دمشق بوابة الشرق الأوسط الجديد ، بقلم : سالي أبو عياش
يبدو أن الشرق الأوسط بدأ بالانقلاب رأساً على عقب بعد سلسلة أحداث متتالية بدأً من عملية طوفان الأقصى وما تبعها من أحداث وتطورات كان أحدثها وليس أخرها سقوط نظام الحكم لبشار الأسد وسيطرة المعارضة السورية على دمشق، فبعد سقوط دمشق في يد المعارضة السورية اعتقد البعض أنها تحررت من نظام استبدادي وتتجه نحو طريق الحرية، ولكن في حقيقة الأمر الصورة مغايرة تماماً لحلم البعض.
يبدو أن طبول الحرب قد بدأت تدق أبوابها واشتد الوضع خطورةً لتبقى دول الجوار الأردن … العراق… لبنان…فلسطين…اليمن… وربما المنطقة الإقليمية بأسرها تحت المجهر الإسرائيلي الأمريكي الذي يسعى إلى تغير الخريطة الجيوسياسية في الإقليم.
إن تداعيات سقوط سوريا قد تكون كارثية على المنطقة الإقليمية برمتها، حيث يبدو أن الحقبة الأمريكية-الإسرائيلية في الشرق الأوسط ستستمر لفترة طويلة، وستصبح إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من جغرافيا المنطقة ومركزاً للتحكم فيها، وقريباً ستُرفع أعلامها في العديد من العواصم العربية، بدءاً من دمشق وصولاً إلى الرياض، إذ سيفتح التطبيع مصرعيه مجدداً وتتوسع حلقاته التطبيعية الإسرائيلية العربية، فقد يواجه لبنان وصاية دولية شاملة، مع سيطرة الجيش اللبناني أو إشراف دولي عليها، بينما اتفاق وقف النار الهش الذي وقع بين الطرفين قد تتراجع عنه إسرائيل بعد سقوط سوريا. ونستدل على ذلك في خرق إسرائيل للاتفاق عدة مرات دون محاسبتها من الدول التي أشرفت على هذا الاتفاق حيث يصر الجيش الإسرائيلي على وجود مناطق أمنية في لبنان وسوريا، بينما يعزز قبضته على الجولان، وعلى الصعيد السياسي الداخلي سيُنتخب رئيس لبناني موالٍ لأمريكا، بعيداً عن تأثير حزب الله، أما العراق ستكون معابرها البرية المشتركة مع سوريا وإيران تحت الإشراف الأمريكي، مع العمل على تغذية الفتن المذهبية والسعي في محاولات تصفية المقاومة العراقية.
ستواجه القضية الفلسطينية أخطاراً متزايدة، وستتعرض المقاومة في غزة لضغوط كبيرة للقبول بتسويات جزئية تقلص المكاسب الفلسطينية، مع بقاء قوات إسرائيلية داخل القطاع بحجة الأمن كما ذكر في الأخبار الواردة حول الهدنة التي ستعمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة وإطلاق صراح بعض الرهائن، وستنفذ وتتسارع عمليات الضم والتهويد في الضفة الغربية بهدف فرض تغيير ديمغرافي يحفظ التفوق الإسرائيلي، مع تقسيم المسجد الأقصى كما نظيره الحرم الابراهيمي في الخليل وبذلك يتحول بقدسية مشتركة بين الإسلام واليهودية.
وسيواجه الأردن خطر فرض مشروع ” الوطن البديل”، وقد يُجبر على قبول تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى أراضيه، ضمن مخطط يسعى لتصفية القضية الفلسطينية على حسابه، بينما إيران فمن المتوقع أن تتعرض لضغوط هائلة للتخلي عن برنامجها النووي مقابل رفع كامل للعقوبات المفروضة عليها وستُطالب بوقف دعمها لحلفائها في المنطقة، خاصة بعد سقوط سوريا، إذ ستفقد القدرة على تقديم أي دعم عسكري أو استراتيجي هناك ورفض إيران لهذه الشروط قد يؤدي إلى تصعيد يستهدف أمنها واستقرارها الداخلي، مما يعمق عزلتها ويضعها في موقف أكثر ضعفاً. وأخيراً اليمن، وبالرغم من بعده الجغرافي، فلن يكون بمنأى عن الاستهداف، مما يعمق حالة العزلة التي تعيشها قوى المقاومة في المنطقة.
