7:49 مساءً / 10 فبراير، 2025
آخر الاخبار

فلسطين من بلفور إلى ترامب ، بقلم : د. عقل صلاح

فلسطين من بلفور إلى ترامب ، بقلم : د. عقل صلاح


تهدف هذه المقالة للمقارنة التاريخية بين النكبتين، النكبة الأولى التي أسس لها وعد بلفور الذي تم إعلانه في 2تشرين الثاني/نوفمبر1917، والذي عمل على تهجير اليهود إلى فلسطين مما خلق النكبة سنة 1948 التي أدت إلى إقامة دولة الاحتلال وتهجير الشعب الفلسطيني والتي تلتها النكسة سنة 1967 والتي أدت إلى احتلال كامل فلسطين التاريخية. وفي المقابل، نناقش النكبة الثانية والتي يقف على رأسها هذه المرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمتمثلة في صفقة القرن في ولايته الأولى وخطة تهجير جزء من الشعب الفلسطيني في بداية ولايته الثانية. وما يهمنا في هذه المقالة إلقاء الضوء على أن النكبة الأولى قد هجرت اليهود من أنحاء العالم إلى فلسطين، بينما النكبة الثانية تهدف لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه إلى بعض الدول العربية، ومنع إقامة دولة فلسطينية.

وهذا يقودنا إلى إن أطماع الغرب في فلسطين قديمة العهد؛ لما يمثّله موقعها الجغرافي من أهمية استراتيجية اقتصادية وعسكرية ودينية، وقد كانت بريطانيا على رأس الدول الاستعمارية الطامعة في السيطرة على المنطقة قديمًا، واليوم أصبحت أمريكا تهدف إلى تحقيق نفس السياسة والأهداف البريطانية، وقد تبلور الوعد نتاج مصالح الدول الغربية التي كانت تريد التخلص من اليهود في أوروبا. إن وعد بلفور ليس فقط نقطة التحول الكبرى في المشروع الصهيوني، وإنما قام بتغيير مستقبل الوطن العربي، من خلال زرع دولة إسرائيل بدلًا من دولة فلسطين. إن فكرة ومشروع إقامة الكيان الصهيوني في فلسطين، فكرة استعمارية غربية نفذتها بريطانيا من ألفها إلى يائها. بعد أكثر من قرن على وعد بلفور من قبل بريطانيا، تم إعلان وعد جديد يمكن أن يطلق عليه الوعد الثاني، ولكن هذه المرة جاء الوعد من أمريكا -وعد ترامب- الذي يمنح القدس لإسرائيل من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة دولة الاحتلال-إسرائيل- ونقل السفارة الأمريكية للقدس. لقد تكرر مشهد بلفور “الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق”.


وبعد 108 سنوات على وعد بلفور يحضر ترامب إلى وعد جديد وهو وعد تهجير الشعب الفلسطيني، وفي16 آب/أغسطس 2024، نقلت القناة 12 الإسرائيلية، عن ترامب قوله إن “مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها”، وهذا التصريح جاء قبل انتخابه رئيسًا بفترة وجيزة. وبعد انتخابه طرح خطة لتهجير سكان غزة إلى مصر والأردن، وصرح ترامب في 26كانون الثاني/يناير 2025، أنه ناقش الخطة مع العاهل الأردني ومع الرئيس المصري، مشيرًا إلى أن نقل السكان قد يكون مؤقتًا أو طويل الأجل، وطرح ترامب خطة لـ”تطهير” غزة، قائلا إنه يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من القطاع من أجل إحلال السلام في الشرق الأوسط.


