التهدئة في لبنان،الغموض سيد الموقف ، بقلم : راسم عبيدات
التهدئة التي انتهت مدة ال 60يوماً المقررة لها في ال27 من هذا الشهر،تلك التهدئة التي التزمت بها المقاومة اللبنانية والحزب،التزاماً بموقف الدولة والحكومة اللبنانية،رغم أنها لم تكن متفقة معها،والتي استمرت اسرائيل خلال الستين يوماً في انتهاكها بالقتل والجرح والتدمير والنسف والتفجير والتوغل والإختراق واستباحة السيادة اللبنانية،والتي كما قال الشيخ نعيم القاسم في كلمته امس الإثنين27/1/2025،احترمنا تلك الهدنة رغم الشعور بالمهانة والأعمال الإنتقامية،ووصول تلك الإختراقات الى أكثر من 1350اختراق.
هناك تصريحات لبنانية رسمية ومن المقاومة اللبنانية متضاربة بشأنها، فالأمريكي طلب لشريكه الإسرائيلي تمديداً حتى ال 28 من الشهر المقبل،وعندما رفض الطلب لبنانياً ، قال التمديد حتى الثامن عشر من الشهر القادم،وعندما رفض الطلب لبنانياً أيضاً ، قال بان هناك خمس تلال مشرفة يحتاج الجيش الإسرائيلي للبقاء فيها،وتم رفض طلبه أيضاَ ،واللافت ان رئيس حكومة تصريف الأعمال ميقاتي المتواطىء مع الأمريكي، قال بأنه قبل التمديد حتى الثمن عشر من الشهر القادم بالتشاور مع الأمريكي،والتفاوض حول ملف الأسرى اللبنانيين عند الإسرائيليين،وأيضاً تشاور مع رئيس الجمهورية جوزيف عون ومع رئيس مجلس النواب نبيه بري،بري الذي قال أنه اشترط للتمديد وقف القتل والتدمير،وبما ان الإحتلال لم يلتزم بذلك فالهدنة سقطت،في حين امين عام الحزب الشيخ نعيم القاسم،قال الهدنة انتهت لا تمديد ليوم واحد،والمقاومة ،تحدد شكل وطبيعة المواجهة وتوقيتها ،والتمديد هو تفاهم اسرائيلي- امريكي غير ملزم لها، واضح بأن هناك ميوعة رسمية لبنانية في الموقف من التهدئة،في حين هناك موقف حاسم منها من قبل الحزب ،وهذا يعكس ضبابية الموقف اللبناني،الذي يفترض ان يكون واضحاً وحازماً وصلباً،والجماهير الشعبية اللبنانية التي زحفت للعودة الى قراها الحدودية المحتلة،وواجهت الرصاص والدبابات الإسرائيلية من نقطة الصفر، ودفعت ثمن صمودها وزحفها شهداء وجرحى،اكثر من 25 شهيداً و128 جريحاً، كانت مواقفها متقدمة على مواقف الحكومة والجيش،والقائلين من المتأمريكين والمتصهينين في الداخل اللبناني، بأن الظروف الإقليمية والدولية قد تغيرت،وبأن الجيش بات قادر على الدفاع عن لبنان،وبان المقاومة بات سلاحها عبء على الجنوبيين،ما يجري في الجنوب اللبناني وتلكؤ ومماطلة اسرائيل في تنفيذ شروط الهدنة، تقول ما قاله الشيخ نعيم القاسم،بأن ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة”،هي الثلاثية التي تحمي سيادة لبنان ووحدة اراضيه وأمنه واستقراره،.
العودة والزحف الجماعي للجماهير الفلسطينية واللبنانية الى شمال قطاع غزة والى قرى لبنان الجنوبية،أسقط اهداف الحرب الإسرائيلية الإستراتيجية على الجبهتين،تلك الأهداف التي حددها نتنياهو ومجلس حربه،فمع بداية الحرب البرية على قرى لبنان الجنوبية،والتي استخدم فيها الجيش الإسرائيلي خمس فرق ولوائين،من اجل تحقيق نصر يمكنه من فرض شروطه واملاءاته على المقاومة اللبنانية،ورفعت اسرائيل سقوف مطالبها الأمنية والعسكرية،لا انسحاب بدون نزع سلاح المقاومة،والإحتفاظ بشريط أمني في جنوب لبنان تقرره اسرائيل، وحرية الحركة البرية لجيشها في جنوب لبنان،واستمرار استباحة الأجواء اللبنانية،ولكن مع تعمق الحرب البرية وتوسعها،دعت المقاومتين اللبنانية والفلسطينية الى وقف إطلاق النار بشكل فوري،والتأكيد على الإنسحاب الإسرائيلي الشامل،وبما لا يمكن اسرائيل،من تحقيق أي مكاسب أمنية وسياسية.
مع فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أي اختراق جدي في قرى وبلدات الجنوب اللبناني، بدأ بالهبوط بسقف مطالبه،الى التفاوض تحت النار،وإستبدال نزع سلاح المقاومة، بإنسحابها الى ما وراء الليطاني،بإعتبار ذلك بنداً من بنود القرار (1701).
