12:53 صباحًا / 29 يناير، 2025
آخر الاخبار

التربية الإيجابية ، بقلم : د. فواز عقل

التربية الإيجابية ، بقلم : د. فواز عقل

التربية الإيجابية ، بقلم : د. فواز عقل

 
أبدأ هذه المقالة بعرض حوار بين الطفل و السلحفاة.


يحكى أن أحد الأطفال كان لديه سلحفاة يطعمها ويلعب معها و في أحد ليالي الشتاء الباردة جاء الطفل لسلحفاته و وجدها دخلت في غلافها الصلب طلبا للدفء، فحاول أن يخرجها ليلعب معها فأبت ،فضربها بالعصاة،و لكن لم تهبأ به ثم صرخ فيها فزادت تمنعا و في تلك الأثناء بعد سماع الصراخ دخل عليه والده و هو غاضب و قال له : ما بك يا بني؟ فحكى له رفض سلحفاته الخروج من مخبئها لتلعب معه، فابتسم الأب وقال: دعها و تعال معي….ثم أشعل الأب المدفأة وجلس بجوارها يتحدث مع ابنه الصغير….رويدا رويدا….وإذ بالسلحفاة تخرج من مخبأها و تقترب منهم طالبة الدفء،فابتسم الأب وقال لابنه: الناس كسلحفاتك هذه يريدونك أن تدفئهم بعطفك ولطفك لينصاعوا إليك و ينزلوا عند رأيك و إن انت أكرهتهم بشدتك و بعصاك فسيعصونك،بل يكرهونك.


و أقول هنا التربية الإيجابية هي نمط هي نمط تربوي يقوم على استخدام كلمات إيجابية و لغة ناعمة مثل :التقدير لسلوكيات الإيجابية، التوجيه، التحفيز، التشجيع، التنويع في التواصل،التعزيز، التنوير، التوعية، التدريب، التغيير، الترغيب و التأثير من خلال القدوة.


و تهدف إلى بناء علاقات إيجابية بين الآباء و الأبناء و بين المعلم و المتعلم لتنمية شخصية المتعلم الاجتماعية وهي تقوم على استعمال الكلمات الناعمة الإيجابية وهي طريقة تقوم على تحويل العوائق إلى فرص و التفكير الإيجابي يسطر لك قصة نجاح مختلفة، ابدأ كل يوم بفكرة إيجابية تغير مجرى حياتك،التربية الإيجابية ليست مجرد نموذج تربوي بل هي فلسفة تقرر حق الأطفال في بيئة آمنة جذابة شيقة مشجعة ممتعة مما يساهم في تطوير شخصية الطفل و قدراته على التعامل مع تحديات الحياة، و تهدف أيضا إلى بناء جسور من المحبة و الفهم و الثقة بين الأهل و الطفل من ناحية و المعلم و المتعلم من ناحية.
و يقول وايت هيد 1992، ليس هنالك نمو عقلي دون اهتمام، فالاهتمام مفتاح الانتباه والاستيعاب.
و يقول أحمد شوقي :


