9:54 مساءً / 5 فبراير، 2025
آخر الاخبار

كم كنت وحدك يا ابن أمي ، بقلم : سالي أبو عياش

سالي أبو عياش

كم كنت وحدك يا ابن أمي ، بقلم : سالي أبو عياش


دخلت القضية الفلسطينية في عام 2024 مرحلة غير مسبوقة من التحولات الاستراتيجية، إذ شكلت الحرب على غزة منعطفاً محورياً عقب عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إذ جاءت هذه العملية كمواجهة صنفت على أنها الأعنف والأطول زمنياً في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كما تميزت هذه المواجهة بشمولها واتساع نطاقها على المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية، فلم تقتصر على الميدان فقط، بل امتدت تداعياتها إلى إعادة تشكيل قواعد الاشتباك وموازين القوى في المنطقة.


فمن الناحية الفلسطينية، عززت المواجهة حالة التماسك الشعبي حول المقاومة، لكنها كشفت في الوقت ذاته عن عمق التحديات التي تواجه المشروع الوطني الفلسطيني، سواء على صعيد إعادة ترتيب البيت الداخلي أو التعامل مع تعقيدات الوضع الإنساني في قطاع غزة، بينما على الجانب الإسرائيلي، أحدثت المواجهة زلزالاً سياسياً ومجتمعياً عميقاً، حيث تعالت أصوات الانتقاد لأداء القيادة السياسية والعسكرية، مما أثار انقسامات داخلية حادة وأعاد طرح تساؤلات وجودية حول قدرة إسرائيل على الحفاظ على أمنها في وجه تصاعد قدرات المقاومة.


أما على المستوى الإقليمي والدولي، فقد فرضت الحرب نفسها بقوة على الأجندة العالمية لتتجلى التداعيات في إعادة تسليط الضوء على القضية الفلسطينية كأزمة محورية، لا يمكن تجاهلها أو إزاحتها عن ساحة الأولويات الدولية بغض النظر عما الت اليه حقيقة القانون الدولي وحقوق الانسان وفشلها في الحفاظ على الحق الفلسطيني في الحياة أو حمايته من الإبادة الجماعية التي تمارس بحقه منذ ما يزيد عن العام. كما دفعت المواجهة بعض القوى الإقليمية إلى إعادة تقييم مواقفها إزاء التطبيع مع إسرائيل، فيما ازداد الضغط على الأطراف الدولية للعب دور أكثر فاعلية في إيجاد حلول تضمن وقف دوامة العنف وتخفيف المعاناة الإنسانية.


يبدو أن هذه المواجهة لم تكن مجرد فصل من فصول الصراع بل هي محطة مفصلية ستعيد رسم معالم المشهد الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء، مع تأثيرات متشابكة تمتد إلى البيئة الإقليمية والدولية، مما يجعل المرحلة المقبلة حاسمة في تحديد مسار القضية والمنطقة الاقليمية ومستقبلها، خاصة بعد ظهور ازدواجية المعايير القانونية ونجاعة حقوق الانسان الدولية وفشلها في حماية الانسان الفلسطيني.


وهنا يجدر بنا أن نجسد الحالة التي تعيشها فلسطين بصفة عامة وقطاع غزة بصفة خاصة ربما مثلها اقتباس الشاعر الفلسطيني محمود درويش الذي يعكس مشاعر الوحدة والغربة والخذلان التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظل الصراع السياسي والاحتلال الإسرائيلي المتواصل بحق القضية الفلسطينية ” كم كنت وحدك يا بن امي…”، فالرغم من أن هذا اقتباس أدبي بحت إلا أنه يمثل الواقع السياسي والاجتماعي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.


