أبناء المعتقلين..انتكاسة نفسية ومعاناة تربوية يزيدها الفراق
الخليل/اياد سرور
بحاجة للتعويض عن سنوات الحرمان
حينما يقرر المحتل الغاشم اعتقال الفلسطيني فانه لا يقرر معاقبة المعتقل وحده،وإنما يكون العقاب لكل العائلة ،ولا أبالغ حينما أقول أن ما يرافق الاعتقال من حزن وألم الفراق يكون أكبر في محيط عائلة المعتقل عما يعانيه المعتقل نفسه ،ولعل أخطر هذه الآثار تصيب الأطفال ،فيصابون بانعكاسات نفسية وسلوكية… وتربوية قد تعصف بكينونتهم واتزانهم ،وبالرغم من آثار هذا الغياب المدمر إلا أن كثيراً من الناس لا يعيرونها الاهتمام الكامل .
“شفا ” رصدت تجليات هذه المعاناة وانعكاساتها الخطيرة على مهج القلوب ونور العيون أطفالنا في التقرير التالي :
أريد والدي
السيدة إيناس عيدة زوجة الأسير المحرر زين المحتسب قالت “لم يكن مصابي في ذات الاعتقال ,وإنما كان مصابي الأكبر بكيف سيستقبل أطفالي هذا الخبر،وما زاد الأمر سوءً أن الاعتقال صادف اليوم الدراسي الأول لأطفالي في الروضة “
وأضافت وأثر المعاناة واضحة في حديثها “ابنتي الكبرى بيسان والتي تبلغ من العمر خمس سنوات كانت وبشكل يومي تعود من الروضة باكيةً وتسألني لماذا كل بنات صفي في الروضة لهم آباء يأتون لزيارتهم أما أنا فلا يوجد عندي أب ؟ وتستذكر أنها كانت وبشكل يومي تحاول صياغة مفهوم الاعتقال والعدو لأن ذهن أبنتها أصبح مشتتاً .
وتضيف عيدة أن أبنها حسن البالغ من العمر أربع سنوات كانت طريقة معاناته بشكل مختلف , فهو بحالة صمت دائم ،يرفض البوح لأي شخص حول ما في نفسه من ألم لابتعاد والده عن البيت ،واستدركت حديثها بالقول “وبعد شهرين من هذا الحال وفي يوم الجمعة دخل الغرفة عندي وبدا بالصراخ والبكاء وقال بلهجته( أنا مين بدو يأخذني على الصلاة اليوم ؟ أنا بس بابا يأتي سأضربه ،لماذا ذهب وتركنا لوحدنا ؟لماذا تركك تشتري الأغراض؟ ولماذا جعلك تبيعي سيارتنا ؟) انهال علي بأسئلته كالطوفان في ظل بكاء متواصل؟ وعندها احتضنته وبدأت أفسر له الأمور بهدوء حتى نام .
وتسرد قصة أبنها عز الدين الذي لم يتجاوز السنتان من عمره بالقول “انه كان متعلقاً بشكل كبير بوالده ،وأنه لم تمض ليلة لم يستيقظ فيها بحثاً عن أبيه في كل غرف المنزل،ويبقى في حالة بكاء إلى أن يغالبه النعاس ولا ينام إلا في مكان والده وأنه لم يكن يأكل شيئاً حتى يبقي لوالده منها حصة،حتى أن أحلامه الصغيرة دوما كانت ( بدي اشتري سيارة كبيرة كبيرة وأسوقها وأروح بسرعة بسرعة لعند بابا واكسر باب السجن وآخذ بابا واشرد على الدار بسرعة.
وتؤكد عيدة أن يوم الزيارة كان الأصعب على الأطفال حيث أنهم في طريقة للقاء والدهم يكونوا في أسعد حال وفي الإياب يظل يبكي من لحظة إخراجنا من الزيارة حتى يصل إلى المنزل ،وكانوا يعاتبوني على عودتي للبيت وتركي لوالدهم في الاعتقال ،وأكدت أن حالة الحزن تستمر ويظل هكذا يومين كاملين .
متى الفرج ؟
وحين سؤال زوجتي الغالية كلزار طهبوب عن الموضوع رفضت الإجابة في بداية الأمر وقالت “أنا لا أريد أن أتذكر ما كان من ألم وحرقة ألمت بنا بسبب اعتقالك “،ومع الحث والتشجيع أجابت على أسئلتي بالقول “لقد كان وقع غيابك عني وعن أطفال صعباً جداً لا يكاد العقل يدركه,حيث كان مطلوباً مني القيام بدور الأب والأم في البيت،وكنت دوماً أسأل نفسي هل يمكنني سد الدور المنوط بالوالد عند الأطفال ؟وأضافت قائلة ومع ذلك عضدت على أحزاني ومسحت دموعي ودموع أطفالي الصغار وقررت أن أكون أقوى من كل هذه الصعاب وأتحمل كل هذه المسؤوليات من أجل أطفالنا ولتكون فخوراً بهم “.
