7:56 مساءً / 10 فبراير، 2025
آخر الاخبار

الضفة الغربية بين الضم الإسرائيلي والتهجير ، بقلم : سالي أبو عياش

الضفة الغربية بين الضم الإسرائيلي والتهجير ، بقلم : سالي أبو عياش

الضفة الغربية بين الضم الإسرائيلي والتهجير ، بقلم : سالي أبو عياش


منذ بداية الاستيطان الصهيوني في فلسطين، واجهت القيادة الصهيونية ما أطلقت عليه “المسألة العربية”، وهي معضلة إقامة دولة استيطانية ذات أغلبية يهودية في أرض يشكل الفلسطينيون فيها الغالبية الساحقة ويمتلكون معظم أراضيها، فكان الحل المفضل لدى معظم القادة الصهاينة هو ما يُعرف بـ “الترانسفير”، أي الترحيل القسري للسكان، وهو تعبير مخفف للإبادة الجماعية والتطهير العرقي والطرد المنظم للفلسطينيين للبلدان المجاورة، وفي حقيقة الأمر القضية ليست بالمشكلة الديمغرافية في فلسطين والتوصل إلى حلٍ جذريٍ لها وإنما كان عبارة عن سياسة ممنهجة تبنّتها القيادات الإسرائيلية المتعاقبة وسعت إلى تنفيذها بدرجات متفاوتة من النجاح بل واعتبرتها حلاً جذرياً للمشكلات التي تواجه الدولة الإسرائيلية المتفاقمة منذ عام 1967، وبعد هذا العام تعمّقت هذه السياسة، إذ حرصت إسرائيل على الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلة لسببين رئيسيين: الأول، اعتبار التوسع عنصراً جوهرياً في مشروع “إسرائيل الكبرى”، الذي يسعى لامتداد الدولة من النهر إلى البحر والذي سنتطرق إليه في السطور التالية، والثاني؛ رفض قيام دولة فلسطينية مستقلة، لاعتبارها تهديداً استراتيجياً لأمن إسرائيل ووجودها.


هنا يجب التذكير بأن إسرائيل لا تعتبر دولة وفقاً لمعاير القانون الدستوري بالرغم من الاعتراف الدولي بها إلا أنها تفتقر إلى ركنيين من أركان الدولة وهما الحدود الواضحة والدستور(السلطة أو القانون الحاكم) ، وإن نظرنا إلى إسرائيل سنرى أنها بلا دستور وإنما قوانين أساسية تحكمها ، ولا تمتلك حدوداً واضحة وإنما تسعى بصورة مستمرة إلى توسيعها لتحصل على دولة إسرائيل الكبرى (من البحر إلى النهر )والتي ستضم أماكن وأراضي من دول مجاورة دولة عبارة عن (قطع من الأراضي متفرقة في سوريا، لبنان، العراق، الأرض، مصر، السعودية وهي الدولة الكبرى) والداخل الفلسطيني المتحل، المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية)، وإنما هي كيان استعماري إحلالي قائم على سلب الأراضي والسيطرة عليها وقتل أو تهجير السكان الأصليين وتوطين سكان جدد بدلاً منهم، ففي الفكر الصهيوني الإحلالي لا وجود للاندماج وخير دليل على ذلك أن المواطنين الفلسطينيين الذين بقوا في الداخل المحتل سواء عام 1948 أو في الجولان السوري المحتل عام 1967 لا ينطبق عليهم قانوناً واضح المعالم بل ينطبق قانون متغير حسب الحكومات المتعاقبة والظروف الراهنة، ناهيك عن التمييز الواضح بينهم وبين المواطنين الإسرائيليين، كذلك نلاحظ في أراضي الصفة الغربية التي تم احتلالها عام 1967 فمع مرور السنين واتباع سياسة الترانسفير أصبحت مسكن لما يقارب مليون مستوطن إسرائيلي وباتت تعج بالمستوطنات وما بينها من شبكة طرق ونقل خاصة بالمستوطنين وتقيد حرية النقل للفلسطينيين، كذلك الفارق القانوني بين الطرفين، فعلى سبيل الطرح لا الحصر: أن مرتكب الجريمة الفلسطيني والإسرائيلي في المنطقة نفسها يعامل باختلاف واضح في القانون المستحدث بناء للسياسات الإسرائيلية المتبعة، فالاقتحامات المتكررة للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية لمناطق سكن الفلسطينيين يكون ضمن حماية الجيش الإسرائيلي وإن لم يكن ضمن حمايتهم المباشرة فلا وجود لعقاب رادع لهم، بينما إن وجد العكس وكان هناك تظاهرة فلسطينية وليس اقتحام فالعواقب على الفلسطينيين تكون جمة من قتل واعتقال وإبعاد لهم، أما قطاع غزة فباتت الرؤيا واضحة في محاولة إبادة جماعية ممنهجة مصحوبة بالإقصاء القسري لفلسطيني القطاع من بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم في جميع الحروب التي وقعت على قطاع غزة.


