“الذهب الأخضر” في أرضنا المقدسة ، بقلم : موفق مطر
نمتلك في فلسطين مقومات صمود غذائي وطبي، ولا نحتاج لأكثر من خطط وبرامج على مستويات رسمية، وشعبية (بلديات وجمعيات) ومنظمات معنية بالبيئة والحياة البرية، ومنح اجازات (تراخيص) رسمية موثوقة، للمتخصصين في انتاج أعشاب فلسطينية مميزة، سواء للعلاج الطبي (العلاج بالأعشاب) أو كمشروبات تساعد في تحسين الصحة الجسدية، والنفسية حتى. فنحن بحاجة ماسة لتحقيق اكتفاء ذاتي، في ظل حصار دائري متعدد، يستهدف مسارات حياتنا اليومية، ونعتقد ان تشجيع المنتج الفلسطيني بالمسار الرسمي، يتطلب ازالة عقبات الروتين أمام المنتجين، وفتح أبواب المؤسسات الرسمية المتخصصة، لتنمية وتطوير الانتاج الفلسطيني، مع تأكيد الحفاظ على الشروط العلمية والضوابط القانونية.
أما على الصعيد الشعبي، فنعتقد أن الترخيص القانوني سيمنح المنتج ثقة لدى المستهلك الفلسطيني، وسيمكنه من اخذ الأولوية في الأسواق المحلية، مع استمرار الفحص والرقابة، حتى تأخذ فلسطين مكانتها الطبيعية، كرائد في انتاج (الذهب الأخضر) وتحقيق اكتفاء يعيننا على الصمود اكثر، ففي فلسطين 128 عائلة نباتية عضوية طبيعية، بينها 14 سرخسيات و124 زهرية حسب كتاب صدر عن “جمعية الحياة البرية”.
لذا لا نستغرب أن الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، ودول الخليج العربية، على رأس الدول المستوردة للنباتات الطبية والعطرية، وحتى الغذائية، ففلسطين في المرتبة الثانية إن لم تكن في الأولى من حيث التنوع البيئي البري، إذ تزخر أرض فلسطين بأسماء أعشاب طبيعية طبية وعطرية وغذائية، تستخدم مكوناتها خضراء أو مجففة، أو مقطرة، لعلاج أمراض، أو كمادة غذائية غنية بالعناصر اللازمة لصحة الجسم، وتعتبر جزءا من التراث الغذائي في المطبخ الفلسطيني.
كما أن معظم النباتات والزهور العطرية الطبية تستخدم، إما لتطييب الأطعمة، أو تناولها كمشروبات ساخنة، أو باردة، ما يعني، أن بلادنا تتوفر فيها مقومات اكتفاء غذائي وطبي، من (الذهب الأخضر)، وعلى سبيل المثال لا الحصر، الزعتر: يستخدم كغذاء وعلاج لأمراض الجهاز التنفسي؛ والجعدة: لعلاج السكري والمغص؛ والطيون: للجروح والكسور؛ والشيح: لأمراض الجهاز البولي والمغص؛ والبابونج: مشروبا مهدئا؛ والميرمية: للمغص ونزلات البرد؛ والحرمل: وكان يستعمل لإثارة ذكور الأغنام وإناثها؛ والقبار: ويستخدم لعلاج المفاصل؛ والعلندة لمقاومة سرطان الدم.
وقد لا يصدق البعض أنني أثناء تجوالي في مناطق شمال غرب رام الله، احصيت وصورت ثلاثة عشر نوعا من الزهور الطبيعية بأحجام وألوان عديدة في متر مربع تقريبا، دون احصاء عدد النباتات الطبيعية الأخرى في هذه المساحة، التي تبدو للناظر المحب العاشق كمزهرية زهور رسمت في عصر النهضة الفنية التشكيلية الأوروبية، وأعتقد انها كانت محط دهشة وإعجاب، كل من شاهد معرض الصور الضوئية الجمالي (فلسطين الجنة) قبل سنوات، الذي كان هدفنا منه، ابراز الجمال الاستثنائي المميز لهذا الكنز الطبيعي الذي حظيت به بلادنا فلسطين، خاصة عندما، يرى الزائر جمالية التفاصيل الدقيقة، اعجاز التشكيل والتكوين في صورة لزهرة ما لا يتجاوز قطرها (ميليمترات خمسة).
ونذكر هنا أن كثيرا من الزهور والنباتات الطبيعية، قد خلدتها المرأة الفلسطينية في القرية والمدينة كرموز على اثوابها المطرزة الى جانب رموز طيور ونباتات وأشجار.. ونحتت على حجارة العمارة الفلسطينية، وهنا نذكر بأن “سوسنة فقوعة” رمز فلسطيني خالص، ذلك أنها زهرة ربيعية، لا تنبت طبيعيا إلا في منطقة واحدة في فلسطين، وهي منطقة بلدة فقوعة، شرق جنين، متفردة بلونها البنفسجي القاتم، وشكلها وحجم بتلاتها الزهرية، ونادرة الوجود في أي مكان آخر في العالم.
اذا سألت عزيزا، من بلد آخر، ماذا تريد من فلسطين؟ فإنه سيطلب ميرمية، أو زعترا إن لم يطلب حفنة تراب من أرضها المقدسة.