11:26 مساءً / 3 فبراير، 2025
آخر الاخبار

قراءة في الواقع السياسي الفلسطيني ، بقلم : د. عقل صلاح

عقل صلاح

قراءة في الواقع السياسي الفلسطيني ، بقلم : د. عقل صلاح


يعاني الشعب الفلسطيني من ويلات الاحتلال الممتدة على مدار أكثر من قرن من الزمن الذي تفنن في القتل والهدم والاستيطان والاعتقال حتى وصل لحد الإبادة الجماعية البشرية والجغرافية والمعماريًة للقطاع، فهذا الاحتلال الذي يجد نفسه فوق القانون الدولي بسبب الدعم الغربي اللامحدود عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا وقانونيًا حتى وصل الحد بالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والغرب وحتى البعض العربي بالقتال مع إسرائيل والقتال عنها في بعض الجبهات مثل جبهة اليمن. وتواصل إسرائيل حربها الإجرامية ضد الشعب والأرض فهي تنتقل من جبهة إلى جبهة فبعد يومين فقط من وقف إطلاق النار في القطاع، نفذت إسرائيل حربًا جديدة على الضفة وتحديدًا على مخيم جنين.

بالإضافة إلى تقطيع أوصال الضفة ومنع الحركة على الطرقات، وفتحت الطريق واسعًا للمستوطنين في الممارسات الإجرامية المتمثلة في القتل والحرق للبيوت والممتلكات وقطع الطرق والسيطرة على الأراضي وسرقة ممتلكات المواطنين وحرق البلدات والقرى وبسط السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي من خلال ما يسمى “الاستيطان الرعوي” وتم استحداث استيطان جديد يتمثل في السيطرة على مساحات شاسعة لزراعتها “الاستيطان الزراعي الرعوي” من قبل مستوطني الاستيطان الرعوي، حيث قامت إسرائيل بسحب صلاحيات السلطة الفلسطينية في منطقتي “ب ، ج” ومنعت البناء فيهما وأصبحت جميعها منطقة “ج” وتوسعت الخارطة الاستيطانية بشكل جنوني وأصبحت شوارع الضفة تعج بالمستوطنين، ويقدر عدد المستوطنين بمليون مستوطن في الضفة، كل ذلك خلق مشهدًا واضح المعالم والمتمثل بدولة المستوطنين في الضفة.


فكل ما سبق، لم ينه حالة الانقسام الفلسطيني-الفلسطيني وحتى حرب الإبادة والتجويع التي استمرت خمسة عشر شهرًا لم تدفع الفلسطينيين إلى الوحدة الوطنية التي غابت عن الساحة الفلسطينية منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو سنة 1993 والتي جسدت الخلافات الفلسطينية إلى أن تم تنفيذ الانقسام سنة 2006، والحالة الفلسطينية تدور في دائرة مفرغة من اللقاءات والاتفاقيات والتوقيع على المصالحة لاكن دون إتمامها حيث أصبحت بعيدة المنال في ظل حالة الانقسام السياسي بين برنامجين سياسيين أحدهما يرى في المفاوضات الحل الوحيد والبرنامج الآخر يرى أن المقاومة هي التي تجبر الاحتلال على الرحيل وإطلاق سراح الأسرى؛ ومازال الشعب الفلسطيني والحالة السياسية العامة الفلسطينية تدفع ثمن هذا الانقسام على جميع الصعد والمستويات.


ومن أهم نتائج واستمرار الانقسام الفلسطيني هو عدم إجراء الانتخابات وتعطل المؤسسات العامة الفلسطينية حيث أصبحت جميع هذه المؤسسات فاقدة للشرعية القانونية، ولا يلوح في الأفق أي حلول سياسية في الساحة الفلسطينية الداخلية من أجل تجديد هذه الشرعيات لمؤسسات الشعب الفلسطيني لوضع حد للحالة الفلسطينية السياسية الخلافية المقيتة، فلا يمكن أن تستقيم الحالة الفلسطينية الداخلية بدون إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وانتخابات المجلسين الوطني والمركزي واللجنة التنفيذية بعد التوافق الوطني على مشاركة حركتي حماس والجهاد الإسلامي في مؤسسات منظمة التحرير كمقدمة لإتمام الانتخابات لهيئات المنظمة.


