3:47 مساءً / 27 يناير، 2025
آخر الاخبار

نحو تضميد الجراح النفسية (2) أي جيل ننتظر ؟! ، بقلم : د. غسان عبدالله

نحو(2) تضميد الجراح النفسية : أي جيل ننتظر ؟! ، بقلم : د. غسان عبدالله

بعد أن بات يتكشف الواقع المرير، اثر زوال الغشاوة والضبابية عن افرازات حرب الابادة، على كافة أنحاء الوطن المحتل، ووفقا للبيانات الواردة في تقرير لجنة أوتشا المعنية في تنسيق الشؤون الانسانية في الأمم المتحدة ، هناك تقديرات تشير الى وجود حوالي 20 ألف طفل يعانون من التفكك الاجتماعي، وقرابة 660 ألف طفل محرومين من الالتحاق بالتعليم الرسمي،ومليون طفل في المحافظات الجنوبية بحاجة الى اعادة تأهيل نفسي، و ما لا يقل عن 17000 طفل قتلوا خلال فترة المقتلة، غير الجرحى والمصابين من فئة الأطفال .علما بأن الأرقام جميعها مرشحة للازدياد، بفعل تواصل عمليات انتشال الجثث، والقنص الذي لم يتوقف كليا بعد, واستمرار الجرائم الداميّة .


ما نحن بصدده في هذا الجزء من الدعوة الى تضميد الجراح النفسية للأطفال، ذاك الذي له علاقة بالتفكك الاجتماعي social disassociation .


تتعدد مسببات التفكك الاجتماعي في الحالة الفلسطينية والتي منها على سبيل المثال لا الحصر:-
⦁ فقدان أحد الوالدين أو كلاهما( loosing a parent ) بسبب المقتلة، مما يقود الى اضطراب الكرب ( grief ) او ما نسميه باضطراب اّثار ما بعد الصدمة PTSD
⦁ التشرد الناجم عن تدمير البيت / المأوى الذي من المفروض أن يكون المكان الاّمن وذلك لأسباب وحجج واهية كعدم الحصول على ترخيص بناء

⦁ علاوة على جدار الفصل العنصري الذي يفصل الضفة الغربية عن مدينة القدس، ويعيق الوصول اليها، تم مؤخرا وضع 898 حاجزا عسكريا ليزيد الطين بلّة،وبذلك تقطعت الأوصال بين أفراد المجتمع

⦁ اعتقال / جرح ، ابعاد – نفي/ اخلاء وطرد السكان أو أحد الوالدين والذي بالغالب يكون من يعيل العائلة.


⦁ الطلاق / انفصال الوالدين جرّاء الظروف الناجمة عن العنف الأسري والفقر المدقع وارتفاع نسب البطالة، كله بسبب الوضع القائم بالقوة ( الاحتلال متعدد الأشكال، وما قد يؤدي الى حالات انفصام في الشخصيّة أو العلاقات الشخصيّة ككل، وحتى اضطرابات في عادات النوم والأكل


⦁ هناك خصوصية خاصة بالمجتمع المقدسي الفلسطيني والتي تتمثل في عدم القدرة على تجميع الأسرة تحت سقف واحد والذي بات يعرف باسم ” لم شم العائلة.


⦁ لوحظ في العقدين الأخيرين، التحول السريع في تركيبة العائلة، بعد ما كانت عائلة ممتدة( Extended family) والتي كان لها دورا في التنشئة الأسرية ومصدر حماية للطفل، في حالة الغياب القسري للوالدين أو أحدهما، الى عائلة نووية (nuclear family) يفتقر فيها الطفل الى ذاك الدعم والحماية المعهودة من قبل العائلة الممتدة.


⦁ النزاعات والخلافات داخل الأسرة الواحدة حول تقاسم ورثة / تركة أحد أفراد العائلة المتوفى، خلافا لما تنص عليه الأحكام الشرعية .


⦁ مما لا شك فيه أن الانقسام البغيض قد أذكى نار نهج العمل المتسم بالفئوية الضيّقة، الذي تمخض عنه المزيد من ألتفكك الاجتماعي
⦁ نتيجة لهذه الأسباب،وغيرها مما لم يتم سرده هنا ، تترتب النتائج التالية :-


⦁ دوام نمط اضطراب الشخص، سواء سيكولوجيا أو فسيولوجيا وبالتالي ادراكيا ومعرفيا، ومما يلعب دورا بارزا في هذا الشأن عدم كفاية بل وغياب الرعاية المهنية الفعالة المطلوبة نظرا لشح الثقافة بأهمية الصحة النفسيّة وخشية من الوصمة الاجتماعية .

⦁ دوام حالات القلق والتوتر والخوف المفرط من الاّتي ،ومواكبة حالات الهوس والهلع لتأمين الاحتياجات البيولوجية ، الأمر الذي قد يتحول من حالة اضطراب وقلق فردي الى حالة اضطراب وقلق مجتمعي، كما يتضح من خلال سلوكيات غير مألوفة تتنافى مع القيم والأخلاق الحميدة ، وغياب العلاقات التي تحكمها الألفة والمودة،مما يوجد هامشا كبيرا لاضطرابات سلوكية كالفوضى والعداء المجتمعي من خلال اثارة الفتن والنزاعات وبالتالي تهديد السلم الأهلي المنشود كمتطلب أساس من أجل انجاز الهدف الوطني المتمثل بالتحرر والسيادة الفعلية .

