر الموادّ الغذائيّة وصاحب مؤسّسة السّرايا التّجاريّة في الخليل، عن الاستعدادات لديه كتاجر لتلبية احتياجات المواطنين في شهر رمضان، قال إنّ الاستعدادات الكاملة عادة للشّهر الفضيل تبدأ قبل نحو شهر، لكن في ظلّ الظّروف الحاليّة، حيث الحواجز والإغلاقات التي تؤثّر على الشّحن والنّقل، وكذلك القيود على الاستيراد، هي عوامل مجتمعة تشكّل عائقًا في توفّر الأصناف الأساسيّة، ناهيك عن التّأخير في نقل البضائع الأساسيّة، لافتًا “لقد بدأنا بالاستعدادات لكنّها ليست ككلّ عام”.
وأشار العويوي إلى أنّ التّغيّر الذي حدث بعد 7 أكتوبر 2023 ، تمثّل في ارتفاع أسعار الأصناف الأساسيّة للموادّ الغذائيّة، نتيجة طول فترة عمليّة الشّحن وحجز البضائع في الموانئ الإسرائيليّة والغرامات التي يدفعها التّجّار.
وأوضح العويوي أنّه يعمل في هذه المهنة منذ عشرين عامًا، حيث يقوم بالتّوزيع الجزئيّ للسوبرماركت والمولات، وأكّد أنّ البضائع الأساسيّة الموجودة في السّوق لا خوف من نقصها، خاصّة في ظلّ الرّكود الاقتصاديّ غير المسبوق، فقد بلغ حجم التّراجع في المبيعات في محالّ الجملة والتّوزيع الجزئيّ بنسبة 50-70% من حجم المبيعات بشكل يوميّ.
واعتبر العويوي أنّ الولائم هي الأساس في زيادة الاستهلاك للموادّ الغذائيّة في شهر رمضان، وهي عزيمة لكلّ أفراد العائلة الأبناء والبنات المتزوجين وأبنائهم، وتساهم هذه الولائم في تنشيط الاقتصاد، لكنّ الظّروف التي نعيشها الآن قد تحول دون ذلك في هذا العام، إلا إذا توقّفت الحرب بالكامل، فمن الممكن أن تعود هذه الأجواء، وأضاف أنّ المواطنين ومنذ الحرب على قطاع غزة لا يتقبّلون نفسيًّا أيّ شكل من أشكال الفرح، وهذا سينسحب على شهر رمضان، فقد لا يتقبّلون أن تكون هناك ولائم، ففي العام الماضي كان شهر رمضان في ظلّ الحرب، واقتصرت الولائم على مستوى ضيّق، رغم أنّها كانت في السّابق في محافظة الخليل بأعداد كبيرة بما لا يقلّ عن 250 إلى 500 شخص بما يشبه وليمة الأفراح.
ولفت العويوي ” إنّنا في فلسطين أمام خيارين في شهر رمضان، الخيار الأول: إذا ما انتهت الحرب سنرى المحالَّ تُزيَّن وكذلك أبواب المنازل، والخيار الثاني: إذا استؤنفت هذه الحرب وعادت آلة الدّمار لشعبنا ستكون الأمور مختصرة جدًّا، وسيكون النّاس في حالة حزن رغم أنّه شهر فضيل ويتوقون لقدومه، الأمر الذي يعني أن تقتصر المظاهر على الشّعائر الدّينيّة فقط.
الاستعدادات في مدينة نابلس
وفي مدينة نابلس شمال الضّفّة الغربيّة، لا يختلف المشهد كثيرًا، فهناك حواجز عسكريّة تحيط بالمدينة وبوّابات حديديّة على مداخلها، تلقي بظلالها على الحركة في الأسواق..
التقينا التّاجر بكر عزيز وهو صاحب محلّ العزيز للألبسة، يعمل في هذه المهنة منذ عشرات السّنين في مدينة نابلس، وقال إنّ استعداداته ضئيلة جدًّا، وليست بالمستوى الذي يرضيه، جرّاء الأوضاع التي تعيشها فلسطين منذ عام ونصف بشكل خاصّ، حيث شهد العام الماضي تراجعًا شديدًا بسبب الإغلاقات والحرب، الأمر الذي غيّر أولويّات الشّراء بالنّسبة للمواطن.
