أفكار (3) ، كيف تتكامل شخصية الانسان تربويا ، بقلم : د. غسان عبد الله
مفهوم التربية لغويا:
⦁ لغويا : يجيء مفهوم التربية من أصل الكلمة العربية ربا يربو أي زاد ونما
⦁ واقعيا : الأسرة والبيئة المحيطة هما المكوّن الأساس لنمط التربية المنشودة ،كونهما اول من يواجهه الطفل في حياته وبالتالي هما مصدر التنشئة الاجتماعية
⦁ تكتيكا : التربية فن وعلم ، تتداخل فيه عوامل داخلية كالأسرة والدين وعوامل خارجية كالمدرسة ومؤسسات ثقافية اجتماعية اقتصادية ودور العبادة ، اضافة الى الأتراب والأقران و الأصدقاء ووسائل الاعلام .
أساليب التربية الدارجة :
1-التربية بالملاحظة والمتابعة لتذويت العقيدة والقيم والاخلاق منذ فترة الطفولة المبكرة من خلال المداعبة واللعب
2- التربية بالتعود والتدريب على ممارسة سلوكيات وأفعال حميدة بهدف تنمية الشعور الوجداني من خلال التعبير عن المحبة وعدم دوام اللوم والعتاب
3- التربية باستخدام الاشارة وعادة ما يتم استخدامها للنهي عن سلوك غير مقبول مع تبيان السلوك الصحيح
4- التربية من خلال القدوة : وهي الأكثر ديمومة وتأثيرا على الطفل حيث يكون من المفترض قد تجّذّرت لدى الطفل الرأفة والرحمة وقيم التعاون والشراكة المسؤولة ،وذلك من خلال الاقتداء بالقدوة ودوام الوعظ والتوضيح ، مما يعزّز لدى الطفل الثقة بذاته والأمل في الحياة والايمان بالاّخرة وبدء التعرف على مفهومي الحلال والحرام بعد شرح سلوك القدوة للطفل واثابته على سلوكه الحسن مما يرفع منسوب تقدير الذات لديه
5- التربية بالتحذير والعقاب وذلك من خلال عملية وضع الحدود للمسموح به أو عدم السماح بعمله.
قبل كل هذا،من الضرورة الاقرار بالحاجة الى دوام اتاحة الفرص للطفل كي يمارس مهارات التخيل والتعقل ،أي توظيف أحد نعم الخالق ،ألا وهي وجود العقل والمشاعر ، حتى نصل به الى مرحلة القدرة على الربط بين النتائج والأسباب من خلال التأمل والملاحظة الدقيقة .
نتفق جميعا على ضرورة تبني نهج التربية الايجابية من خلال الانتباه الايجابي ووضع الحدود،التي تؤدي في النهاية الى تعزيز الفضائل والسلم الأهلي والحد من الجريمة والعنف والتنمّر،وهي بالتالي تختلف عن التربية التقليدية التي ترتكز على القمع والاجبار كوسيلة تربية ,بالتالي تنمية الاعتماد على الذات وبدء التدرب على حل المشكلات وكيفية مواكبة والتعامل مع الأزمات الطارئة
لا توجد وصفة سحرية لانجاز كل ما نصبوا اليه من خلال التربية الايجابية ، لكن ممكن للتالي أن يعزّز ويسهّل انجاز المنشود.لنبدأ في السنوات الثلاثة الأولى للطفل ،حيث تبدأ قدراته العقلية والعاطفية والاجتماعية بالنمو :
⦁ اعتماد الاحترام ، الحوار والمحبة غير المشروطة ،كنهج حياة مع الطفل ، مع الموازنة بين الحزم واللطف ،مما يعزّز من ثقته بذاته وبالاّخرين
⦁ الحرص على اختيار اسم الطفل بمدلول ايجابي يعزّز ويساعد في ايجاد راحة نفسيّة لدىه .
⦁ الضرورة والحرص على انتقاء الكلمات الايجابية المناسبة لدى مخاطبة الطفل أو اللعب معه ،( مع ايلاء اللعب وقتا كافيا حتى وان لزم التخطيط المسبق له من قبل الوالدين، لما له من فوائد جمّة مثل تطوير مهارات حس حركية ، تنمية روح الاكتشاف ،ناهيك عن أجواء المرح والفرح وبدء التعرف على نهج التفكير البديل)،كلمات لا تنمي مشاعر الغضب والتذمر.
