هذه الحرب التي تقترب من نهايتها، ماذا قالت وماذا كشفت ..؟؟ بقلم : راسم عبيدات
الحرب العدوانية على قطاع غزة في مراحلها الأخيرة، واذا لم يجر الإلتفاف عليها من قبل نتنياهو وجيشه، كما هو حاصل الان في الجنوب اللبناني، حيث الهدنة هناك بفعل الخروقات الإسرائيلية المتكررة لها، والتي زادت عن 530خرقاً ،تُنظر بان اتفاق إطلاق النار في طريقه للإنهيار، وأن نتنياهو يريد التحلل من هذا الإتفاق ،معتمدا على التغيرات الجيواستراتيجية في سوريا، وما يحصل في الداخل اللبناني، فسوريا الان تحت النفوذ التركي – القطري، ولبنان تحت النفوذ السعودي- المصري – الإماراتي.
هذه الحرب قالت بوضوح بأنها لم تكن فقط حرب اسرائيل،بل حرب امريكا والغرب بأكمله،حيث انخرطوا فيها مباشرة ودعموا عسكريا ومالياً واستنفروا اساطيلهم وحاملات طائراتهم وكل أجهزتهم الإستخبارية والأمنية،ووظفوا كل دبلوماسيتهم واقتصادهم واموالهم،من اجل الدفاع عن اسرائيل وحمايتها،والتي لولاها لكانت كما قال البعض الإسرائيلي،فإن اسرائيل كانت منذ اليوم الثالث للحرب ،تحارب بالحجارة والعصي،الحرب كما قال “مسيلمة” بلينكن الأمريكي لم تنجح بالقضاء على المقاومة عسكرياً ،وقال بأن هزيمة قوى المقاومة تحتاج الى وسائل اخرى جربتها امريكا،مثل فرض العقوبات الإقتصادية والمالية والسياسية الشاملة على الدول وحركات المقاومة المستهدفة،كما حصل في سوريا و”قانون قيصر” لتجويع الشعب السوري ،وخطة بومبيو وبربارا ليف في لبنان الخماسية، حصار مالي واقتصادي وفراغ سياسي وامني يقود الى حروب اهليه .
المهم هذه الحروب وهذه الحرب العالمية الثالثة،قالت بأن دول فقيرة وحركات مقاومة،أفشلت مشاريع ومخططات كبرى،مثل ما تحدث عنه نتنياهو تغيير وجه الشرق الأوسط،وما تسميه الإدارة الأمريكية بالشرق الأوسط الجديد،وسقطت معها مشاريع ومخططات اسرائيل،خطة الجنرالات في شمال قطاع غزة،عدم الإنسحاب من محاور “نتساريم” ,فلادلفيا،والقضاء على حركة حماس والمقاومة،وتحقيق ما يعرف بالنصر الساحق،وحلم العودة للإستيطان في القطاع.
هذه الحرب التي خاضتها قوى وحركات وشعوب فقيرة في الإمكانيات والقدرات العسكرية والتسليحية،كبيرة في الشجاعة والإرادة والتصميم،فرضت معادلات وموازين قوى يمكن البناء عليها مستقبلاً، فوقف اطلاق النار،لا في لبنان ولا في قطاع غزة، يتحدث عن نزع سلاح المقاومة،بل عودة للتساكن من جديد مع هذا السلاح على حدود لبنان وعلى حدود القطاع،وهذا يعني بأن الصراع مستمر ومتواصل،وهناك مخاطر وجودية قد تتعرض لها اسرائيل،وهي التي سعت في حروبها التدميرية على غزة ولبنان،لمنع العودة مجدداً للتساكن مع قوى مقاومة على حدود مستوطناتها،والشيء المخزي،حالة الفرح والتشفي،عند بعض القوى والأطراف لبنانياً وفلسطينياً،بالقول بأن هزيمة كبرى لحقت بحزب الله وحماس،وكذلك كشفت هذه الحرب بأن هناك حالة خذلان وتواطؤ عربي واسلامي رسمي غير مسبوقتين،وقالت بان العرب الحقيقيين، هم من وقفوا من الشجعان الى جانب غزة،وكانوا شركاء في الدم ،جزء من لبنان وجزء من العراق وجزء من اليمن،وكذلك ايران كانت داعم وشريك،وما دون ذلك وجدنا ناطقين بالعربية وليس بعرب،،وتلك الحالة طالت الجماهير العربية والإسلامية،والتي بدت كانها “مضبوعة” ،وظهرت كظل لأنظمتها،والتي ينطبق عليها قول ماركس بالشعوب الرجعية،في حين وجدنا بأن هذه الحرب حملت