7:45 مساءً / 8 يناير، 2025
آخر الاخبار

أزمة التحرر الوطني في الضفة الغربية ، بقلم : د. عقل صلاح

أزمة التحرر الوطني في الضفة الغربية ، بقلم : د. عقل صلاح

أزمة التحرر الوطني في الضفة الغربية ، بقلم : د. عقل صلاح


تقودنا ممارسات الاحتلال وقطعان المستوطنين في الضفة الغربية إلى طرح السؤال الذي يجول في ذهن كل مواطن ومفاده هل مازالت المرحلة الحالية مرحلة تحرر وطني؟، للإجابة عن ذلك لابد من العودة لانطلاقة الثورة الفلسطينية التي خطت هدفها الأساسي الأول تحرير الوطن والدفاع عن المواطن، وهذا ليس واقع الثورة الفلسطينية وحدها وإنما جميع الثورات التي اشتعلت ضد استعمار بلادها للخلاص من الاستعمار، وجميع هذه الثورات انتصرت وتم تحرر أوطانها باستثناء فلسطين التي تحولت بها الثورة إلى “السلطة” التي جاءت نتيجة توقيع منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاقية أوسلو سنة 1993 والتي بموجبها تم تشكيل السلطة سنة 1994، دون تحرير الوطن. وأنشأت السلطة لنفسها الإطار الوهمي بأنها دولة، على الرغم من أنها لا تمتلك أيًا من أركان الدولة، فحتى الجباية المالية بقيت بيد الاحتلال من خلال اتفاقية باريس الاقتصادية سنة 1994، ومن هنا بدأ التحكم في القرار السياسي للسلطة المقيد في الاتفاقيات، وبدأت إسرائيل منذ سنة 2018 تتفنن في حجز أموال المقاصة للضغط على السلطة التي تعتمد على هذه الأموال في دفع الرواتب. حيث عملت إسرائيل على الاشتراط للإفراج عن هذه الأموال وتسليمها للسلطة بتنفيذ العديد من المطالب، وتم التحول من مرحلة رحيل الاحتلال إلى مرحلة تحرير المقاصة من يد وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، الداعي إلى فرض سيادة إسرائيل على الضفة. وتحولت المطالب الفلسطينية من مطلب وطني بالخلاص من الاحتلال إلى مطالب مالية حياتية، ويذكر أن الحكومة الفلسطينية صرحت في 22كانون الأول/ديسمبر 2024 بأن الاقتطاعات من أموال المقاصة وصلت إلى ما يزيد عن 7.5 مليار شيكل.


لقد كتب الأستاذ الوطني مأمون دسوقي على موقع التواصل الاجتماعي عن الواقع الاستيطاني في الضفة “شد انتباهي تناثر المستوطنين على امتداد الشوارع بانتظار باصاتهم التي تنقلهم من مستوطنة إلى أخرى وشدني أيضًا تناثر المستوطنات على امتداد ما تبقى من أراضي الوطن، فرأيت أن الوطن قد أصبح نصفه مستوطنين والنصف الآخر مستوطنات، هل تحول مشروعنا الوطني، من تحرير وطن إلى تحرير مقاصة؟”. وهذا يقودنا للعودة إلى ما قبل أوسلو حيث كان عدد المستوطنين في الضفة لا يتجاوز مئة ألف مستوطن، واليوم أصبح عدد المستوطنين مليونًا ووصل الاستيطان إلى أطراف المدن والقرى وتم منع البناء في منطقة “ج” وهي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة، وتم سحب صلاحيات السلطة من منطقة “ب” وهي تشكل 22% من مساحة الضفة، ومنع البناء بها بدون تصريح إسرائيلي، كما حصل في إخطارات الهدم ومنع البناء في الجبل الشمالي ونابلس الجديدة والضاحية التي لا تبعد أمتارًا عن مقر محافظة نابلس، حيث كشفت صحيفة هآرتس في 22كانون الأول/ديسمبر 2024، بموافقة الحكومة الإسرائيلية بدأ الضم والبناء الاستيطاني الزاحف إلى مناطق “ب” يعني ذلك أنه تم إلغاء تصنيفات أوسلو وأبقت إسرائيل على منطقة “أ” وهي تشكل 18% من مساحة الضفة وتعد الأكثر كثافة سكانية وعدم رغبة إسرائيل تحمل المسؤولية الاقتصادية والمادية والقانونية تجاه الشعب الفلسطيني المحتل والإبقاء على السلطة في عشرة محافظات.


