10:03 مساءً / 5 فبراير، 2025
آخر الاخبار

صفقة القرن ودمج إسرائيل في الشرق الأوسط ، بقلم : سالي أبو عياش

سالي أبو عياش

صفقة القرن ودمج إسرائيل في الشرق الأوسط ، بقلم : سالي أبو عياش


أعلن ترامب 28 كانون الثاني 2020 صفقة القرن في مؤتمر صحفي عقده بالبيت الأبيض وبجواره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واحتوت الصفقة على بنود تمثلت في: ” القدس عاصمة غير مجزأة لإسرائيل، والاعتراف بسيادة إسرائيل على المستوطنات والأغوار، ويعترف الفلسطينيون أنّ إسرائيل هي دولة يهودية، ولن يكون للاجئين الفلسطينيين الحق بالعودة، وتقديم 50 مليار دولار للاستثمار والنهوض بالاقتصاد الفلسطيني”، يتضح لنا أن الأهداف التي جاءت بها هذه الصفقة واتضحت معالمها اليوم هي تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل تمهيداً لإدراج إسرائيل في قلب المنطقة، وبهذا أعتبر التطبيع مع إسرائيل هو أحد مقتضيات صفقة القرن التي صرح بها دونالد ترامب وبدأ بتنفيذها عندما قام بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس.


يمكن الحديث أنّ هذه الصفقة ليست إلا مشروعاً صهيونياً طرحه بنيامين نتنياهو ومن معه من أركان اليمين الإسرائيلي المتطرف، بالتعاون مع الفريق الأمريكي بقياده دونالد ترامب ثم تم تغليفه بالغلاف الأمريكي، ولا توجد صعوبة في اثبات ذلك فكل ما يحتاج العالم إليه هو العودة إلى كتاب مكان تحت الشمس الذي أصدره بنيامين نتنياهو بعد اتفاق أوسلو عام 1994 وكرسه للاعتراض على الاتفاق المذكور ومبدأ قيام دولة فلسطينية مستقلة، حيث أنّ معظم ما جاء في هذه الصفقة طرح سابقاً في هذا الكتاب المذكور وبنسخته العربية فمثلا ذكر نتنياهو: ” بدلاً من الالتزام بتحويل الضفة الغربية بكاملها إلى دولة فلسطينية متفجرة فأنّ هذا الكتاب يقدم نهجاً بديلاً للسلام بين العرب وإسرائيل، ويدعو إلى قيام حكم ذاتي فعلي للفلسطينيين مع الاحتفاظ بالسلطات المركزية في يد إسرائيل”، واكدت خطته أيّضا على أهمية دمج إسرائيل مع محيطها العربي وليس التطبيع فقط، فالتطبيع من منظوره هو علاقة سلام بين دولتين قد تتبدل وفق مصالح احداهما على الأخرى، أما الاندماج يجعل من الدولتين دولة واحدة لا تستطيع احداهما مفارقة الاخرى مستغلا التحديات الاقتصادية ومواجهة تهديدات إيران كونه العدو المشترك لإسرائيل وبعض الدول العربية في المشرق العربي من خلال سعيها لتحقيق مشروع المد الشيعي في العالم.


لا تتوقف حدود صفقة القرن على الشأن الفلسطيني وحسب وإنّما تتعداه بهدفٍ ربما هو الأشد أهمية ويتمثل في انخراط إسرائيل الكامل بالمنطقة واعتبارها شريكاً وحليفاً استراتيجياً في مواجهة المخاطر التي تهدد مصالحهم كإيران على سبيل المثال، لذا سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الموافقة على صفقة القرن خلال المؤتمر المشترك.


ليتضح لاحقاً أن هنالك هدفاً رئيساً لصفقة القرن هو عزل الشعب الفلسطيني وقضيته واضعافه وكسر مقاومته وتصفية القضية تمهيدا لإدراج إسرائيل كدولة من دول المنطقة الإقليمية، وبالتالي فتح الأبواب على مصارعها امام إسرائيل للهيمنة العسكرية والاقتصادية والسياسية على المنطقة بكاملها، ولتعزيز قدرتها التكاملية مع القوتيين الإقليميتين (إيران وتركيا) مع تكريس وضع المحيط العربي (كمفعول به) وليس (كفاعل) في الصراع الدولي في المنطقة.