أما فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي الفلسطيني الذي يعاني من تبعات الاحتلال قبل توقيع اتفاق أوسلو ومن ثم تم تقييده في اتفاقية باريس الاقتصادية سنة 1994، والتي اتبعت الاقتصاد الفلسطيني في الاقتصاد الإسرائيلي والسيطرة الإسرائيلية الشاملة والكاملة على المعابر والحدود. فقد أصبح الاقتصاد الفلسطيني تابعًا لحيثيات القوانيين الاقتصادية الإسرائيلية حتى جباية الضرائب التي سميت في اتفاقية باريس بالمقاصة وضعت باليد الإسرائيلية التي أخذت منذ سنة 2019 بالتحكم بها من خلال الحجز وصولًا للسيطرة عليها وسرقتها من خلال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش وبدأ الخصم والحجز حتى وصلت نسبة الاقتطاع 70% من إيرادات المقاصة تحت العديد من المسميات وفي آذار/مارس 2024، أصدر “الكنيست” قانونا ينص على تعويض المستوطنين الذين يقتلون في الضفة وتم إلزام السلطة الفلسطينية بدفع 10 ملايين عن كل قتيل، و5 ملايين شيكل كتعويضات لكل مصاب، وغيرها من الاقتطاعات الخارجة عن القانون الدولي وعن نصوص اتفاقية باريس نفسها. وبعدها أصبحت السلطة غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية سواء فاتورة الرواتب والمصروفات الحكومية وللقطاع الخاص، مما أثر على الوضع الاقتصادي الذي كان مدمرًا بسبب سنتين من الوباء والتوقف عن العمل وتوقف المنشآت الاقتصادية وغيرها مما رفع من مستوى البطالة في فلسطين إلى أعلى حدود منذ سنوات، بالإضافة إلى عدم القدرة على توفير الوظائف لعشرات الآلاف من خريجي الجامعات وتعطل أكثر من 250 ألف عامل منذ قيام إسرائيل بحربها على القطاع، ومنع الفلسطينيين في مناطق الـ1948 من دخول مناطق الضفة التي قطعتها الحواجز والبوابات العسكرية الإسرائيلية مما رفع من مستوى الفقر والمشاكل الاجتماعية وأدى لظهور سلوكيات خارجة عن العادات والأخلاق الفلسطينية وكل ذلك بسبب الحصار الاقتصادي والسياسي المشدد الذي تقوم به إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لحمله على التفكير في الهجرة من وطنه.


وتأسيسًا على ذلك، كان يتطلب من السلطة الفلسطينية القيام بعملية ممنهجة للإصلاح الإداري والمالي للحد من الحالة المزرية في القطاع الحكومي وغير الحكومي، إلا أن السلطة خيبت الآمال في تنفيذ أي خطوة من خطوات الإصلاح في المؤسسات بل زاد حجم الفساد والتوظيف خارج إطار المنافسة والشفافية، وأصبحت تطفو على السطح الوظائف العائلية الخاصة بأفراد وأقارب المسؤولين وترك أصحاب الحق والكفاءة دون الحصول على حقوقهم في الوظائف والترقيات؛ وهذا الشيء لم يقتصر على المؤسسات الحكومية بل أصبح أكثر حدة في المؤسسات الخاصة مثل الجامعات وغيرها من المنظمات غير الحكومية، مما أدى إلى الإحباط عند أبناء الشعب الفلسطيني بسبب فقدان الثقة بكل المؤسسات العامة والخاصة مما عكس بآثاره على جميع مناحي الحياة وتطورها وظهرت الحالة الفلسطينية بأنها حالة منهارة وتتبع لقانون مسؤول المؤسسة الذي يتعامل مع المؤسسة كأنها مزرعة له ولعائلته وزبائنه وأصبحت بعض المؤسسات تقرن بأسماء المسؤولين عنها، وحتى منظمات حقوق الإنسان جميعها أصبحت بلا صوت وبلا دور وأصابها ما أصاب المؤسسات التي كان يجب متابعتها.


