12:31 صباحًا / 16 يناير، 2025
آخر الاخبار

الضفة الغربية بين مطرقة الجيش الإسرائيلي وسندان المستوطنين ، بقلم : د. عقل صلاح

الضفة الغربية بين مطرقة الجيش الإسرائيلي وسندان المستوطنين

الضفة الغربية بين مطرقة الجيش الإسرائيلي وسندان المستوطنين ، بقلم : د. عقل صلاح


ننطلق في هذه المقالة من قاعدة حكمت تاريخ الشعب الفلسطيني، فقد جاء عنوانها ليؤكد على معاناة ومأساة الشعب الفلسطيني المستمرة بسبب إدامة الاحتلال الذي أوغل في الدماء الفلسطينية حتى وصل إلى حد الإبادة، وفي العودة إلى القاعدة التي تنص على استخدام سنة بدل عام في كل التواريخ التي حصلت منذ إعلان وعد بلفور سنة 1917، وذلك لأن العام يستعمل لما فيه خير (الغيث والمطر واليسر والرخاء)، والسنة لما فيه شر، (شدة وتعب وظلم). وكان ذلك واضحًا في الاستعمال القرآني حيث ذكرت السنين للشر والجدب والقحط، والأعوام للخير، ومن الأمثلة سورة يوسف: {تزرعون سبع سنين دأباً}، {ثم يأتي عام فيه يغاث الناس}. وبناء على هذه القاعدة، الشعب الفلسطيني حياته كلها سنين- القمع والظلم والحصار والحرب والتشريد والدمار والقتل والحرق والهدم والاعتقال والإبادة- كل ذلك نتاج وعد بلفور وممارسات الاحتلال الوحشية المستمرة، ولم يعش الشعب الفلسطيني عامًا واحدًا في حياته.


لقد انتهت السنة الماضية مخلفة وراءها أكبر جريمة بالتاريخ بحق غزة، حيث حصدت هذه الحرب الإجرامية حوالى10% من أهالي القطاع بين شهيد وجريح ومفقود تحت الأنقاض وفي السجون الإسرائيلية من أسرى القطاع الذين تم إعدامهم وهم أحياء ومقيدين، وتم تدمير البنية الجغرافية والمعمارية والتحتية للقطاع، فهذه الحرب الدموية أثارت جملة من الأسئلة المتعلقة بحرب الإبادة والتجويع وعدم محاسبة ومعاقبة إسرائيل، فالتحركات والفعاليات القانونية الدولية لم تقدم إجابات شافية حول هذه الأسئلة، وعن كل ما مرت وتمر به فلسطين على مدار 77 سنة من الاحتلال، وعن الدور العالمي في إيقاف الحرب، وعن كيفية حفظ حقوق الشعوب التي تنشد التحرر من الاحتلال.


هذه الأسئلة وغيرها من الأسئلة التي تدور في ذهن كل فلسطيني هي التي دفعتنا إلى مراجعة تاريخ احتلال فلسطين؛ سعيًا إلى فهم أعمق لطبيعة المرحلة ولهذه التساؤلات المعقدة، وإن لم نحسم أمر كشف إجابات لها، على مدار أكثر من خمسة عشر شهرًا من الحرب المستمرة على القطاع، ومقاومة امتدت لأكثر من سبعة عقود، عكست جانبًا من جوانب ثقافتنا وتاريخنا الفلسطيني الوطني الذي بدأ في العصيان مرورًا في الثورة والانتفاضات ووصولًا لطوفان الأقصى.
قد يكون طرح السؤال من أبرز التقنيات المعرفية التي كثيرًا ما يلجأ إليها المواطن الفلسطيني في تسليط الضوء على دور الحكومة الإسرائيلية والمستوطنين في استهداف الوجود الفلسطيني في الضفة بشكل خاص وفي فلسطين بشكل عام، وكأنّ أحد أوجه الاستهداف التي تعيشها غزة من حرب إبادة مستمرة للشعب الفلسطيني وحرب الجغرافية على الضفة لمحاصرة الوجود الفلسطيني وصولًا لإنهاء هذا الوجود في مناطق “ب” التي تبلغ مساحتها 20% ومنطقة “ج” ومساحتها 60%، وفقًا لتصنيفات اتفاقية أوسلو سنة 1993، وحصر هذا الوجود في منطقة “أ” والتي تساوي 20% من مساحة الضفة التي ستكون أكثر كثافة سكانية وصولًا للتضيق على الفلسطيني بها ليصل لمرحلة الهجرة لعدم توفر إمكانيات التطور والعيش الكريم، فالمنطلقات والتصريحات والخطط وممارسات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين تعبر عن الواقع الحالي في الضفة، وحتى قبل طوفان الأقصى، كانت ومازالت الحرب على المواطن والجغرافيا الفلسطينية تطرح سؤالًا جوهريًا: “هل أصبحت الضفة تخضع لدولة المستوطنين؟”.


