ما حقيقة انتشار “فيروس غير معروف ” في الصين؟ بقلم : وانغ مو يي
في بداية هذا العام، أفادت تقارير إعلام غربية أن فيروساً غير معروف وشديد العدوى ظهر في الصين، ولا يوجد له لقاح، واكتظت المستشفيات الصينية بالأشخاص المصابين به. وانتشرت هذه الشائعات بسرعة البرق على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدرت عناوين الأخبار في ربوع العالم، من بينها الدول العربية، مما أثار قلق الجميع.
قد مر شهر تقريبا، أصدر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها في الصين البيانات يوم 16 يناير الجاري، التي تظهر انه سجل المعدل الإيجابي لاختبار فيروس الإنفلونزا في الحالات الشبيهة بالإنفلونزا في العيادات الخارجية نموًا صفريًا للمرة الأولى بعد زيادته لمدة ثمانية أسابيع متتالية.
في النهاية تثبت الشائعات خطأها مرة أخرى.
قد ردت الصين عبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية يوم 10 يناير على خبر انتشار الفيروس بإن فيروس ميتانيموفيروس ليس فيروساً جديداً، وإن وصف هذا الفيروس الشائع بأنه “غير معروف” يتعارض مع العلوم الأساسية، ويمثل في جوهره إثارة مقصودة لخوف لا داعي له.
كما عقدت لجنة الصحة الوطنية الصينية مؤتمراً صحفياً يوم 12 يناير الجاري لتقديم الوضع المتعلق بأمراض الجهاز التنفسي المنتشرة في الصين. وأشارت فيه أنه لا توجد أمراض معدية جديدة في الصين، والأمراض التنفسية المعدية الحالية في البلاد جميعها ناجمة عن مسببات أمراض معروفة. وشدة الأمراض والضغط الطبي ذا الصلة عموماً في العام الحالي لن يتجاوز ما كان عليه في العام الماضي.
في الواقع ما يسمى بـ “فيروس جديد” هو ميتانيموفيروس (HMPV)، لقد تم اكتشافه لأول مرة عام 2001، وأظهرت الدراسات المصلية أنه موجود بين البشر منذ أكثر من 60 عاماً، وينتشر في جميع أنحاء العالم. وهو فيروس شائع يسبب عدوى الجهاز التنفسي العلوي على مدار العام، وخاصة بين الأطفال وكبار السن، وهو السبب الثاني الأكثر شيوعاً لالتهاب الشعب الهوائية لدى الأطفال وكبار السن. السبب الرئيسي الذي جعله يحظى بالاهتمام البالغ هذا العام هو أن حجم العدوى قد زاد مقارنة مع الأعوام السابقة، لكن ذكرت منظمة الصحة العالمية أن الوضع الحالي لعدوى الفيروس التنفسي في الصين يقع ضمن النطاق الطبيعي.
يعد فصل الشتاء من المواسم المعدية وفترة الذروة للإصابة بالأمراض التنفسية في الصين، نظراً لطبيعة الطقس البارد، حيث تزداد معدل الاصابة بالأمراض التنفسية المعدية من ضعفين إلى ثلاثة أضعاف مقارنة بالفصول الأخرى.
كما أشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها المؤخر إن هذا الوقت من العام يشهد عادة تزايداً في الإصابات بالعدوى التنفسية الحادة في بلدان نصف الكرة الشمالي، وتنجم عن الأوبئة الموسمية لمسببات الأمراض التنفسية مثل الإنفلونزا الموسمية، والفيروس المخلوي التنفسي(RSV)، وغيرها من الفيروسات التنفسية الشائعة، بما في ذلك فيروس ميتانيموفيروس (HMPV).
ووفقا للبيانات الصادرة من المركز الصيني للسيطرة على الأمراض والوقاية منها، هناك ارتفاعاً وزيادة في أعداد الإصابات بفيروس HMPV في الصين هذا الشتاء، لكن أغلب الإصابات حالياً هي حالات الإصابة بالإنفلونزا كما هو الحال في موسم الشتاء من كل سنة.