فكل ما سبق، ترك أثره السلبي على مستوى وجودة التعليم المدرسي والجامعي؛ فالتعليم المدرسي الذي يعاني من مشاكل كثيرة ومن أهمها عدم إعطاء المعلمين حقوقهم التي يمنحها لهم العالم، فسلم رواتب المعلمين متدني مقارنة مع الدول الأخرى، وأصبح المعلم يحتل مرتبة اجتماعية متدنية مما عكس نفسه على المستوى التعليمي. وزاد الطين بلة وباء كورنا وتعطل التعليم، فحتى التعليم عن بعد أثبت فشله، بالإضافة إلى الإضرابات التي تم تنفيذها من قبل المعلمين عكست جميع هذه الأسباب وغيرها على العملية التعليمية وجودتها فأصبح التعليم في تراجع كبير جدًا.


أما التعليم الجامعي فهو يعاني من مشاكل كثيرة أدت إلى تراجع التعليم العالي، فأصبحت الجامعات تنظر للعملية الأكاديمية من منظور التنافس الاقتصادي بينها، مما أثر على جودة التعليم، بالإضافة إلى التوظيف بالمحسوبية والواسطة وبدون معايير المنافسة والشفافية وأصبحت مزارع للمتنفذين بها. وأصبحت المكاتب التي تعمل على إعداد الرسائل الجامعية على بوابات الجامعات وتبيع رسائل الماجستير والدكتوراة وحتى أبحاث الترقية، والأنكى من ذلك عجت الجامعات في برامج الماجستير والدكتوراة وتم ترقية العديد من المحاضرين من أجل فتح برامج دكتوراة التي تدر على الجامعة بأموال طائلة، فكل هذه الأسباب أوصلت لهذا الحال المزري، ولكل قاعدة شواذ، وكل ذلك يحتاج إلى دراسات علمية كبيرة وسوف أقوم في المستقبل بتناول كل جانب من جوانب التعليم وبالتحديد التعليم العالي، بعنوان: أزمة البحث العلمي الأكاديمي بالجامعات الفلسطينية إلى أين؟!.


وعليه، يتطلب جهود جبارة من قبل الجميع للاستنهاض بالواقع الفلسطيني على جميع المستويات والصعد؛ فحقيقة الاحتلال يتحمل المسؤولية الأولى والنهائية عما نحن به، ولكن هذا لا يعفي المسؤولية التي تقع على عاتق المؤسسات العامة والخاصة بالجوانب الإدارية والتعليمية وحتى السياسية المتعلقة بالبيت الفلسطيني الداخلي والوحدة الوطنية، فلماذا وما هو المانع من إتمام المصالحة وتشكيل حكومة وحدة وطنية من القيادات المشهود لها بالنزاهة والوطنية من أجل العمل على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الثالثة. والإصلاح الإداري والمالي والتعليمي ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب؛ فهل الاحتلال يمنع توظيف دكتور أو دكتورة كفاءة في مؤسسة خاصة أو عامة ويفرض التعيين بالواسطة والمحسوبية؟!.

  • – د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

شاهد أيضاً

ما مصير الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى الخارج؟

ما مصير الأسرى الفلسطينيين المبعدين إلى الخارج؟

شفا – كشف مسؤول الإعلام في مكتب الشهداء والأسرى في حركة حماس ناهد الفاخوري عن …