⦁ توظيف لغة الجسد والنظر بعيني الطفل عند التوضيح أو الطلب منه عمل/عدم عمل شيء ما ،على أن تكون صادقا معه،اذ لدى الأطفال القدرة على التمييز بين الكلام الصادق وكلام المجاملة .
⦁ الحرص على دوام الوضوح والمباشرة عند توجيه الطفل الى ما يجب / لايجب فعله ، المسموح/ الممنوع فعله ، وتعلم الاعتذار عند القيام بخطأ ما .
⦁ دوام الحرص على تواجد الوالدين مع الطفل ( على الأقل أحدهم) لضمان الشعور بالمكان الاّمن والشخص الاّمن، ومساعدة الوالدين على معرفة الاحتياجات الملّحة لطفلهم
⦁ الحرص على دوام الاصغاء ( كون الاصغاء أحد أشكال الأخلاق ) للطفل والتواصل معه بلغة الحواروالتعليق على كلام الطفل ، بدلا من املاء تصحيح الخطأ ،أو قيامك بانهاء الحديث بينكما ، هنا قد يأتي التصحيح من الطفل ذاته ،خاصة اذا عزّزنا الاصغاء النشط بالتشجيع وليس كيل المديح.
⦁ التشجيع هو أحد أساليب التهذيب والمقصود به تشجيع الفعل الايجابي الذي يقوم به الطفل وكلمات قصيرة مفهومة له: أنا أرى أنك أصبحت تجيد الغناء وبصوت جميل – ها أنت ترتدي ملابسك لوحدك، تذهب الى الحمام لغسل يداك وفمك قبل وبعد الأكل ، أما المديح فقد يولد لدى الطفل محبتك وتقديرك له مشروطا بالعمل الجيد.
⦁ احرص على دوام تبيان العواقب – المخرجات للسلوك ،بدلا من التلويح بالعقاب وتكرار اللوم، هنا يمكنك استخدام لغة الجسد التي تنم عن المحبة والطمأنينة ، دون تكرار النظر للساعة أو الأخذ بالتذمر والسخرية أو استبعاد الطفل من دائرة الاهتمام أو تجاهله .
بخصوص التربية بالتحذير والعقاب على مبدأ احتمال خسارة الطفل لشيء يرغب في نيله أو ممارسته ، بهدف تعديل سلوك خاطىء مع ضرورة ابقاء الفرصة سانحة له للقيام بتعديل سلوكه كي لا يخسر المزيد.
هنا يتوجب أن تكون فترة العقاب قصيرة وأن يكون العقاب مباشرة بعد السلوك الخاطىء وبمستوى هذا السلوك بدون مبالغة أو افراط على أن يكون مناسبا لعمر الطفل وحالته النفسية والفسيولوجية .
من أشكال العقاب المتبعة
⦁ عدم مشاهدة برامج تلفزيونية مفضلة لديه أو عدم مشاهدة محطات فضائية يحبها الطفل ولفترة محدّدة مع ضرورة تفسير سبب العقاب قبل البدء به .
⦁ النوم قبل الوقت المتفق عليه
⦁ عدم لعب الكرة لعدة ساعات في وقت الاجازة
⦁ الاستبعاد المؤقت على أن لا يزيد عن خمسة دقائق باستعمال كرسي العقاب
التخويف والترهيب واجب الابتعاد عن
يتخذ العنف والترهيب أشكالا مختلفة منها : الجسدي، اللفظي،المعنوي أو الاجتماعي مع ضمان الاحتياجات البيلوجية.
هناك التخويف من قبل الوالدين ، أفراد الأسرة ، المدرسة………. بهدف الانصياع للتعليمات وعدم مخالفتها،كوسيلة عقاب،بنية الحرص على الطفل وحمايته من أخطار محدّقة به .