وأكّد عزيز أنّ استمرار هذه الأوضاع سيؤثّر سلبًا على الحركة الشّرائيّة والتّجاريّة خلال شهر رمضان في مدينة نابلس التي تعتبر من مراكز ثقل الاقتصاد الفلسطيني.
وقدّم عزيز نصيحة للتّاجر والمواطن على حدّ سواء في ظل توقّعاته المنخفضة لاحتماليّة تحسّن الأوضاع، وفقًا للمعطيات السّيّئة على الأرض، بقوله: “نصيحتي أن يعمل كلّ تاجر وفقًا لإمكانيّاته، وكان الله في عون المواطن”.
خطّة وزارة الاقتصاد لمتابعة السّوق في رمضان
أمّا عن الاستعدادت الرّسميّة لمتابعة المخزون لشهر رمضان المبارك ومراقبة الأسواق، فقد تحدّثنا مع إبراهيم القاضي مدير دائرة لجنة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الفلسطيني الذي أكّد أنّه تمّ إعداد خطّة، وقُدّمت لمجلس الوزراء للمصادقة عليها، وأهمّ بنودها التّأكّد من توفّر السّلع وأسعارها، لضمان عدم استغلال التجار.
وأضاف القاضي أنّ المتابعات والجولات الميدانيّة في الأسواق من قبل طواقم حماية المستهلك مستمرّة، وتتكثّف في شهر رمضان، بالشّراكة مع الجهات ذات العلاقة مثل وزراتي الصّحّة والزّراعة والغرف التّجاريّة والمحافظين.
وفيما يتعلّق بالمخزون، أكّد القاضي توفّر مخزون للسّلع الأساسيّة لمدّة ستّة شهور في فلسطين، مع استمرار الجهود؛ لمكافحة منتجات المستوطنات، ومنع إدخالها للسّوق الفلسطينيّة.
وأوضح القاضي أنّه في ظلّ حرب الإبادة والاقتحامات في الضّفّة، فإنّ هناك توجّهًا لدى وزارة الاقتصاد بإعادة رسم الخارطة التّموينيّة، ليكون في كلّ محافظة مخزون كافٍ لستّة أشهر إضافيّة من كلّ السّلع الأساسيّة، عبر التّشبيك بين المستوردين والتّجّار بإشراف وزارة الاقتصاد.
ولفت إلى أنّ إجراءات الاحتلال غيّرت كثيرًا من الواقع الاقتصادي في فلسطين، على سبيل المثال فإنّ السوق المركزيّة للخضار انتقلت من مدينة نابلس إلى بلدة بيتا المجاورة جرّاء الإغلاقات التي تشهدها مدينة نابلس منذ 4 سنوات، والتي ازدادت مع نهاية العام الماضي، ناهيك عن نقل عدد من التّجّار لمخازنهم إلى خارج المدينة .
وشدّد القاضي على أنّ المستهلك في فلسطين سيغيّر أولويّاته في شهر رمضان، إمّا بشكل مباشر أو تدريجيّ، وهنا يشير إلى أنَّه إذا ما استمرّ الارتفاع في أسعار اللّحوم الحمراء في الأيّام القادمة، حيث يصل سعر كيلو لحم الخروف اليوم لما يزيد عن مئة شيكل أي ما يعادل 29 دولارًا، سيكون الخيار أمام المستهلك هو الدّواجن أو اللّحوم المجمّدة.
وأضاف القاضي أنّ الاستهلاك يزيد في رمضان من 100% إلى 130%، في ظلّ انعكاس الأوضاع الحاليّة على عجلة الاقتصاد ككل.
ويبقى الأمل يعتمر قلوب الفلسطينيّين بأن يعمّ الهدوء، وتنتهي الحرب بشكل كامل، ليتمكنوا من تأدية عباداتهم في الشّهر الفضيل كما يرغبون، وأن يمارسوا طقوسهم السّنويّة و”لمّة العائلة” التي يتميّز بها المجتمع الفلسطينيّ، لا سيّما في رمضان، وزيارة الأقارب، والسّهرات الرّمضانيّة، التي لا تخلو من تنوّع الأطباق على موائدهم، وتعدّد الحلويّات لا سيّما القطايف.