كل ذلك يقودنا إلى تناول الاستهداف الإسرائيلي لفلسطين من طرفين كل منهما مكمل لدور الآخر. يتجسد الطرف الأول، بمطرقة الجيش الإسرائيلي الذي يتفنن في صناعة القتل والإبادة والقرارات التي تهدف لضم الضفة، والطرف الثاني يتمثل بسندان المستوطنين الذين يسعون إلى إقامة دولتهم الخاصة الاستيطانية في الضفة التي لا تلتزم بغير قانون التوراة الذي ينص على أن الضفة جزءًا من دولتهم، وهذا يقودنا إلى تسليط الضوء على هذه الممارسات الاحتلالية المستمرة.


فممارسات الاحتلال الوحشية منذ أكثر من سبعة عقود ضد الشعب الفلسطيني تعبر عن غباء الاحتلال المستفحل الذي يعالج النتيجة وليس السبب، فالاحتلال يلاحق المقاومة والشعب الفلسطيني ويبحث عن الحلول الدموية من أجل عدم الاعتراف في الحقوق الفلسطينية، حتى الاتفاقيات التي وقع عليها لم يلتزم بها على الرغم من أنها لا تلبي الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهذه المعالجات على مدار عمر الاحتلال لم تفلح في إنهاء مقاومة الشعب الفلسطيني ومطالبته في الحرية والاستقلال والطموح لبناء الدولة الفلسطينية.


وحتى وزراء الحكومة اليمينية المتطرفة هم جزء من التحالف مع المستوطنين في عملية الاستهداف الإجرامي للشعب الفلسطيني، فقد طالب بتسلئيل سموتريتش وزير المالية ووزير الإدارة المدنية بوزارة الحرب، في 6كانون الثاني/يناير 2025، بتحويل مدن قلقيلية ونابلس وجنين كما جباليا، وكان في السابق قد طالب بحرق بلدة حوارة وهذا ما حصل، بالإضافة إلى استمراره في قرصنة واحتجاز إيرادات المقاصّة، التي بلغت في الأشهر الأخيرة حوالي 70% من قيمة المقاصّة الشهرية، ويكرس جل جهوده في دعم الاستيطان والبؤر الاستيطانية وتشريعها، أما إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الذي يعمل على القضاء على الوجود الفلسطيني في الضفة، وإطلاق يد المستوطنين في الاعتداء على الشعب الفلسطيني ومنحهم القوة وجل الدعم في قتل الفلسطينيين وحرق ممتلكاتهم، وذلك من خلال تسليح أكثر من 200 ألف مستوطن بأفضل أنواع الأسلحة الرشاشة، ومنحهم الحرية في الاستيلاء على ممتلكات المواطن الفلسطيني في القوة وغيرها من القرارات التي تصب في حماية المستوطنين من أجل تهجير الشعب الفلسطيني من خلال السيطرة في المرحلة الأولى على منطقة “ج” والتي تم حسمها ومن ثم منطقة “ب” التي تم اتخاذ القرارات في حصر الوجود الفلسطيني بها وسحب صلاحيات السلطة الفلسطينية منها وتحويلها إلى منطقة “ج” وكل ذلك يصب في خطة الضم للضفة؛ ففي النهاية جميع قرارات الحكومة ابتداء من الحواجز والبوابات على مداخل المدن والقرى والاقتحامات وتدمير البنية التحتية والإعدامات الميدانية، وتقييد الحركة وحرية التنقل، والحرمان من الحق في السكن والتهجير القسري، والانتهاكات ضد المؤسسات التعليمية والإعلامية والصحية واستهداف الأماكن الدينية وحرية العبادة، والانتهاكات بحق الأسرى الفلسطينيين حيث تم قتل المئات منهم منذ سنة 1967، واتخاذ القرارات بمصادرة الأراضي والبناء الاستيطاني والهدم الممنهج، الذي وصل إلى أطراف المدن المصنفة “أ” كما حصل في الجبل الشمالي ونابلس الجديدة والضاحية وهذه المناطق تعتبر في قلب مدينة نابلس، والاعتقالات اليومية في الضفة، تصب في الفهم التوراتي الذي ينص على أن الضفة جزء من دولة إسرائيل الكبرى.