لذا قدم نتنياهو اقتراحاً للإدارة الأمريكية ينص على عقد مؤتمر إقليمي يضم إسرائيل ودول الاعتدال العربي المتمثلة في “مصر السعودية الإمارات البحرين والأردن” للانخراط في مشروع التطبيع السياسي والتجاري والأمني كشرط للتقدم على المسار الفلسطيني، واضعاً بذلك حجر الأساس لفكرة الاندماج والدمج في المنطقة وجاء هذا المقترح بعد موافقة دول عربية فتح ممثليات لإسرائيل في أراضيها أو موافقتها على منح تأشيرات دخول لرجال اعمال وسياح إسرائيليين أو السماح بإنّشاء خطوط اتصالات هاتفية دولية مباشرة مع إسرائيل أو السماح للطائرات الإسرائيلية التحليق بمجالاتها الجوية أو القيام برحلات جوية مباشرة بينها وبين إسرائيل.


إن محاولات دمج إسرائيل في الشرق الأوسط دون حل عادل للقضية الفلسطينية يحتم على مصيرها بالفشل حيث أن سياسة دولة الاحتلال الهادفة للقفز عن القضية الفلسطينية لتحقيق أوسع اندماج لها في الشرق الأوسط بعيداً عن حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كشرط واجب للاعتراف بها كما جاء في مبادرة السلام العربية التي صدرت عام 2002 لن يؤدي إلى تحقيق هذا الاندماج، وإنما يهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها، وبالتالي إطالة أمد الصراع وخلق المزيد من التوترات والانفجارات.


اليوم بعد عام وأكثر على معركة (طوفان الأقصى) نرى أنها جاءت لعدة أسباب ولتحقيق عدة أهداف من ضمنها مواجهة كل المحاولات الأمريكية لدمج إسرائيل في الشرق الأوسط، حيث تعمل الولايات المتحدة على دمج إسرائيل في المنطقة وبناء نظام إقليمي جديد، بالموازاة يواصل مسار التطبيع طريقه دون عقبات كبيرة، ويأخذ موضعه في البيئة السياسية للمنطقة بما له من تأثير على الموقف العربي والإسلامي من إسرائيل، وفي مواجهة ذلك، كان لدى الفلسطينيين خيارات محدودة لمنع تصفية قضيتهم وحسم الصراع لصالح إسرائيل، والتصدي لمسار دمج إسرائيل في المنطقة، ومنحها وضعية قيادتها وتقرير مصيرها، وهنا كان الخيار الاكثر فاعلية هو المقاومة العسكرية، والتي صممت شكل المعركة الحالية كي تعطل مسارات تصفية القضية وتجاوز الفلسطينيين عبر مسارات محلية وإقليمية ودولية، ففي ظل هذه المعركة عادت القضية الفلسطينية تشغل بال الاحرار في هذا العالم ويعملون على مناصرتها ودعمها مجددا لتعد قضية حية بعد انحراف البوصلة عنها في مرحلة معينه خاصة بعد احداث الربيع العربي.


بالرغم من استمرار هذه الحرب إلا أن المتغيرات الأخيرة فيها وهي الاتفاق بين إسرائيل ولبنان وما جاء بين سطوره وما جاءت به تصريحات الحكومة الإسرائيلية خاصة في موضوع التصدي لإيران يؤكد عزم إسرائيل وسعيها لدمج نفسها في المنطقة ومضيها قدما لتحقق خططها، وتقوم ببناء منظومة أمن إقليمي شرق أوسطي جديد لا إيقاف الحرب ومحاولة التوصل الى سلام في هذه المنطقة، فقد يبدو أن إسرائيل تأخذ هدنة من الجبهة اللبنانية من أجل التفرغ إلى جبهات أخرى مستغلة لتحقيق مبتغاها التحولات الجارية بشكل واضح فعلى سبيل المثال هنالك عدة دول عربية أصبحت ترى في إيران والمقاومة، وليس “إسرائيل”، الخطر الأكبر على أمنها الوطني ومن ثم باتت مستعدة للتحالف العسكري مع “إسرائيل”، ما يشكل انقلاباً كاملاً للمعادلات العسكرية والأمنية والاستراتيجية في المنطقة، خاصة أن إيران ستجد في هذه الخطوة استفزازاً كبيراً لها، ما يفتح المجال لزيادة التوتر بين إيران والدول العربية.

شاهد أيضاً

شفا - أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس القيرغيزي صدير جاباروف، محادثات في بكين اليوم (الأربعاء)، وتعهدا بأن تجري الصين وقيرغيزستان تعاوناً عالي الجودة في إطار الحزام والطريق لتحقيق المزيد من النتائج المربحة للجانبين.

رئيس الصين شي جين بينغ يجري محادثات مع الرئيس القيرغيزي

شفا – أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس القيرغيزي صدير جاباروف، محادثات في بكين …