ويذكر أنه قبل وأثناء حرب سنة 1948، تم تهجير وطرد مليون فلسطيني تقريبًا من منازلهم والتي عرفت بالنكبة. وفي حرب سنة 1967، عندما استولت إسرائيل على الضفة وقطاع غزة، تم تهجير وطردّ نصف مليون فلسطيني آخرين تقريبًا إلى الدول العربية. ويرى العديد من الفلسطينيين أن الحرب الأخيرة في غزة، والتي دمرت أحياء بأكملها وأرغمت 90% من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على النزوح من منازلهم، بمثابة نكبة جديدة. وهم يخشون أن يؤدي رحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين من غزة إلى عدم عودتهم إليها أبداً.


وحذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من التداعيات الأمنية لنقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء المصرية المتاخمة لقطاع غزة. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تعقيد الجهود المبذولة للتوسط في اتفاق تاريخي بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل لتطبيع العلاقات، وهو الأمر الذي حاول ترامب القيام به خلال فترة ولايته السابقة، ويتوقع استكماله في ولايته الحالية.
قوبلت دعوة ترامب لـ”تطهير” غزة وترحيل سكانها إلى الأردن ومصر بإشادة وترحيب إسرائيلي، ورفض فلسطيني وعربي. من جانبه، رأى وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن اقتراح الرئيس الأميركي ترامب نقل سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر “فكرة رائعة”، وقال سموتريتش لنتنياهو: علينا تعزيز قبضتنا وسيادتنا على الضفة. وأشاد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، بمبادرة ترامب، وكتب عبر منصة “إكس” “أهنئ الرئيس ترامب على مبادرته بنقل السكان من غزة للأردن ومصر، إن أحد مطالبنا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هو تشجيع الهجرة الطوعية للفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر”.


ويذكر أن معظم سكان غزة هم لاجئون فلسطينيون أو من أحفاد اللاجئين، وبالنسبة للفلسطينيين فإن أي محاولة لنقلهم من غزة ستكون مشابهة للنكبة الفلسطينية التي تعرضوا لها في سنة 1948، وفي الأردن يعيش 2,3 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين وفقا للأمم المتحدة.
لقد جاء الرد على خطة الرئيس ترامب من الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية في غزة في مشاهد العودة من الجنوب إلى الشمال، التي تعبر عن مدى تمسك الفلسطيني بأرضه على الرغم من عودتهم إلى بيوتهم المدمرة والممسوحة عن الوجود بفعل القصف الاحتلالي في الصواريخ والقنابل الضخمة الأمريكية. فحرب الإبادة والتجويع وملايين الأطنان من القنابل لم تدفع الشعب للهجرة من أرضه.


أكد اجتماع “الخماسي العربي”، الذي عُقد في القاهرة في الأول من شباط/فبراير 2025، على الرفض القاطع لأي محاولات لتهجير الفلسطينيين أو انتزاع حقوقهم، سواء عبر الأنشطة الاستيطانية أو هدم المنازل أو ضم الأراضي، معتبرين أن هذه الإجراءات تهدد الاستقرار وتقوض فرص السلام في المنطقة. كما ردّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي على دعوات ترامب المتكررة لنقل سكان غزة إلى مصر والأردن، بإرسال الإسرائيليين إلى غرينلاند بدلاً من ذلك.
ومع كل هذا، فنتائج وآثار وعد بلفور الكارثية مازالت مستمرة ومتصاعدة، فدولة الاحتلال أقيمت على غالبية فلسطين التاريخية، إضافة إلى استمرار الاحتلال بالتوسع الاستيطاني وتهويد القدس، والهدم والقتل والاعتقال وتشريد ملايين الفلسطينيين إلى الشتات، حيث لم تكتف بتشريدهم وإنما قامت بملاحقتهم في مخيمات الشتات واستهدفتهم وشردتهم للدول الغربية معتمدة على المقاول الداعشي، ومن قبله على جيش لبنان الجنوبي -عملاء إسرائيل- الذين نفذوا مجزرة صبرا وشتيلا.، واليوم، التاريخ يعيد نفسه بحق المخيمات من حيث الاستهداف الذي تتعرض له المخيمات في شمال الضفة من تدمير ممنهج بعد تدمير مخيمات غزة من أجل طمس حق العودة، وتوطين اللاجئين في الدول المتواجدين بها.
ونخلص إلى قاعدة أساسية حكمت الحالة إبان إصدار وعد بلفور ووعد ترامب أن الشعب الفلسطيني في الوعد الأول كان عاجزًا عن الدفاع عن القضية الفلسطينية ولم تكن هناك مقاومة فلسطينية تقف في وجه المخططات الخبيثة، بينما الشعب الفلسطيني عند إعلان خطة ترامب رد عليه من خلال العودة من الجنوب إلى الشمال في القطاع، والشعب اليوم يستند على مقاومة تجبر الاحتلال على الانسحاب والسماح للعودة وإطلاق سراح المئات من الأسرى المؤبدات الذي يمكن وصفه بالمعجزة التاريخية.