تتجلى هذه الرؤية الإسرائيلية بوضوح في خطة “سموتريتش”، التي أعلن عنها بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي ووزير الإدارة المدنية في وزارة الدفاع، والمعروفة باسم “خطة الحسم”، إذ تهدف هذه الخطة إلى تحقيق سيطرة كاملة على الضفة الغربية، ومنع أي إمكانية لقيام كيان سياسي فلسطيني مستقل كما تدعم الخطة برامج التهجير الطوعي للفلسطينيين، إضافة إلى ذلك تسعى الخطة إلى زيادة عدد المستوطنين في الضفة الغربية ليصل إلى مليوني مستوطن، وتعزيز التوسع الاستيطاني من خلال ربط المستوطنات ببعضها البعض عبر شبكة من الطرق الالتفافية، على سبيل المثال؛ في منطقة بيت لحم يتم العمل على ضم المستوطنات الواقعة على أراضيها أو المحيطة بها إلى تلك القريبة من القدس، وذلك من خلال إنشاء طرق جديدة تهدف إلى تشكيل ما يُعرف بـمستوطنات “القدس الكبرى”، هذه الإجراءات تأتي على حساب الأراضي الفلسطينية وتُفاقم معاناة الشعب الفلسطيني، حيث يتم مصادرة أراضيه وتقطيع أوصال مدنه وقراه.


فإذا قمنا بربط الأحداث الجارية في قطاع غزة مع الوضع في الضفة الغربية، ستتجلى لنا صورة واضحة للسياسات القمعية والوحشية التي تنفذها إسرائيل بحق الفلسطينيين من عمليات مصادرة الأراضي، والتوسع المكثف في بناء المستوطنات، وهدم المنازل الفلسطينية، بالإضافة إلى تسليح المستوطنين وتحريضهم على مهاجمة منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم ودور عبادتهم، دون إغفال الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، فهذه الإجراءات ليست عشوائية، بل هي جزء من استراتيجية ممنهجة تهدف إلى خنق الفلسطينيين في الضفة الغربية سياسياً واقتصاديا، ودفعهم نحو ما يُطلق عليه “الهجرة الطوعية”، وهي في حقيقتها عملية تهجير مقنّعة تهدف إلى تفريغ الأرض من سكانها الأصليين، وأن إسرائيل ستعمل بكل الوسائل المتاحة لتحقيق أهدافها التوسعية والاستيطانية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني ووجوده.