وعلاوة على ذلك، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي المقال يوآف غالانت” في ٢٣ أيار/ مايو ٢٠٢٤ عن سريان قرار إلغاء قانون فك الارتباط والعودة إلى ثلاث مستوطنات في منطقة جنين “كاديم وغانيم وصانور”، وذلك تنفيذاً لقرار صدر عن الكنيست الإسرائيلي في آذار/مارس ٢٠٢٤، وترافق إعلان غالانت مع قرار عسكري أصدره قائد المنطقة الوسطى، ينص على السماح للمستوطنين بالدخول والإقامة في المستوطنات المذكورة، وأمر تنفيذي آخر من قِبل وزير أمن الاحتلال إيتمار بن غفير يسمح للمستوطنين بالعودة للبناء فيها، وذلك استكمالاً لما صدر قبل سنة بخصوص العودة إلى مستعمرة “حومش” والسماح بالبناء فيها، وجاء قرار إلغاء قانون فك الارتباط أيضاً بالتزامن مع تسليح المستوطنين من قبل بن غفير حيث تم توزيع أكثر من 170 ألف قطعة سلاح عليهم وهناك خطة لتسليح جميع المستوطنين.


ولذلك ينبغي القول أن إسرائيل تسابق الزمن في استهداف طولكرم وجنين من أجل إنهاء ظاهرة المقاومة بهما من أجل تأمين عودة المستوطنين إلى هذه المستوطنات؛ ففي ظل وجود مقاومة لا يمكن للأمن الإسرائيلي السماح بعودة المستوطنين، فهذه المستوطنات تقع بقلب عش الدبابير “جنين” وستصبح لقمة سهلة للمقاومة الفلسطينية وستكون إسرائيل أمام تكرار عمليات المقاومة التي استهدفت مستوطنة حومش التي تقع على آخر حدود محافظة جنين ورغم ذلك وصل لها مقاومي عش الدبابير ونفذوا العديد من العمليات الموجعة للاحتلال.


وبناء على ذلك، لابد من تناول دور الجيش الإسرائيلي في استهداف الشعب الفلسطيني من خلال الغطاء القانوني والسياسي من قبل حكومة الزعران المتمثلة في الرؤوس الثلاث بنيامين نتنياهو و سموتريتش وبن غفير الذين يعملون ليلًا ونهارًا على ضم الضفة تدريجيًا وصولًا إلى تهجير عدد كبير من الفلسطينيين، فجميع القرارات التي تتخذها الحكومة تصب في عملية الضغط على الشعب الفلسطيني من خلال الهدم والقتل والاعتقال والحواجز ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في منطقة “ج وب”، والاقتحامات المتكررة وهدم وتخريب البنية التحتية للمخيمات وبعض المحافظات ومصادرة الأموال وإغلاق المؤسسات في الضفة، ومنع المواطنين من سلك الشوارع الرئيسية للتنقل بين البلدات والمحافظات، ومنحها للمستوطنين وإجبار المواطنين على سلوك الطرق الالتفافية التي توضع عليها الحواجز التي تعيق حركة المواطنين لساعات مثل المربعة وعورتا في نابلس وغيرها من المدن، وإذلال المواطنين على هذه الحواجز، بالإضافة إلى إغلاق مداخل القرى والبلدات والمحافظات باستخدام بوابات حديدية وتلال ترابية فكل قرية عليها بوابة وكل محافظة ست بوابات كما هو حاصل في نابلس وغيرها.


