الحق يحتاج إلى قوة تحميه: قراءة معمقة في الحالة الفلسطينية ، بقلم : م. غسان جابر
منذ فجر التاريخ، ظل الحق الفلسطيني واضحًا كالشمس، لكنه دائمًا ما افتقر إلى القوة اللازمة لحمايته والدفاع عنه أمام التحديات المتواصلة. فالحق وحده لا يكفي، والصوت وحده لا يغير الواقع، إذ إن العدالة تتطلب إرادة صلبة وأفعالًا عملية تترجم الأقوال إلى تغييرات ملموسة على الأرض.
الواقع الفلسطيني: أزمة قيادة وقوة
بعد عقود من الاحتلال والنضال، يقف الشعب الفلسطيني اليوم أمام واقع مأزوم؛ حيث يفتقد إلى قيادة موحدة وشجاعة تدافع عن حقوقه، وإلى قوة تحمي هذه الحقوق من الضياع. الوضع الحالي أشبه بحالة “دق المي في الهون”، حيث تتكرر الخطابات والمطالب ذاتها دون أن تُترجم إلى خطوات عملية تغيّر المشهد.
أولًا: غياب القيادة الفعالة
الساحة الفلسطينية تعاني من غياب قيادة قادرة على تمثيل الشعب بجدارة وعدالة. الخلافات السياسية بين الفصائل الفلسطينية، وسيطرة المصالح الحزبية والفئوية، أضعفت الموقف الفلسطيني داخليًا وخارجيًا.
القضية الفلسطينية بحاجة إلى قيادة تتحلى بالشجاعة والإرادة لمواجهة الضغوط السياسية والدولية، وتصميم على استرداد الحقوق بكل الوسائل الممكنة. غياب هذه القيادة جعل القضية الفلسطينية عالقة في حالة جمود، تاركة الشعب يواجه الاحتلال والانقسام في آن واحد.
ثانيًا: ضعف القوة التي تحمي الحق
إذا كان الحق بحاجة إلى قوة تحميه، فإن هذه القوة غير متوفرة اليوم بالشكل المطلوب. القوة هنا ليست فقط قوة السلاح، بل تشمل:
- الوحدة الوطنية: الانقسامات الداخلية تقوّض أي جهد مشترك للدفاع عن القضية.
- الدعم العربي والدولي: تراجع التأييد العربي والدولي ساهم في إضعاف القضية الفلسطينية على الساحة العالمية.
- الاقتصاد المستقل: غياب اقتصاد وطني قوي يضع القرار الفلسطيني رهينة للضغوط الخارجية.
القوة الحقيقية تبدأ من الداخل، من بناء الصف الوطني وتعزيز المصلحة العامة على حساب المصالح الفئوية والشخصية.
استراتيجية للخروج من الأزمة
رغم التحديات، يبقى الأمل موجودًا إذا استطاع الفلسطينيون استعادة زمام المبادرة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
- إعادة بناء القيادة الوطنية الموحدة:
تشكيل قيادة شاملة تمثل كافة أطياف الشعب الفلسطيني، وتضع مصالحه فوق كل الاعتبارات.
- تعزيز الوحدة الوطنية:
تجاوز الانقسامات الداخلية ووضع القضية الفلسطينية فوق الخلافات الحزبية والشخصية.
- الاستثمار في الأجيال القادمة:
بناء وعي سياسي وثقافي لدى الشباب ليكونوا قادة المستقبل القادرين على الدفاع عن الحقوق بحكمة وفعالية.
- تحقيق استقلالية القرار الفلسطيني:
بناء اقتصاد وطني مستقل لتقليل الاعتماد على الخارج وتعزيز القدرة على اتخاذ قرارات وطنية حرة.
نؤكد إن الحق الفلسطيني ثابت لا جدال فيه، لكنه بحاجة إلى قوة تحميه وقيادة تدافع عنه بإرادة صلبة. بدون ذلك، ستبقى القضية تراوح مكانها، وستبقى التحديات تتكرر. استنهاض القوة الذاتية للشعب الفلسطيني، وتوحيد الصفوف، هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير المنشود. وإلا، فإننا سنبقى ندور في دائرة مفرغة من الخطابات والمطالب غير المجدية.
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)