مع مراعاة الابتعاد عن المبالغة في توظيف نهج التخويف الزائد، لما له من ماّلات سلبية عديدة مثل تأثيرها على تنمية مهاراته الفكرية و قدرته على التخيل والروح الابداعية وتحفيزه، والقدرة على اتخاذ القرار الصائب أو التعبير عن ذاته وما يجول في خاطره،مما قد يسبب في تجفيف روح المسؤولية والمبادرة الذاتية ،أو تطوير مهارات الحوار مع الاّخر وكذلك الحد من تنمية التخيل .
مما قد يؤدي الى الشعور بالكاّبة والاحباط والعجزوضمور النشاط البدني،وعدم الاحترام لذاته لشعوره بالفشل، لذا ننصح بالابتعاد قدر المكان عن التخويف أو الترهيب كوسيلة سواء في الروضة /المدرسة أو الأسرة ،لما قد تسببه من ابتعاد عن الأهداف المرجوة : عدم الحافزية للذهاب الى الروضة/ المدرسة،فالمطلوب هو مخاطبة القلب والعقل بالترغيب لا بالترهيب، كون الذات البشرية لا تقبل الاستجابة للشيء الا من خلال الترغيب والتدرج موظفين لغة ونهج الحوار ، مع عدم اللجوء الى محاولة حشو دماغ الطفل بما لا يتناسب مع قدراته العقلية والعاطفية
أيضا،هناك ضرورة ملحة تتمثل في عدم ابداء الحماية الزائدة ، أو الاهمال المتعمد والمتكررمما قد يسبّب حالات قلق،توتر،انطواء، الشعور بالتيه، تعب وارهاق،رفع منسوب الاتكالية على الأخرين نظرا لتدني منسوب الثقة بالذات، الأمر الذي قد يولّد تناقض في توصيل الرسائل بين الوالدين والطفل ،أوالشعور بالتمييز ضده ، الأمر الذي قد يفع بأفراد الأسرة الاّخرين الى التسلط / التنمرعليه ،مما قد يدفع بالطفل للتفكيربممارسة أفعال غير حميدة: الكذب ، ايذاء الذات أو الميل الى ممارسة سلوكيات عدوانية ، تأخذ شكل التدرج، لا تحمد عقباها ،لا سيما وجود أجواء محيطة تشجعه على ذلك ( وسائل التواصل الاجتماعي وبعض البرامج التي تبثها فضائيات اعلامية.
في الختام ، نقترح قيام الأسرة والروضة / المدرسة التنسيق والتعاون في تقديم الدعم السيكولوجي للطفل وعدم الترد د في استشارة طبيب نفسي، مع اتاحة فرص العمل على تكثيف مشاركة الطفل في المها الحياتية سواء في المنزل أو خارجه
هكذا تاهم التربية الايجابية في أبناء يتمتعون بالصخة النفسيّة والعقلية والجسمية ، ويمتشقون في حياتهم سلاح مواجهة متطلبات الحياة وتحدياتها الجسيمة ، سلاح القيم والأخلاق الفضيلة بعد أن ابتعدنا عن العقاب البدني كوسيلة وحيدة ،ولعلّ أولى المتطلبات هي البدء بالتربية على البر بالوالدين ومعاملة الاّخرين ،مع الابتعاد عن التهديد والصراخ والضرب ،والتسلط، والسخرية،أو دوام عمل مقارنات بين طفلك وأقرانه كون هنالك فروقا فردية يتوجب أخذها بعين الاعتبار، وعدم التاعب بمشاعر المحبة والحنان من خلال الاهمال المتعمد ، أو ممارسة نهج التدي والصراع مع الطفل ،توجيه اتهامات واستخدام أسلوب الاستجواب معه ،ودوام اللوم والتعميم أو حتى أسلوبي المساومة والتوسل للطفل بأن تلعب دور الضحية .
إقرأ أيضاً : أفكار (2) مهارات التعامل مع ذوي مشاعر الاجهاد والضغط النفسي ، بقلم : د. غسان عبد الله
إقرأ : أفكار (1) بلورة استراتيجيات للتعامل مع الشخصيّة المزاجية – القنبلة الموقوتة ، بقلم : د. غسان عبدالله
إقرأ المزيد حول د. غسان عبد الله