وعليه، مطلوب من دولتي مصر والأردن فتح المجال واسعًا للتحرك الشعبي الرافض لمخطط استهداف وضرب الأمن القومي لدولهم من خلال خطة ترامب التي تهدف لتهجير الشعب الفلسطيني، ويجب التحرك على المستوى الإقليمي والدولي للدفاع عن سيادتهم ورفض هذه المشاريع التي تتعارض مع القوانيين الدولية وسيادة الدول وحقوق الشعوب المحتلة بالتخلص من الاحتلال. وتمتلك الأردن ومصر ورقة ضغط قوية بكونها تقيم علاقات سلام مع إسرائيل بالشروع في خطوات تصعيدية وصولًا لقطع العلاقات وإلغاء اتفاقيات السلام مع إسرائيل وأيضًا مع أمريكا في حال نفذ ترامب ونتنياهو مخططهم الخبيث بتهجير الشعب الفلسطيني، وهذه هي الخطوات العملية التي يجب أيضًا على السلطة الفلسطينية القيام بها من خلال سحب الاعتراف بدولة إسرائيل، ووقف التنسيق الأمني وصولًا لتحميل الاحتلال المسؤولية عن احتلاله للضفة الغربية والقطاع من خلال تجميد عمل السلطة الفلسطينية، وتحميل الاحتلال المسؤولية على جميع الصعد والعمل، على توحيد الساحة الفلسطينية وضم حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير، وإتمام المصالحة الفلسطينية، ووضع الخطط والبرامج الداعمة لصمود الشعب الفلسطيني، وإعادة القضية الفلسطينية على الطاولة الدولية من جديد والذهاب لجميع المنظمات الدولية والقانونية لمحاسبة ومعاقبة إسرائيل والرئيس ترامب.


ففي النهاية الفلسطيني هو من قاتل وتحمل وصبر سنة ونصف تقريبًا، ومع الاتفاق أذهلت مشاهد عودة سكان القطاع للشمال العالم، حيث أكدت مشاهد العودة أن هذا الشعب جبار لم ولن يتنازل عن أرضه ولن يقبل بالتهجير والإبعاد على الرغم من عودتهم إلى مناطق مدمرة لا حياة فيها، وفي المقابل المستوطنين في غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة يرفضون العودة للمستوطنات على الرغم من اتفاقيات وقف اطلاق النار والإغراءات التي قدمتها لهم الحكومة الإسرائيلية، فهذه المقارنة توصل رسالة لترامب من هم أصحاب الحق والأرض ومن يتشبث في أرضه ومن لا انتماء له لهذه الأرض، فإذا كان ترامب يريد حل لمشكلة اليهود عليه أن يحملهم في السفن ويعيدهم من حيث أحضرتهم بريطانيا، أو بإمكانه إقامة ولاية جديدة لهم في أمريكا بزيادة عدد الولايات ليصبح 51 ولاية.
*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

شاهد أيضاً

محققة أممية : خطة ترامب بشأن غزة غير قانونية وترقى إلى “تطهير عرقي”

شفا – قالت رئيسة لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، نافي بيلاي، …