فعلى مر التاريخ؛ كان الحق الفلسطيني واضحا وضوح الشمس، لكنه بقي يفتقر إلى القوة التي تضمن حمايته ومواجهة التحديات المستمرة له ولقضيته، فالحق لا يتحقق بالكلمات وحدها، ولا يمكن للصوت بمفرده أن يغير الواقع، إذ أن تحقيق العدالة يتطلب إرادة حازمة وخطوات عملية لتحويل الأقوال إلى واقع ملموس، في السنوات الأخيرة بات الواقع السياسي في فلسطين مضطرباً بشكل متزايد خاصة بعد السابع /أكتوبر /2023، ووقوع الحرب التي تأكل كل ما يأتي أمامها في قطاع غزة، وحالة من عدم الاستقرار في الضفة الغربية فمن جهة البيت الداخلي في حالة من الفوضى الداخلية ويعاني من ضعف حياتي كامل {اقتصادي، سياسي، اجتماعي، جغرافي …}، وتصعيدات السلطات الإسرائيلية المستمرة والمتواصلة من جهة أخرى، ففي ظل استمرار العدوان الصهيوني وحرب الإبادة الممنهجة ضد شعبنا الفلسطيني ومقاومته في غزة، على مدة طويلة تتجاوز ال400 يوماً على التوالي، يعاني القطاع من دمار شامل أصاب كافة جوانب الحياة بالشلل شبه التام، ليعيش هذا القطاع الذي ما زال صامداً رغم المعاناة تحت وطأة حصار خانق وظروف قهرية قاسية، وهو يواجه أحداثا مأساوية ليست جديدة، بل متجذرة في تاريخ طويل من الاعتداءات التي تتكرر وتزداد حدتها يوما بعد يوم، إذ تتصاعد الجرائم الوحشية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، بدءا من القتل والتدمير العشوائي إلى استهداف الأطفال والنساء وكبار السن والمدنيين العزل والمستشفيات والقطاع الصحي الذي يعاني أساسا من ضعف كبير في الكوادر الطبية والمعدات الصحية وكثرة الجرحى والمرضى في القطاع حيث تعرضت معظم المستشفيات والمراكز الصحية والمجتمعية في قطاع غزة للاقتحام والتدمير، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة بشكل كامل، إضافة إلى اقتياد الكوادر الطبية والطواقم العاملة فيها إلى السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وجهات مجهولة، حيث يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب دون معرفة مصيرهم، تكرر هذا المشهد كثيرا حيث حدث في مستشفى العودة _ تل الزعتر، ومستشفى كمال عدوان شمال القطاع، الذي تحول إلى مسرح للبطش الإسرائيلي وهو المستشفى الوحيد الذي كان يقدم خدماته لآلاف المرضى في مناطق الشمال التي تعاني من عملية برية تهدف الى تهجير وافراغ المناطق الشمالية من سكانها، ليخرج عن الخدمة بعد اعتقال كوادره الطبية واستشهادهم، وعلى رأسهم مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية الذي تم اعتقاله بعد حرق المستشفى امام عينيه، وفي مشهد مؤلم جرى أمام مرأى ومسمع العالم بأسره، ووسط هذه الكارثة الإنسانية يقف المجتمع الدولي ومؤسساته الحقوقية صامتين بشكل محير، فيما يتعطل دور مجلس الأمن بفعل حق الفيتو الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها لحماية الاحتلال والتستر على جرائمه الاستعمارية التي تستهدف شعبنا بالاقتلاع والتطهير العرقي، وطمس معالم الأرض وتهويدها إضافة الى شتى الممارسات التي تمارسها إسرائيل في فلسطين.


إن هذا الصمت الدولي والتواطؤ الواضح لا يترك مجالا للشك في مسؤولية هذه القوى عن تفاقم المعاناة الفلسطينية ودعمها الضمني لسياسات الإبادة والتنكيل ليتجسد لنا مشهد الوحدة التي يعاني منها الفلسطيني وقضيته والذي جاء في قصيدة مديح الظل العالي لمحمود درويش “كم كنت وحدك يا بن أمي كم كنت وحدك يا بن اكثر من أب …” إذ يواصل شعبنا الفلسطيني نضاله عن حقوقه وأرضه، التي اغتصبت منذ نكبة عام 1948، وسط تضليل وغياب وتخلي عالمي عنه وعن حقوقه وبالرغم من ذلك لن يتوقف عن تقديم التضحيات حتى يستعيد حقوقه المسلوبة، مؤكدا أن إرادة العدالة ستنتصر على آلة الظلم والاستبداد مهما طال الزمن.

شاهد أيضاً

شفا - أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس القيرغيزي صدير جاباروف، محادثات في بكين اليوم (الأربعاء)، وتعهدا بأن تجري الصين وقيرغيزستان تعاوناً عالي الجودة في إطار الحزام والطريق لتحقيق المزيد من النتائج المربحة للجانبين.

رئيس الصين شي جين بينغ يجري محادثات مع الرئيس القيرغيزي

شفا – أجرى الرئيس الصيني شي جين بينغ، والرئيس القيرغيزي صدير جاباروف، محادثات في بكين …