مفاجأت،كان منها مفاجاة اليمن،اليمن الذي تمكن من فرض معادلات في البحر الأحمر،وتحدي غير مسبوق لأمريكا وغطرستها،ونجح اليمن في فرض حصار اقتصادي بحري على موانىء اسرائيل،طيلة فترة الحرب،وبالذات ميناء ايلات ” ام الرشراش،وكذلك اجبر المدمرات وحاملات الطائرات الأمريكية على الهروب اكثر من مرة من البحر الأحمر،بعد ان استهدفها بصواريخه الفرط صوتيه والمسيرات الإنقضاضية،وكذلك حزب الله في لبنان،رغم ما تعرض له من حزمة ثلاثية قاتلة في الفترة من 17 -27 أيلول/2023 ،واغتيال معظم قياداته العسكرية والأمنية وامينه العام نصر الله ونائبة هاشم صفي الدين،إلا أنه نجح في منع الجيش الإسرائيلي،من تحقيق اي نصر بري ،فرغم كل الحشد العسكري الإسرائيلي الذي بلغ خمسة فرق وعدة الوية،لم يتمكنوا من تجاوز الحدود والحافة الحدودية بمئات الأمتار ،في حين عام 1982 وصلوا الى قلب العاصمة بيروت.
ولا ننسى بأن الحرب كشفت عن حلفاء للمقاومة على الصعيد العالمي،حيث الحركات الشعبية والجماهيرية،وعلى وجه الخصوص ” الإنتفاضة” الطالبية التي اجتاحت الجامعات الأمريكية والأوروبية الغربية،والتي كانت تطالب بوقف جرائم الإبادة والتطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني،وتدعو الى مساءلة ومحاسبة اسرائيل عن تلك الجرائم،والمقاطعة الإقتصادية وسحب الإستثمارات منها،وكذلك حركات المقاطعة والعديد من الدول الصديقة من أمثال جنوب افريقيا،والتي رفعت على اسرائيل قضية امام محكمة العدل الدولية،بتهم ارتكاب جرائم ابادة جماعية،وجرائم ضد الإنسانية،وبوليفيا وكولومبيا التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل.
والحرب كما قال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في كلمته خليل الحية أمس” معركة السابع من اكتوبر شكّلت منعطفاً مهماً في تاريخ القضية الفلسطينية”، و”أثارها” لن تتوقّف بانتهائها،وكذلك شد الحية على أن شعبنا”أفشل أهداف الاحتلال المعلنة والمستترة، واليوم “نثبت أنّ الاحتلال لن يهزم شعبنا ومقاومته أبداً”.
من المهم هنا ان تبقى قوى المقاومة يقظة وحذره من مكر وألاعيب نتنياهو وشركائه،ويجب ان يبقى ما حصل ويحصل في لبنان ماثلاً امام اعين قادة المقاومة، فلا الإسرائيلي ولا الأمريكي ومن خلفهم قوى الغرب الإستعماري، ولا العرب الرسميين ،يمكن الوثوق بهم،وربما نتنياهو تحت الضغوط الداخلية الكبيرة التي تعرض لها والضغوط الخارجية وخاصة من الرئيس الأمريكي ترمب، وافق على هذا الإتفاق، ونصب أعينه، ان يسحب ما جرى على جبهة الجنوب اللبناني الى جبهة غزة، حيث يقوم بتنفيذ المرحلة الأولى من الإتفاق، ارضاء لترمب وكذلك من أجل تخفيف الضغوط عليه من قبل اهالي الأسرى والجمهور الإسرائيلي والمؤسستين العسكرية والأمنية،ومن ثم ينقلب على هذا الاتفاق.
واضح انه بعد إتمام وتنفيذ الاتفاق بمراحله الثلاثة، فأن هناك انقسامات كبرى ستشهدها قوى اليمين الإسرائيلي، فالخلافات في جبهة سموتريتش ” الصهيونية الدينية” و” جبهة بن غفير” القوة اليهودية” تتصاعد، وكذلك الليكود لم يعد متماسكاً خلف نتنياهو، ومن هنا تبدو الساحة السياسية الاسرائيلية مقبلة على تحولات عميقة وكبرى، وستقف امام الخيار اما استمرار الحروب مقابل الخسارة الاستراتيجية المتراكمة اقليميا ودوليا، او امام خيار الدولة الفلسطينية لانقاذ نفسها من شفا الهاوية التي باتت فيها.