إنما التربية فكر و حياة                 تنير الطريق و تهدي الرجال
المستقبل يبدأ من هنا، فكل جيل يربى على الإيجابية يساهم في بناء مجتمع أفضل لأن التربية الإيجابية هي فن و علم، تساهم في تشكيل شخصية الطفل و إعداده للحياة، و إن ألد أعداء التربية الإيجابية هو التلقين و الروتين الصفي، الذي يقتل الاهتمام والرغبة عند الطفل و يرى خليل السكاكيني الذي طالب بـتربية تقوم على إعزاز التلميذ لا إذلاله و قال أن التلقين هو تعليم بنكي من حيث المضمون و قمعي من حيث الشكل، و يقول ابن خلدون : إن قهر المعلم للطالب لفظيا و سلوكيا يفسد معاني الانسانية وقد طالب كل من جون ديوي  و باولو فريرو و السكاكيني بأنسنة التعليم، ويقوم مصطفى محمود : إن الأطفال هم بذور المستقبل، إزرعهم في تربية من الحب و الرعاية و اسقيهم بالتشجيع والتقدير يزدهرون ليصبحوا أشجار قوية تظلل العالم بالخير.
وتقوم التربية الإيجابية على :
1-الاحترام المتبادل وتشجيع التواصل المفتوح الهادف بين الأهل و الأبناء و المعلم و المتعلم.
2-تعزيز السلوك الجيد و تجاهل السلوك السيء.
3-خلق بيئة جذابة شيقة ممتعة في البيت والمدرسة حتى يشعر الأطفال بالأمان.
4-التركيز على المهارات الاجتماعية من خلال المهارات التي تساعد الأطفال على التفاعل إيجابيا مع الآخرين.
5-تجنب الانتقاد للطفل و المتعلم و مقارنته بالآخرين.
6-تشجيع الأطفال على اتخاذ القرارات وتحمل المسؤولية.
فوائد التربية الإيجابية:
بناء الثقة بالنفس من خلال التشجيع و التقدير والتحفيز/تحسين العلاقات الاجتماعية/تقليل السلوكيات السلبية من خلال توجيه الأطفال نحو السلوك الإيجابي/تعويد الأطفال في البيت والمدرسة على تحمل المسؤولية.
اقتراحات لتطبيق التربية الإيجابية من خلال :
1-التواصل الفعال الإيجابي و استخدام لغة ناعمة و كلمات إيجابية محفزة أثناء الحديث مع الطفل.
2-إعطاء مكافآت عند تصرف الأطفال بشكل مقبول.
3-القدوة الحسنة ، أن يكون الأهل والمعلم قدوة في السلوكيات الإيجابية التي يرغبون في غرسها في الأطفال.
4-تفهم الأهل والمعلم مشاعر الأطفال و مساعدتهم على مواجهة التحديات.
5-تنظيم ورش عمل وندوات ولقاءات توعوية.
6-المشاركة في الأنشطة داخل المدرسة وخارجها.
7-تقديم تغذية راجعة تحفيزية مشجعة إرشادية.
و أقول للمعلمين، كونوا كالإبرة التي تخيط و تجمع ما مزقه المقص
كونوا قاربا ، كونوا سلما، كونوا مصباحا،كونوا ملجأ، كونوا شمعة، كونوا كالماء
و مرة أخرى أقول للمعلمين،لا تطفئوا مشاعل العقول عند الأطفال حيث يأتي كثير من الأطفال إلى المدرسة وهم يتوقدون ذكاء و يشتعلون حماسا و يفيدون حيوية و لديهم استعداد كبير للإبداع، و لكنهم يقعون في أيدي مدرسين يرون حب الاستطلاع وقاحة و يعتبرون النشاط الزائد إزعاجا و من ثم يسكبون على هذه الجذوة ماء باردا يحولها إلى فحمة سوداء لا ترسل ضوء ولا تشع حرارة و ينضم الطفل إلى مجموعة من الأطفال سبقوه في مضمار الخمود و الإنطفاء.
وهنا لا بد من التأكيد على تأثير الكلمات في التربية الإيجابية،لأن تأثير الكلمة يوميا سواء كانت مع الآخرين أو حديث مع النفس، فالكلمة تمثل قوة هائلة في حياة الطفل و تؤثر على عقله و مشاعره و سلوكه، و هي ليست مجرد أصوات توجه للآخرين و هي إشارة ترسل إلى العقل، فعند استخدام كلمات إيجابية يتم تحفيز الدماغ مما يجعل المستمع يشعر بالسعادة و إذا كان المتعلم يمارس التحدث الذاتي بشكل يومي ، مثل : أنا أستطيع / أنا قادر/أنا أريد أن أتعلم/سأنجح فإن ذلك يعزز ثقته بنفسه و العكس صحيح ، إذا قال: لا أستطيع/ لا يمكن/ مستحيل فإن ذلك يحفز الشعور بالضعف و التوتر، مع العلم أن كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء المترددين.


أنا أؤمن بقوة الكلمات و تأثيرها و لكن البعض يتكلم قبل أن يفكر في وقع و أثر الكلمة على الآخر، فالكلمة تكسر الطالب أو تغير حياته للأبد.


