![](https://www.shfanews.net/wp-content/uploads/2025/02/59-1.jpg)
في القدس:- حرب على الوعي ،المناهج ،الهوية ،الذاكرة، والتاريخ ، بقلم : راسم عبيدات
واضح بأن التركيز في الحرب الشاملة التي تشن على المقدسيين،في كل المجالات والميادين،تتركز الهجمة فيها، على ” الأسرلة ” و” كي الوعي”،وسعي محموم من قبل اسرائيل وكل اجهزتها ومؤسساتها ومستوياتها مدنية وأمنية،من اجل الحاق هزيمة شاملة بالشعب الفلسطيني على صعيد جبهة ” الوعي” والذاكرة والهوية والثقافة ،وهذا واضح من الميزانيات الضخمة التي يتم رصدها،من أجل السيطرة على التعليم والعملية التعليمية والمناهج في مدينة القدس،عبر ما يعرف بالخطط الخماسية الحكومية الإسرائيلية 2018 – 2023 و 2024 -2028،حيث الهجمة تتوسع على المدارس التابعة لوزارة الأوقاف الإسلامية،ومدارس وكالة الغوث واللاجئين والمدارس الخاصة،من أجل إزاحة المناهج الفلسطيني،بشكل كامل من المدينة،فالحرب تستعر على تلك المدارس لجهة الميزانيات والتراخيص،والتصاريح للطلبة والمدرسين من خارج ما يعرف بحدود بلدية القدس ،ولذلك تتعرض تلك المدارس لعمليات دهم وتفتيش تشارك فيها العديد من الأجهزة شرطة ومخابرات وموظفي بلدية من دائرة المعارف وتجري عمليات تفتيش لحقائب الطلبة والكتب التي يحملونها والمنهاج الذي يجري تدريسه،وحتى المنهاج الفلسطيني “المقزم” لا يريدونه ،بل يريدون منهاج اسرائيلي بالكامل من الروضات وحتى الثانوية العامة،ضمن خطط وبرامج ورؤى واستراتيجات متكاملة،”هدفها “كي” و”تقزيم” وصهر” و”تطويع” وتجريف” كلي وشمولي لوعي الطلبة الفلسطينيين،والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية،أي غسيل أدمغة،هي معركة لفرض الرواية والسردية الإسرائيلية،ليس على التعليم فقط ،بل على مسار التاريخ بالكامل. الهجمة توسعت ولم تبق في حدود التعليم،بل للأسف هناك أطراف تشارك في تلك الهجمة امريكية وأوروبية غربية ،وحتى وكالة الغوث واللاجئين ” الأونروا” ،التي تعرضت للشطب والإخراج عن ” القانون” ،ومنعها من مزاولة اي نشاط او عمل في مدينة القدس وخارجها،وجدنا بأن مسؤولي تلك الوكالة،عمدوا تحت ضغوط أمريكية واسرائيلية واوروبية غربية، الى الغاء كتاب اللغة العربية للصف الخامس،تحت حجج وذرائع،وجود مضامين تربوية تشجع على التحريض” و”الإرهاب”،ولها علاقة بتعزيز الإنتماء والثقافة والهوية الوطنية،والحفاظ على الرواية والسردية الفلسطينية للتاريخ .لكونها تتحدث عن معركة القسطل وعن سيرة الشهيدة دلال المغربي،واشعار فدوى طوقان وسميح القاسم ومحمود درويش وتوفيق زياد وغيرهم.
الحرب انتقلت الى المؤسسات الثقافية والمكتبات ومحلات التحف الشرقية،فالعديد من المؤسسات الثقافية في مدينة القدس ،والتي تعنى بالجانب الثقافي والفني والمجتمعي، تعرضت لحملات دهم وتفتيش وتكسير واغلاق لفترات محددة،تحت حجج وذرائع تقديمها وعرضها واقامتها لأنشطة وفعاليات تحريضية،وأنشطة تحض على الكراهية و”اللاسامية” وتشجع ” الإرهاب” ،ونذكر من تلك المؤسسات مركز “يبوس”الثقافي ،والمسرح الوطني – الحكواتي- وبرج اللقلق وغيرها من المؤسسات الأخرى ،ولكي يعملوا لاحقاً على اغلاق تلك المؤسسات ومنع وجودها في المدينة،جرى السيطرة على موقف السيارات في ساحة ما يعرف بمكتبة “البلدية،قبالة المدرسة المأمونية الثانوية للبنات في القدس،تحت ذريعة اقامة منصات ثقافية وفنية ومسرحية للمقدسيين، والهدف واضح مؤسسات ومنصات لها علاقة بتقديم انشطة وفعاليات تطبيعية فلسطينية – اسرائيلية،ويستتبع ذلك القيام بإغلاق ومنع تجديد تراخيص المؤسسات الثقافية والفنية الفلسطينية في المدينة.