يمتد المشروع الأمريكي-الإسرائيلي-التركي-الأوروبي الغربي ليشمل أبعاداً أكبر بكثير من الجغرافيا السورية وحدودها، فبعد معركة السابع من أكتوبر 2023 أصبح واضحاً أن أمريكا لن تسمح بأي تهديد حقيقي لإسرائيل في المنطقة، إذ تعتبرها قاعدتها المتقدمة وحليفها الأكثر موثوقية لحماية مصالحها، فإسرائيل ليست مجرد دولة بالنسبة لها إنما أداة استراتيجية للدفاع عن المصالح الأمريكية والغربية الاستعمارية في الشرق الأوسط.
ولهذا فإن الحرب في المنطقة تدور ضمن إطار أمريكي-صهيوني يهدف إلى تعزيز الهيمنة الإسرائيلية على الإقليم كضامن لهذه المصالح، ويكون هذا على حساب استقرار المنطقة وشعوبها، إذ تسعى كل من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى جعل إسرائيل دولة من دول الإقليم والشرق الأوسط لا بل الدولة والمرتكز الأساسي المتحكم بالمنطقة.
فبعد وقوع الحرب على قطاع غزة بصورة خاصة وجبهات الاسناد كما نعلم توسعت رقعة الحرب إلى لبنان، التي شكلت خلال 11 شهراً جبهة إسناد لغزة، وتصاعدت الأحداث لتتحول إلى معركة بين إسرائيل ولبنان عرفت باسم “أولي البأس”، هذه المعركة بدأت مع شن إسرائيل حرباً برية على لبنان، سبقتها محاولة إسرائيلية-أمريكية لإضعاف حزب الله تمثلت هذه المحاولة في تفجير أجهزة الاتصالات الخاصة بالحزب مثل “البيجر”، واغتيال معظم قياداته العسكرية والأمنية، بما في ذلك اغتيال قائد الحزب حسن نصر الله ونائبه هاشم صفي الدين.
مع وقف إطلاق النار وخروج لواء “غولاني” من لبنان، انتقل الدور الإسرائيلي-الأمريكي-التركي مباشرة إلى سوريا وخلال أيام قليلة تحركت المعارضة السورية بقيادة أبو محمد الجولاني “أحمد الشرع” ، ويجب الذكر أن المعارضة السورية وقادتها كانت تُصنف سابقاً كجماعات إرهابية وفق القانون الدولي، حظيت المعارضة بدعم بأحدث الأسلحة والطائرات المسيرة المتطورة ورويداً رويدا سقطت المدن السورية واحدة تلو الأخرى وصولاً إلى دمشق، دون مقاومة تُذكر، هذا التطور أشار إلى وجود اتفاق غير معلن يقضي بتجنب القتال في سوريا، مع انتقال سلمي للسلطة، ليتضح المشهد قليلا ونرى أن روسيا بدت وكأنها تراجعت عن دعم حليفها السوري، في ظل تصريحات من واشنطن، وتحديداً من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أشار إلى استعداد زيلينسكي للتوصل إلى تسوية مع روسيا، تكون هذه التسوية تضمن مصالح روسيا في أوكرانيا، إضافة إلى الحفاظ على وجودها في السواحل الشمالية السورية.
يبدو أن العصر الأمريكي-الإسرائيلي سيطول وستدخل المنطقة بأسرها في هذا العصر، لنصبح امام مشروع تقسيم الوطن العربي وتفكيكه إلى دويلات صغيرة ومجزأة، تفتقر إلى مقومات الدولة المستقلة، ويتم هذا التفتيت على أسس مذهبية، عرقية، طائفية، مما يجعل هذه الكيانات هشة وغير قادرة على العمل بشكل مستقل، لتُدار هذه الدويلات من خلال تحالفات عسكرية وأمنية تُبقيها تحت السيطرة، وربطها بعلاقات اقتصادية وثيقة مع إسرائيل، وبإشراف أمريكي مباشر لضمان الهيمنة الإقليمية وتحقيق المصالح المبتغاة في المنطقة.
في الختام تبقى الأسئلة كثر لتبقى التساؤلات رهناً للايام:
هل ستكون دمشق طريقاً للشرق الأوسط الجديد … أم أنها مجرد حالة تحرر من نظام حكم استبدادي إلى نظام آخر؟