⦁ ثمة فرصة كبيرة لازدياد حالات الاكتئاب والمزاجية والانفعالية المتهورة في مواجهة تحديات الحياة اليومية، والذي قد ينجم عنه الاقدام على التفكير بالانتحار، أوتنفيذه ( الحمد لله نسبة الانتحار في مجتمعنا ضئيلة جدا فقط بسبب الثقافة الدينية التي تحارب وتحرّم مثل هذا العمل المرفوض كليا) .


⦁ التراجع الملحوظ في الانجاز الأكاديمي والتحصيل المدرسي لدى جميع فئات اليافعين ذكورا واناثا .

هنا يأتي السؤال القديم الجديد : ما العمل ؟؟


أولى متطلبات وضع خريطة طريق واضحة وبيّنة وقابلة للتطبيق، لمواجهة كل ما تم ذكره أعلاه ، يتوجب دوام التفكير خارج القفص وعدم اللجوء الى أسلوب وضع النظارات السوداء كي لا نرى ما يدور من حولنا، ولكي نتحرر من متلازمة نعلم ولا نعمل التي باتتقائمة منذ عقود خلت ، يكون ذلك من خلال : –

⦁ تفعيل دور النظام الصحي ونظام التنمية الاجتماعية ونظام التربية والتعليم المعمول بهم،مع ضمان التنسيق والتناغم في الخطط وأدوات التنفيذ للوصول الى الأهداف المرجوّة، وللحق نقول أننا بتنا في الاّونة الاّخيرة،(حديثة العهد)، نلمس من هذه الوزارات مثل ذاك المطلوب، وان كانت لا تزال هناك رواسب وبعض المعيقات كالمحسوبية وشخصنة الأمور لدرجة وضع الشخص غير المناسب في المكان الهام . اذا ما تمت ازالة هذه الترسبات من الحقبات السابقة، يمكن وبسهولة وضع خطط مهنية فعالة يقود تنفيذها وتقييمها أشخاص مؤهلون فعلا لا قولا بعد اذعانهم لأسس الحوكمة الشفافة .

⦁ ايلاء أهمية خاصة لنهج الوقاية (preventive measures) في مجالي الصحة النفسية والفسيولوجية مع العمل على ردم الفجوات التي تعيق وتصد / تحد من انجاز الأهدف الوطنية التي يصبوا اليها الجميع

⦁ لن ننسى دور المؤسسات الثقافية والفنية ، وعلى رأسها وزارة الثقافة واتحاد الكتاب والأدباء واتحاد الفنانين، في ضرورة المزيد من الانفتاح على المبادرات الفردية وتلك الاّتية من المؤسسات الأهلية للانخراط في الجهود المخلصة الصادقة لمواجهة ما تمت الاشارة اليه سابقا ، بعيد عن الفئوية والشخصنة .

⦁ ضرورة توظيف الأدب والفنون بكافة أنماطها، للانعتاق من حالة المعاناة الى حالة التعافي. على سبيل المثال لا الحصر ، هناك نتاجات قصصية و روائيىة لكتاب ،شعراء وأدباء و أديبات تمتاز بقدرتها لتزويد الطفل بمهارات ابداعية تمكنّه من تذويت دور أدب الناشئة في تعزيز القيم والأخلاق، أذكر،على سبيل المثال ، لا الحصركتابات القاص المقدسي الأديب محمدود شقير والأديبة المقدسية ديما جمعة السمان والشاعرة الناقدة المقدسية حنان عواد والشاعر الانسان، في منطلقاته جميعها ، محمد شريم ، والأديب الراقي في مواضيعه وأفكاره نافذ الرفاعي والقائمة تطول

⦁ قبل الختام ، أود اقتراح أن تقوم وزارة الثقافة ووزارة التربية والتعليم واتحاد الكتاب والأدباء بحملة توزيع قصص وشعر لكتاب وشعراء فلسطينين على رياض الأطفال والمدارس وانشاء مكتبات عامة ولجان ثقافية في المخيمات والقرى وكافة المناطق المهمّشة ، ليس فقط انسجاما مع أول اّية قرأنية نزلت ” اقرأ باسم ربك الذي خلق…” أو من أجل تشجيع فهم المقروء ، بل وأيضا للمساعدة في تذويت ما يرد في هذه المنشورات من قيم تعزّز : التفكير الناقد ، الاختلاف والمساواة ، التعددية …. على طريق رفع مستوى تقدير الطفل لذاته وقدراته للانخراط في مهام البناء والشراكة المسؤولة على طريق الانتقال من دائرة الندب والبكاء ، الى مربع المساهمة الجادة في الاعتماد على الذات وليكن الطفل عنصرأ معطاء وفعالا في المجتمع .


⦁ ضرورة المبادرة الى انشاء ملاجىء ايواء وتشجيع / تعزيز مبادرات التبني وفق أحكام الشريعة.
وفي الختام،وبكل جرأة نتساءل : ان لم نفعل كل هذا وغيره مما قد يقترحه مهنيون اّخرون، أي جيل ننتظر؟؟؟

إقرأ : نحو تضميد الجراح النفسيّة على طريق التعافي (1) أنسنة العلاقة بين الجيران ، بقلم : د. غسان عبد الله

إقرأ المزيد حول الدكتور غسان عبد الله – القدس



شاهد أيضاً

تشييع الشهيد آدم صب لبن

تشييع الشهيد آدم صب لبن

شفا – شيعت جماهير فلسطينية، اليوم الإثنين، الشهيد الشاب آدم صب لبن (18 عاما)، الذي …