الهجمة امتدت لتطال المكتبات ،حيث أقدمت يوم الأحد 9/2/2025 على اقتحام المكتبة العلمية في شارع صلاح الدين،تلك المكتبة التي افتتحت قبل 38 عاماً في شارع صلاح الدين في القدس المحتلة، لتصبح مع مرور السنوات واحدة من أهم المكتبات في فلسطين، وفي القدس على وجه الخصوص، حيث تعد مقصدا للدبلوماسيين والصحفيين والباحثين والطلبة.
وفازت المكتبة العلمية بجائزة أفضل مكتبة لعام 2011 على مستوى فلسطين، وثالث أفضل مكتبة على صعيد الشرق الأوسط من قبل مؤسسة “لونلي بلانيت” و”بي بي سي” في لندن.
هذه الأهمية التي تحظى فيها المكتبة وما تحويه من كتب ومراجع بلغات متعددة بشأن فلسطين والقدس، لم ترق للاحتلال الإسرائيلي الذي يستهدف كل ما هو عربي فلسطيني في المدينة المقدسة، ليقدم على إغلاق المكتبة واعتقال مالكيها محمود وأحمد منى، بذريعة بيع كتب “تحريضية”،واللذان أطلق سراحهما يوم الثلاثاء 11/2/2025 بشروط مجحفة. وسبق إغلاق المكتبة العلمية، إقدام الاحتلال على إغلاق مكتبتين في البلدة القديمة في القدس منذ مطلع الشهر الحالي، الأمر الذي يكشف عن مخطط احتلالي يستهدف الفكر والثقافة والأدب في القدس.
ففي وقت سابق، اقتحمت شرطة الاحتلال مكتبتين في باب خان الزيت، داخل أسوار البلدة القديمة، واعتقلت هشام العكرماوي صاحب مكتبة القدس لعدة أيام، وأغلقت مكتبته لمدة شهر بحجة بيع كتب” تحريضية”، كما فرضت على صاحب مكتبة أخرى داخل أسوار البلدة مبالغ باهظة الثمن لذرائع واهية.
إن إغلاق المكتبات يقع ضمن المخططات الإسرائيلية للتجهيل وتكميم الأفواه ومحو أي شيء له علاقة بالثقافة الوطنية الفلسطينية،والثقافة والتعليم توأمان لهما علاقة بالعقل والوعي والانتماء والتفكير،وهو ما تحاول إسرائيل السيطرة عليه والتحكم به، لتمرير روايتها المزورة التي تخدم روايتها الاحتلالية.
إن العدوان لم يتوقف عند الاعتداء على المنهاج الفلسطيني بل إن المسألة أبعد من ذلك، وتستهدف الثقافة والرواية والسردية الفلسطينية في مدينة القدس.
وأوضح أن الحرب التي تجري الآن على المكتبات وإغلاقها تأتي تحت حجج وذرائع تتمثل في بيع كتب متعلقة بالتاريخ والهوية الفلسطينية والزعم أنها تحريضية، وتتصاعد هذه الحرب باتجاه كل المكتبات.
إن الاحتلال يحارب أي مجسم فلسطيني في مدينة القدس، والمحال التجارية استهدفت بحجة وجود رموز فلسطينية فيها، وهذا يندرج في إطار محاولة كي الوعي الفلسطيني واستهداف للثقافة والرواية والوجود الفلسطيني والتاريخ الفلسطيني، وهي محاولة يائسة من قبل الاحتلال لتغييب الرواية والسردية الفلسطينية وادعاء أن مدينة القدس هي يهودية وأن المقدسيين دخلاء على المشهد في القدس، وهذا لن يحدث.
فلسطين – القدس المحتلة