وإضافة إلى ذلك، تشترك أعراض فيروس HMPVبأعراض مماثلة مع أعراض الانفرونزا، تشمل الحمى والصداع والسعال وسيلان الأنف. وتكون أغلب الأعراض التي ظهرت على المصابين بفيروس HMPV خفيفة ويمكن التعافي منها في ظرف أسبوع.
وأجرى خبراء دوليون أبحاثاً معمقة حول فيروس HMPV، ووجدوا أن الفيروس يتميز بخصائص تفشيه بشكل دوري، حيث تصل العدوى إلى ذروتها كل بضع سنوات.
والصين ليست الدولة الوحيدة التي تعاني من هذا الفيروس. بل قد تم الإبلاغ عن حالات الإصابة في العديد من البلدان مثل هولندا وبريطانيا وكندا وكينيا وغيرها من الدول، كما شهدت الولايات المتحدة أيضاً زيادة في حالات فيروس ميتانيموفيروس (HMPV) في نيسان 2024، حيث وصفته وسائل الإعلام في ذلك الوقت بأنه “غير معروف”.
ومن منظور علمي، لا يمثل انتشار الفيروس HMPVتهديداً صحياً جديداً؛ بل يدل على أن نظام مراقبة الأمراض المعدية للصين أصبح أكثر حساسية وشاملاً إذ يمكنه الآن اكتشاف مسببات الأمراض التي ربما تم تجاهلها في الماضي، مما يعكس تقدم نظام الصحة العامة الصيني.
ومع الترويج الواسع النطاق لتقنية اختبار الأحماض النووية بعد جائحة كوفيد-19، أصبحت العديد من المؤسسات الطبية قادرة على إجراء اختبارات لمختلف مسببات الأمراض التنفسية، كما زاد معدل اكتشاف الفيروس HMPV.
قامت السلطات الصحية والمؤسسات الفنية في الصين بمراقبة انتشار عدة أمراض معدية تنفسية حادة ونشرت النتائج العامة. كما قدم الخبراء الصينيون تدابير وقائية علمية بشكل متكرر.
وتحافظ الصين على اتصال وثيق مع منظمة الصحة العالمية وتتبادل المعلومات حول أمراض الجهاز التنفسي معها.
يشكل خبر انتشار الفيروس الرئوي مثال آخر نموذجي لـ”الفراغ المعلوماتي” الذي تستغله وسائل الإعلام الغربية لخلق حالة من الذعر. وهذا يعكس الأحكام المسبقة والصور النمطية المتأصلة لدى بعض وسائل الإعلام الغربية تجاه الصين.
ويبدو أنهم أكثر ميلاً إلى تصديق ونشر المعلومات السلبية، ويشككون في البيانات والتفسيرات التي تصدرها السلطات الصينية. وهذا الأسلوب لا يمنع الجمهور من فهم الحقيقة فحسب، بل يؤدي أيضاً إلى تفاقم سوء الفهم والتوترات الدولية.
إنها ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها وسائل إعلام أجنبية هذه الطريقة لتشويه صورة الصين وخلق حالة من الذعر.
فعندما انتشر فيروس كورونا على مستوى العالم، ادعت وسائل إعلام أجنبية على نطاق واسع أن الفيروس نشأ في مختبر ووهان الصينية. كما روجت وسائل الإعلام الغربية مراراً وتكراراً لـ”تهديد خروج حطام الصواريخ الصينية عن السيطرة”، لكن الحقائق أثبتت أن كل ذلك كان مجرد هراء.
أشار الخبراء الصينيون إلى أنه مع بدء العطلات الشتوية في المدارس الإعدادية والابتدائية من المتوقع أن ينخفض مستوى نشاط الإنفلونزا وحالات الإصابة بالأمراض التنفسية من منتصف حتى أواخر يناير الحالي . وتثبت البيانات الأخيرة أيضًا عدم وجود فيروس جديد أو وباء جديد في الصين.
وانغ مو يي
صحفية صينية