وتسرد تفاصيل معاناة الأطفال بالقول “أبنتي رؤى والتي كانت تبلغُ من العمر حين الاعتقال ستُِ سنواتٍ, تأثرت كثيراً في غياب والدها فهي كتلة من المشاعر والأحاسيس,وعند انتهاء أي فصل دراسي كانت تقول :ها قد انتهى الفصل الدراسي يا أمي ،ثم انتهت السنةُ الدراسية ولم يعد والدي بعد ؟وعند كل مناسبة في المدرسة تحزن وتقول كل البنات لهن آباء يأتون إلى المدرسة إلا أنا ؟ وتضيف أنها في ذات مرة سألت والدها على شباك الزيارة قائلة “أنا بدي تخرج من هذا السجن حتى أمشي معك في الشارع وأذهب معك إلى المدرسة والدكان ؟أنا أريد أن يعرف كل الناس أن لي والد .
ووصفت حال أبنها شعبان والذي لم يكن قد تجاوز الأربع سنوات عند اعتقال والده بأنه كان يعاند في كل شيء ،وهو لا يريد أن يتحدث مع أحد إلا والده، ودوماً يقول “أنا رجل ولا أريد أن أسمع غير كلام والدي،ويتساءل مع من سأذهب لأصلي ؟ومع مع من سأتحدث ؟ ومن سيكون صديقي في البيت بعد غياب والدي ؟وتابعت حديثها شارحة حال الصغيرة ربى التي حرمت من حنان أبيها ولم تكن قد تجاوز العامين من عمرها , وأنها لم تكن تجيد الكلام فكانت تعبر بطريقتها الطفولية عن غياب أبيها بإمساك صورة والدها وتقبيلها ،وأنها كانت تتحدث مع الصورة على أنه والدها .
وروت قصة ربى حينما كانت تمعن النظر في أقاربنا حينما وهم يجلسون مع أبائه يلهون معهم ،وتقول بلهفة وحرقة أنه عندما يعود والدي من السجن سأجلس على حجره وأحضنه كما تجلس البنات مع آبائهن ,وتضيف في ذات مرة أجهشت بالبكاء حينما قالت لها ابنة عمتها الصغيرة “ربى أنت ما لك أب “وتابعة طهبوب حديثها بالقول “حينها لم أستطع تمالك نفسي وبدأت بالبكاء معها “.
أما عن حال إسلام فقالت “فقد ولد أثناء اعتقال والده وبلغ من العمر ثلاث سنوات دون أن يستطيع الجلوس مع والده وعندما كنا نزوره في السجن كان في كثير من الأحيان لا ينجذب إليه لأنه لا يعرفه”.
معالجة تربوية خاصة
المشرف التربوي في التربية والتعليم خضر مبارك أكد على أن تأثيرات نفسية وتربوية تحدث بسبب غياب الوالد المعتقل ،وأضاف أن هذه التأثيرات قد تأخذ أشكالاً منها الغضب تجاه الوالد والتمرد على الأم،والاستهداف الأمني للأولاد والبنات وتدني التحصيل الدراسي .وشرح سبب التدني الدراسي بالقول ” قد يشكل الاعتقال عند الأبناء حالة من التحدي مما يؤثر إيجاباً على الطالب ،ولكن على الأغلب أن تأثيراً سلبياً يحدث مما يؤدي إلى ضعف التحصيل وخاصة في ظل قيام الأم بدور الأم والأب معا ،وعند سؤاله عن طريقة التخلص من هذه السلبيات أجاب أنه يجب أن نقوم برفع مستوى الوعي السياسي والحضاري للصراع الموجود والاحتمالات الممكنة له على مستوى الإفراد والأسر والمجتمع،وحث أبناء الشعب الفلسطيني على ضرورة التهيئة عند الأطفال لاحتمالية الاعتقال معللاً ذلك بالقول “إن رفع مستوى الوعي والتهيئة هما صمامي الأمان للصحة النفسية،ورفع مستوى المتابعة السلوكية والتربوية”.
ونصح مبارك الوالد بعد الإفراج عنه بضرورة العمل على تعويض أبنائه عاطفياً من خلال مجموعة من الأنشطة المخططة والمدروسة ،وشدد على ضرورة الحوار المتواصل بيه وبين أطفاله للخروج من الحالة النفسية الصعبة.