و هنا سأعرض بعض المقولات و الاقتباسات عن التربية الإيجابية  و سأبدأ بقوله تعالى ” ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك”/”إليه يصعد الكلم الطيب” /الكلمة الطيبة صدقة
-على المعلم أن يختار كلماته كما يختار ملابسه و كتبه و أصدقاؤه و مسكنه
-كلمة بتجنن و كلمة بتحنن/النجاح موجود فأنت تصنعه/لا شيء مستحيل ما دام هناك نشاط وإصرار وطموح/التغافل هو السر الذي يمكنها تحويل الظروف السلبية إلى إيجابية
و يقول أفلاطون : لا يتعلم الناس بالقوة والإكراه بل بالحب و الحماس.
-حكمة صينية: الطريق إلى القلب يبدأ من الأذن، و إن المجتمعات الناهضة هي التي تمد يدها للفرد و ليس لسانها.
و يقول دوتشي جروسي يحتاج الأطفال جذورا و أجنحة
و يقول محمد علي كلاي :الذي لا يوجد لديه خيال و ليس له أجنحة لن يطير
-المدح الصحيح يجعل الطفل مبدعا.


-كلما أعطيت الطفل توقعات إيجابية كلما كان أداؤه أفضل.
-و يقول جاك رسو : الحقيقة الأساسية هي أن الإنسان يولد طيبا و لكن المجتمع يجعله فاسدا و رفض أساليب التلقين التي تجعل من الطفل مستقبلا سلبيا للمعلومات و أن التربية لا تقتصر على الحفظ و تعلم العلوم و المعارف بل يجب أن تركز على التربية الأخلاقية.


و يقول جبران خليل جبران : هنيئا لمن يحمل اللطف في قلبه و اللين في روحه و الجمال في أخلاقه.
و يقول أيضا : دور المربي هو إرشاد الطفل و ليس التحكم به ، و يجب أن يتصرف كصديق ومعين لا كسلطة قهرية.
و يقول جون ماديسون أن العلاقة بين المعلم والمتعلم هي العالم الأكثر تأثيرا في نجاح العملية التعليمية وتقوم على الاحترام المتبادل و الاهتمام الجاد بمشاعر الطالب.


و تقول إيلين هيل إن التعليم في بيئة مليئة بالضغوط يمكن أن يؤدي إلى فقدان الدافع مما يؤدي إلى كراهية الطالب للمدرسة.
ويقول آخر : إن دمج أساليب التدريس التفاعلية قد يقلل من الشعور بالملل و يحسن من دافعية الطلاب.
الدموع ليست قطرات بل هي كلمات لكن من الصعب جدا أن تجد الشخص يقرأ ويفهم هذه الكلمات.
الكلمات كالبذور و لكنها تغرس في القلوب وليس في الأرض لذا احترس مما تزرع و راعي ما تقول فقد تضطر أن تأكل ما زرعته.


لا تكن كالمجهر الذي يضخم التفاصيل الصغيرة و يكشف مواطن القبح، كن كمرآة تعكس ما أمامها بحيادية.
و أخيرا أقول أن التربية الإيجابية ليست مجرد نمط تربوي بل هي فلسفة شاملة تقوم على مساعدة الأطفال و زيادة قدرتهم على التعامل مع تحديات الحياة و تقوم أيضا على بناء جسور من الثقة والتفاهم بين الأهل من جهة و المعلم و الطلاب من جهة أخرى، و تهدف إلى تعزيز قيم الحب و التشجيع و الثناء و الابتعاد عن التهديد والتعنيف و التأنيب،و التربية الإيجابية هي فن و علم مبني على الفكر الذي يساهم في إعادة تشكيل شخصية الطفل و إعداده للحياة و كما قال الشاعر أحمد شوقي :


أنما التربية فكر و حياة         تنير الطريق و تهدي الرجال
أيها المعلم ، اجعل تعليمك تربويا أولا و تعليميا ثانيا

و أقول نحن التربويون، المحاورون، أصحاب البوصلة، أصحاب اليقظة نصنع البوصلة لليوم التالي ولا ننتظرها.

د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم و التعلم

شاهد أيضاً

إندونيسيا تعتزم بناء 100 مسجد في غزة

إندونيسيا تعتزم بناء 100 مسجد في غزة

شفا – قال نائب الرئيس الإندونيسي السابق، محمد يوسف كالا، والذي يشغل حالياً منصب رئيس …