بالإضافة لدور المستوطنين في التخريب والحرق والاستيطان في الضفة، بدعم من القوى اليمينية المتطرفة المعارضة لفكرة إقامة الدولة الفلسطينية، فاليمين المتطرف، يزداد ثقله وقوته المنظمة والمسلّحة في الضفة، مما يعني صعوبة تنفيذ أي قرار يتعلق بإخلاء تلك المستوطنات، وجاء ذلك في عدة تصريحات سابقة لسموتريتش، بأنّ إسرائيل لا تحتكم للقانون الدولي، وبأن ضم الضفة هو مسألة وقت. وتدعم هذه التصريحات حكومة نتنياهو من خلال إحداث نقلة في القدرة على شرعنة الاستيطان، وجاء بالتزامن أيضاً مع سلسلة من السياسات والمشاريع الاستيطانية التي أقرتّها ونفذتها الحكومة اليمينية منذ توليها الحكم نهاية سنة 2022، وتتويجاً لرفع صلاحيات سموتريتش التشريعية والتنفيذية في ملف الاستيطان منذ توليه حقيبة وزارة المالية في الحكومة المتطرفة، إضافة إلى نجاحه في تأسيس وحدة إدارة الاستيطان داخل الإدارة المدنية الإسرائيلية، من أجل تشريع 187 بؤرة استيطانية، وجزء منها في منطقة “ب”، وبالإضافة إلى الاستيطان الرعوي داخل المناطق المصنفة (ج، ب)، فمستوطن واحد يرعى الأبقار والأغنام يسيطر على أكثر من مساحة جميع المحافظات العشر، وبالإضافة إلى فتح الطرق ما بين المستوطنات. وهذا يفرض علينا السؤال الذي يراود أذهان كل من يرى الاستيطان والمستوطنين ومفاده ماذا بقي من الضفة؟.


وعلى نفس المنوال، يقوم المستوطنون بالعربدة والحرق والتخريب ووصل الحد في حرق المساجد والبيوت وممتلكات المواطنين، كما دخلوا المحافظات التي تصنف منطقة “أ”، كما حصل في مدينة البيرة في 4تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وغيرها من المناطق حيث أصبحت الضفة تحت سيطرة المستوطنين المسلحين والمحميين من قبل الجيش الإسرائيلي. فالمستوطنين يعيثون في الأرض خرابًا في ظل وجود مقاومة فلسطينية كيف لو توقفت المقاومة؟. أعتقد أنهم سوف يبيعون ثمار أراضينا على دوارات المدن الفلسطينية!!؛ على الرغم من أن هؤلاء المستوطنين في الانتفاضتين السابقتين كانوا لا يجرؤون على الخروج دون مرافقة قوات الجيش المعززة التي تحميهم فهؤلاء لا يفهمون غير لغة القوة.


وفي العودة إلى شرعية المقاومة في الضفة بشكل خاص وفلسطين بشكل عام، فمن حق الشعوب الواقعة تحت سيطرة الاحتلال المطالبة بحقها قي تقرير مصيرها وفق سيادتها على إقليمها بكل حرية وديمقراطية هو التأكيد على مقاربة إمكانية استخدام القوة للمطالبة بهذا الحق في ظل أحكام القانون الدولي المعاصر، وذلك كلما استنفذت الحلول السلمية المبنية على المفاوضات المثمرة. وهناك تلازم بين ركيزتين أساسيتين يقوم عليها القانون هما: ضرورة إنهاء الاحتلال بالنسبة للشعوب المقهورة والحق في تقرير المصير، وعليه لا يمكن أن نتصور استخدام هذا الحق خارج نطاق إنهاء الاحتلال، بل نستطيع القول أن المجموعة الدولية يقع على عاتقها هذا الالتزام، وذلك بتقديم كل المساعدات المادية منها والمعنوية، وتأسيسا على ما سبق، يحق للشعب الفلسطيني في الضفة الذي مازال تحت سيطرة الاحتلال استخدام القوة للحصول على الحق في تقرير المصير، استنادا على أن الكفاح المسلح مازال حق مقررًا ومعترف به لمصلحة الشعوب الخاضعة للاحتلال كلما سدت أبواب المفاوضات في وجه الشعب الفلسطيني الذي وقع اتفاقية أوسلو، وتم التنصل منها من قبل إسرائيل على الرغم من الالتزام الفلسطيني بكل بنودها، فهذا يعطي الحق مرتين للفلسطينيين في النضال، الأولى في الأصل مقاومة الاحتلال من أجل الحرية والاستقلال والثانية بسبب رفض المفاوضات والتنصل من الاتفاقيات الموقعة؛ فماذا تنتظر السلطة بعد التنصل من كل الاتفاقيات؟، وهل الوقوف بوجه المقاومة يجعل إسرائيل تسلم في الحقوق؟.

  • – د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

شاهد أيضاً

تشييع الشهيد الأسير المحرر إسماعيل طقاطقة في بيت لحم

شفا – شيّع أهالي بلدة بيت فجّار قرب بيت لحم جنوب الضفة الغربية، مساء اليوم …