أما ممارسات المستوطنين، فقد تم إطلاق الحرية التامة لهم في الاعتداء الهمجي على الشعب والأرض الفلسطينية، فمستوطن واحد يستطيع السيطرة على مساحة شاسعة من الأراضي ومن ثم إقامة مستوطنة عليها وهذا ما يفسر ارتفاع عدد البؤر الاستيطانية لحوالي 180 ومنها في منطقة “ب” وبالإضافة إلى إلغاء فك الارتباط عام 2005، والذي نص على الانسحاب من أربع مستوطنات في شمال الضفة وتم إعادة المستوطنة الأولى وهي حومش، حيث نشرت قناة 14 العبرية في 9كانون الثاني/يناير 2025، بأن الخطوة الأولى لإلغاء قانون فك الارتباط من خلال المكونات الأمنية في مستوطنة حومش: من خلال تركيب كاميرات مراقبة، وأعمدة إنارة، ومكونات أمنية في حومش. الحديث يدور عن خطوات ذات تأثير كبير في توفير الأمن وحماية المستوطنين في المستوطنة وفي المدرسة الدينية شمال الضفة.


وتعمل إسرائيل ليلًا ونهارًا على إنهاء حالة المقاومة في شمال الضفة لعودة باقي المستوطنات وهي سانور وغانيم وكاديم، ويضاف على ذلك الاستيطان الرعوي الذي يحاصر كل محافظة وأصبح يسيطر على ما تبقى من منطقتي “ب وج”، وكل ذلك بحماية ومباركة الحكومة. وبهذا الخصوص يمكن تسليط الضوء على تصريح منظمة البيدر بأن الجيش الإسرائيلي والمستوطنين نفذوا 2,977 اعتداءً على التجمعات البدوية في الضفة خلال سنة 2024، ما أسفر عن تهجير 67 تجمعاً بدوياً، و340 عائلة، وعلى نفس المنوال أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا” في 4كانون الثاني/يناير 2025، بأن سنة 2024 تمثل أسوأ سنة لعنف المستوطنين في الضفة، 1400حادث عنف من المستوطنين، وهذا ما يؤكده شعار “لا مستقبل بفلسطين” الذي كتب على يافطات وضعها المستوطنون على طريق نابلس رام الله في مستوطنة شيلو.


فكل ما سبق، من ممارسات للجيش وللمستوطنين تم التعبير عنها في 6كانون الثاني /يناير 2025، عبر الحسابات الرسمية للمستوطنين على مواقع التواصل الاجتماعي عبر خريطة “مملكتي يهوذا وإسرائيل”، تعود إلى سنة 928 قبل الميلاد، والتي تظهر فيها سيطرة وهمية على أراضٍ فلسطينية وأردنية ومصرية ولبنانية وسورية، كل ذلك يعبر عن العقلية الإجرامية التي تحكم إسرائيل بغطاء توراتي زائف.


*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية.

شاهد أيضاً

حزب الشعب الفلسطيني

حزب الشعب : نرحب بإتفاق وقف العدوان على شعبنا ونؤكد على وحدة الموقف الوطني الفلسطيني

شفا – أعرب حزب الشعب الفلسطيني عن ترحيبه بإتفاق وقف الحرب العدوانية على شعبنا في …