في الآونة الأخيرة يتسابق قادة إسرائيل وخاصة الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة، للإعلان أن عام 2025 سيكون عام فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية وضمها رسمياً، مما يعني دثر أمل قيام دولة فلسطينية ذات سيادة، وقد اكتسبت هذه التصريحات زخماً إضافياً بعد فوز الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في الانتخابات الأمريكية، الذي أظهر دعمه الواضح للسياسات الإسرائيلية التوسعية و خاصةً بعدما صرح به مؤخراً أثناء لقائه برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حول التهجير والضم وتحويل قطاع غزة إلى “ريفيرا” الشرق الأوسط وجعلها تحت سيطرته وملكاً للولايات المتحدة الامريكية وكأنها إرثاً جغرافيا له، وعن إمكانية ضم إسرائيل الضفة الغربية المحتلة، مشدداً على صغر حجم إسرائيل مقارنة بجيرانها العرب، وهذه التصريحات أدت إلى تعزيز تسابق الأحزاب اليمينية في تحقيق ما تريد من خلال تصريحاتها بضم الضفة وتهجير السكان فمن الواضح أيضاً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” قدم رشوة سياسية لوزير المالية وزعيم حزب الصهيونية الدينية “بتسلئيل سموتريتش”، حيث تم اعتبار الضفة الغربية ساحة حرب لضمان أمن المستوطنين مقابل عدم استقالة سموتريتش من الحكومة إثر اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وقد تم ترجمة هذه الصفقة عملياً وبشكل فوري من خلال الإعلان عن عملية “السور الحديدي” في شمال الضفة الغربية، بالإضافة إلى تشديد الحواجز في جميع أنحاء الضفة، حيث تم نشر ما يقارب (898) حاجزاً وبوابة تقطع أوصال الضفة الغربية وتعزل جميع تجمعاتها السكنية كما تم تجهيز بنية تحتية لوجستية تشمل بوابات إلكترونية، وإغلاق مداخل فرعية، وإقامة أبراج مراقبة وثكنات عسكرية، مما يمكن قوات الاحتلال من إغلاق وعزل جميع محافظات ومناطق الضفة الغربية في دقائق معدودة.


وهذا كله يوضح أن خطة الضم، بالمفهوم الإسرائيلي، لا تعني ضم المدن أو التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية إلى إسرائيل، بل تعني عزل هذه التجمعات وضم المستوطنات والمناطق المصنفة (C) إلى إسرائيل، والتي تشكل حوالي (61%) من مساحة الضفة الغربية. يتم ذلك من خلال ربط هذه المناطق بشبكة طرق وبُنى تحتية متطورة، بحيث تتكامل عضوياً مع المدن الإسرائيلية داخل الخط الأخضر، بينما تبقى المدن والتجمعات الفلسطينية معزولة في “كانتونات” ومعازل مقطعة الأوصال، مما يشل الحركة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية للفلسطينيين.


بعد عام ونصف من الأحداث الدامية في فلسطين بشكل خاص والمنطقة الإقليمية بشكل عام يبدو أننا أمام ميلاد الشرق الأوسط الجديد مع عدم وجود مختص قادر على إيقاف هذه الولادة أو العمل على تأجيلها فطوفان الاقصى ، في غالب الامر سيطوف على الجميع ولن يقتصر على قطاع غزة أو فلسطين وستكون انعكاساته أقوى وأعمق وأوسع مما تم توقعه.
وفي نهاية الحديث يكمن التساؤل الغامض إلى أين نحن ذاهبون حليف المشهد ففي ظل التسارع في الأحداث السياسية والتصريحات المطروحة فيما يتعلق بالتهجير والضم للشعب الفلسطيني وسياسة الخناق التي تفرضها السلطات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني اقتصادياً وسياسياً يبقى الغموض ذا الحضور الأقوى فهل نحن أمام تهجير طوعي أو قسري للضفة الغربية؟ أم نحن أمام ضم للأراضي الفلسطينية في المناطق (C) والمستوطنات الإسرائيلية وعزل المناطق الفلسطينية في كانتونات مفصولة يصعب التنقل بينها …

شاهد أيضاً

محققة أممية : خطة ترامب بشأن غزة غير قانونية وترقى إلى “تطهير عرقي”

شفا – قالت رئيسة لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نافي بيلاي، …