11:37 مساءً / 10 فبراير، 2025
آخر الاخبار

“اتفاقية الخليل والتطبيع: هل تستطيع إسرائيل تجاوز الفلسطينيين أم تصطدم بالموقف السعودي؟” ، بقلم : م. غسان جابر

"اتفاقية الخليل والتطبيع: هل تستطيع إسرائيل تجاوز الفلسطينيين أم تصطدم بالموقف السعودي؟" ، بقلم : م. غسان جابر


منذ توقيع اتفاقية أوسلو، سارت إسرائيل على نهج متناقض: ترفع شعار السلام بينما توسّع الاستيطان، تلتزم بالاتفاقيات نظريًا لكنها تفرغها من مضمونها عمليًا، تفاوض الفلسطينيين أمام العالم لكنها على الأرض تفعل كل ما يمكن لإقصائهم من المعادلة.
يُعد بروتوكول الخليل (1997) واحدًا من أبرز الأدلة على هذا النهج، حيث استغلته إسرائيل لتعزيز سيطرتها بدلًا من تمكين الفلسطينيين، كما فعلت لاحقًا مع كل اتفاقية سلام لم تُنفَّذ إلا بقدر ما يخدم مصالح الاحتلال.
ومع إدراك إسرائيل أن السلام مع الفلسطينيين يتطلب إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوقهم، لجأت إلى استراتيجية أخرى: تجاوز الشعب الفلسطيني بالكامل والتوجه نحو التطبيع مع الدول العربية، محاولةً خلق واقع جديد يكرّس وجودها دون الحاجة إلى تقديم أي تنازلات جوهرية للفلسطينيين. لكن السؤال الحقيقي هنا: هل تنجح إسرائيل في فرض هذا الواقع؟ وهل يمكن لهذا المسار أن يعيد تشكيل الخريطة السياسية الإسرائيلية، وربما يطيح بنتنياهو؟
اتفاقية الخليل: عندما يصبح “السلام” وسيلة للهيمنة
عندما وقّع ياسر عرفات وبنيامين نتنياهو اتفاق الخليل عام 1997، كان يُفترض أن يكون خطوة لتنفيذ اتفاق أوسلو عبر انسحاب الجيش الإسرائيلي من 80% من المدينة (H1) وإبقاء 20% (H2) تحت السيطرة الإسرائيلية لحماية مئات المستوطنين. ولكن كما هي العادة، استخدمت إسرائيل الاتفاقية للمماطلة وليس للتنفيذ، مستغلةً بند “الحفاظ على الأمن” لتبرير سيطرتها الدائمة.
ومن أبرز تجليات هذه السياسة كان إغلاق شارع الشهداء، الذي كان شريانًا اقتصاديًا في قلب الخليل، وحُوّل إلى منطقة محظورة على الفلسطينيين بينما يُسمح للمستوطنين بالتنقل فيه بحرية.
كان هذا الإغلاق نموذجًا لكيفية تفريغ أي اتفاق من مضمونه وتحويله إلى أداة لخنق الفلسطينيين بدلًا من تحسين أوضاعهم.
لكن هذه السياسة لم تكن خاصة بالخليل وحدها، فقد أصبحت نهجًا إسرائيليًا دائمًا: توقيع اتفاقات ثم تعطيلها، الحديث عن السلام بينما تتوسع المستوطنات، واستغلال كل فرصة لكسب الوقت وفرض وقائع جديدة على الأرض.
لماذا لا تريد إسرائيل السلام مع الفلسطينيين؟
على الرغم من أن هناك فئات إسرائيلية، خصوصًا في اليسار، كانت تدعم حل الدولتين، إلا أن المزاج العام في إسرائيل أصبح يميل أكثر فأكثر نحو التشدد والتوسع، مدفوعًا بعوامل عدة:

  1. نجاح سياسة الاستيطان: منذ اتفاق أوسلو، تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية عدة مرات، مما جعل الانسحاب مستحيلًا دون صدام داخلي عنيف.
  2. ضعف الموقف الدولي: رغم الإدانات الشكلية، لم تتعرض إسرائيل لأي عقوبات جدية بسبب سياساتها التوسعية.
  3. تفكك النظام السياسي الفلسطيني: بين الانقسام الداخلي والضغوط الاقتصادية، لم يعد هناك “شريك فلسطيني” قوي يمكن أن يفرض نفسه على طاولة المفاوضات.
  4. التطبيع العربي: مع تراجع الدعم العربي الرسمي للفلسطينيين، لم تعد إسرائيل ترى أي ضغط يجبرها على تقديم تنازلات.
    كل هذه العوامل عززت فكرة لدى الإسرائيليين مفادها أن السلام ليس ضروريًا، وأنهم يستطيعون الاستمرار في الاحتلال دون دفع ثمن حقيقي.
    إسرائيل والتطبيع: محاولة لتجاوز الفلسطينيين؟
    مع تراجع فرص السلام مع الفلسطينيين، بدأت إسرائيل بتوجيه بوصلتها نحو التطبيع مع الدول العربية، حيث سعت لعقد اتفاقات اقتصادية وأمنية مع دول مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، محاولةً خلق شرق أوسط جديد لا يكون فيه الفلسطينيون طرفًا في المعادلة.
    يهدف هذا المسار إلى تحقيق عدة أهداف:
  5. كسر العزلة الإقليمية لإسرائيل، وجعلها لاعبًا طبيعيًا في المنطقة دون الحاجة إلى حل القضية الفلسطينية.
  6. تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي من خلال مشاريع اقتصادية مع دول الخليج والاستفادة من السوق العربية.
  7. تطويق النفوذ الإيراني عبر بناء تحالفات أمنية مع الدول العربية التي تخشى تمدد طهران.
    لكن السؤال هنا: هل يمكن أن ينجح هذا المسار؟
    لماذا التطبيع ليس بديلاً عن حل القضية الفلسطينية؟
    رغم المكاسب التي حققتها إسرائيل من التطبيع، إلا أن تجاوز الفلسطينيين لن يكون ممكنًا على المدى البعيد للأسباب التالية:
  8. الشعوب العربية لا تزال داعمة للقضية الفلسطينية: رغم توقيع حكومات عربية لاتفاقيات تطبيع، فإن الشارع العربي لا يزال يرى في إسرائيل قوة احتلال.
  9. المقاومة الفلسطينية ما زالت فاعلة: سواء عبر الحراك الشعبي أو العمل المسلح، فإن الفلسطينيين يرفضون فكرة أن قضيتهم قد انتهت أو أن إسرائيل يمكنها الاستمرار في الاحتلال بلا تكلفة.
  10. التوازن الديموغرافي: مع استمرار النمو السكاني الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة، فإن إسرائيل ستواجه تحديًا ديموغرافيًا يجعل من المستحيل إبقاء الوضع الحالي للأبد.
    هل يمكن للإسرائيليين الإطاحة بنتنياهو؟
    مع تفاقم أزمات إسرائيل الداخلية، هناك تساؤل مهم: هل يمكن لهذا المسار أن يؤدي إلى تغيير سياسي داخلي في إسرائيل، وربما الإطاحة بنتنياهو؟
  11. الأزمات السياسية المتكررة: إسرائيل شهدت خمس انتخابات خلال أربع سنوات، مما يعكس عمق الأزمة السياسية، خصوصًا مع فساد نتنياهو وانقسام المشهد الحزبي.
  12. الغضب الشعبي من الأزمة الاقتصادية: رغم المكاسب السياسية، فإن التطبيع لم ينعكس إيجابيًا على الاقتصاد الإسرائيلي بالقدر الذي كان متوقعًا، مما زاد من التذمر الشعبي.
  13. تراجع الدعم الأمريكي: مع تغير الأولويات الأمريكية، لم يعد نتنياهو يحظى بالدعم غير المشروط الذي كان يحصل عليه في السابق.
    لكن رغم كل هذه العوامل، يبقى نتنياهو لاعبًا بارعًا في السياسة، ولا يزال يراهن على ورقة الأمن والتطرف اليميني للبقاء في السلطة.
    الموقف السعودي: حائط الصد أمام مخططات التهجير والتطهير العرقي
    على الرغم من موجة التطبيع التي اجتاحت بعض الدول العربية، ظل الموقف السعودي ثابتًا في دعم الحقوق الفلسطينية، مؤكداً أن أي تطبيع مع إسرائيل يجب أن يكون مشروطًا بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.
    لماذا يمثل الموقف السعودي عاملًا حاسمًا؟
  14. الثقل السياسي والديني: تمتلك السعودية نفوذًا واسعًا على المستوى الإسلامي والعربي، ما يجعل موقفها مؤثرًا في أي معادلة إقليمية.
  15. رفضها لصفقة على حساب الفلسطينيين: أكدت المملكة مرارًا أن أي حل لا يأخذ في الاعتبار الحقوق الفلسطينية لن يكون مقبولًا.
  16. التصدي لمحاولات التهجير والتطهير العرقي: السعودية تدرك خطورة المشاريع الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في القدس والضفة الغربية، ولذلك تواصل دعمها السياسي والاقتصادي للفلسطينيين.
    نقول و نؤكد : لا حل دون الفلسطينيين
    ما تحاول إسرائيل فعله من خلال التطبيع وتجاوز الفلسطينيين قد يمنحها بعض المكاسب قصيرة المدى، لكنه لن يكون بديلاً عن حل حقيقي للقضية الفلسطينية. فالتاريخ أثبت أن أي اتفاق لا يأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني مصيره الفشل.
    إسرائيل قد تربح معارك سياسية، لكنها لن تتمكن من فرض السلام بالقوة، ولن تستطيع تجاوز الفلسطينيين إلى الأبد.
    م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)

شاهد أيضاً

النرويج تستضيف مؤتمراً دولياً يطالب بتعليق عضوية دولة الاحتلال في المنظمات الدولية

النرويج تستضيف مؤتمراً دولياً يطالب بتعليق عضوية دولة الاحتلال في المنظمات الدولية

شفا – شاركت دائرة مناهضة الفصل العنصري (الأبارتهايد) في منظمة التحرير الفلسطينية في المؤتمر الدولي …