أما على جبهة قطاع غزة،فكان الرد الإٍسرائيلي ، لا إنسحاب بالمطلق،ولكن مع جر المقاومة لجيشه الى معركة وحرب استنزاف طويلة،ودخولة في مرحلة من الإنهاك والإعياء وتراجع الروح القتالية والمعنوية،بدأ يتحدث عن انسحاب مشروط بضمان سيطره أمنية على نقاط ومحاور استراتيجية كما يدعي ضرورية لأمنه،محوري نتساريم وفلادلفيا ،وأرفق هذا المطلب،بمطلب القضاء على المقاومة الفلسطينية،وعندما بدأ يتأكد من استحالة تحقيق الهدف ربط وقف إطلاق النار بهدنة تبادل أسرى لا يلتزم بإنهاء الحرب فيها، مخترعاً نظرية اليوم التالي لنهاية الحرب، ومحورها إيجاد حكم بديل لحماس في غزة،ول” تقبر” مشاهد تسليم الأسرى الإسرائيليية في الدفعتين الأولى والثانية من المرحلة الأولى لصفقة تبادل الأسرى أحلام نتنياهو بما يسمى بالنصر الإستراتيجي والقضاء على حماس عسكرياً وعلى حكمها مدنياً،ولتجعل منه الصحافة الإٍسرائيلية والمعلقين العسكريين والقادة الأمنيين “مسخرة” بالقول هذه المشاهد تقول بهزيمة استراتيجية واستسلام ونصر استراتيجي لحماس.
وقف إطلاق النار على قطاع غزة،كان له تداعيات كبرى على حكومة نتنياهو والمجتمع الإسرائيلي، فحكومة الحرب باتت مهددة بالسقوط،بسبب انسحاب بن غفير وحزبه من الحكومة والإئتلاف،ووصف ما جرى مع مشاهد وصور صفقات التبادل، ليس فقط أن ذلك شكل نصر استراتيجي لحماس،وخطر على الأمن القومي الإٍسرائيلي،بل اعتبر ذلك اهانة ” وطنية” لكل اسرائيلي.
ولم تسلم المؤسسة العسكرية من تلك التداعيات،حيث هناك “مجزرة” استقالات،افتتحها اهارون حليفا مسؤول الإستخبارات العسكرية الداخلية ” أمان،وكذلك هيرتسي هليفي رئيس الأركان وقائد الوحدة التجسسية 8200 و قائد الفرقة الجنوبية،وقائد لواء غزة الشمالي ،وقائد سلاح الجو وقائد سلاح البحرية وصولاً الى غونين بار مسؤول جهاز الأمن العام ” الشاباك”.
صور دموع الجنود الإسرائيليين المنسحبين من محور نتساريم،واقوال رئيس مستوطنة المطلة ديفيد ازولاي،حول ما يعرف بالنصر الساحق ،هذا النصر تحقق في العودة الشعبية لسكان بلدة حولا اللبنانية المواجهة لمستوطنتي مرغليوت والمطلة ،وكذلك احد قادة الجيش الإسرائيلي قال للقناة العبرية 12،بأن المستوطنين في الشمال لم تكن لديهم الحافزية والدافعية للعودة ،كما هو حال سكان القرى الجنوبية اللبنانية الذين عادوا وزحفوا لقراهم تحت نيران الجيش الإسرائيلي،ولذلك دموع الجنود الإسرائيليين المنسحبين من محور نتساريم والدماء التي دفعت لبنانياً في مارون الرأس في العودة للقرى الجنوبية، تقول من انتصر ومن انهزم على الجبهتين.
عودة مئات الألاف من الغزيين الى منازلهم المدمرة في الشمال،مشياً على الأقدام،يبعت برسالة واضحة لإسرائيل، بأن هذه بروفة للعودة الكبرى القادمة،ولن يكون هناك تهجير أخر،ولا خطة جنرالات تفصل شمال القطاع عن جنوبه،ولا عودة للإستيطان في قطاع غزة،ولا “هندسة” جغرافية له،كما يحلم المتطرف سموتريتش، بتقليص عدد سكان غزة الى النصف في العامين القادمين بتشجيع الهجرة الطوعية وكذلك الهجرة القسرية، ولا نجاح لمشروع ترامب بتهجير شعبنا الفلسطيني الى العديد من الدول ،وفي المقدمة منها مصر والأردن،والتي رفضت مشروع ومخطط ترامب بشكل قاطع،فأرض قطاع غزة ليست صفقة تجارية مغرية للمضاربة وتحقيق الأرباح.بل ارض لشعب له قضية وحقوق وطنية سياسية،وجزء من دولة فلسطينية قادمة،فهذه المشاريع والمخططات باتت من خلف ظهر الشعب الفلسطيني،والتباكي على اعمار قطاع غزة،والقول بأنها باتت ارض غير قابلة للحياة،الهدف منه ليس بناء غزة واعمارها،وخدمة الشعب الفلسطيني،بل أن يكون هناك مناطق عازلة في قطاع غزة وفي جنوب لبنان ،تحمي امن اسرائيل.
فلسطين – القدس المحتلة