القانون يبدأ من السلوك… والمحامي يبدأ من عقب السيجارة! بقلم : م. غسان جابر
في مشهد يعجز العقل عن استيعابه، وعلى أرضية البهو الأرضي لمجمع محاكم الخليل، حيث يفترض أن العدالة هي سيدة الموقف، يقف محامٍ شاب في أواسط الثلاثينات من عمره، أنيق المظهر – على الأقل في البدلة وربطة العنق و روب المحاماة – ممسكًا بسيجارة مشتعلة كأنها شعلة أولمبية! ولكن بدلاً من أن يركض نحو تحقيق العدالة، يرمي عقب السيجارة في البهو ويدوس عليه بحذائه، وكأن الأرض ملكية خاصة لعائلته منذ العهد العثماني.
ما هذا؟ محامٍ، يُفترض أنه يمثل القانون والنظام، يتصرف وكأنه في زقاق خلفي وليس في قلب مؤسسة قضائية؟ أليس هو نفسه الذي سيدافع عن الحقوق، وسيطالب باحترام القانون، وربما يلقي مرافعة درامية أمام القاضي عن “هيبة العدالة”؟ كيف ينسجم هذا المشهد العبثي مع مهمة المحامي النبيلة؟ أليس من واجب حماة القانون أن يكونوا أول من يلتزم به؟
عندما واجهته بالكلمة الطيبة، نظر إليك وكأنك جدار أو قطعة أثاث في المكان. لم يتوقف لحظة ليعتذر أو يبرر، بل استمر في طريقه، تاركًا خلفه “بصمة” قذرة على الأرضية وبصمة أعمق على مفهوم الأخلاق المهنية.
أيها المحامون المحترمون – أو هكذا يُفترض – هل تعلمون أن احترام المكان جزء من احترامكم لأنفسكم؟ هل تظنون أن تدخين السيجارة ورمي أعقابها بهذا الشكل لا يؤثر على هيبة المحاكم؟ كيف يمكن للناس أن تثق في من يعبث بأبسط قواعد الاحترام في مكان عام؟
إن هذه الظاهرة بحاجة إلى وقفة جدية. لا يكفي أن ننتقد، بل يجب أن نفرض قوانين صارمة تمنع هذه السلوكيات. نريد من نقابة المحامين أن تتحرك، لا أن تكتفي بإصدار بيانات شكلية. نريد أن تكون هناك عقوبات تأديبية بحق من يسيء إلى صورة المحامي.
وأخيرًا، إلى ذلك المحامي الشاب: لو كنت لا تحترم المكان، احترم مهنتك. ولو كنت لا تحترم مهنتك، احترم نفسك. وإن كنت عاجزًا عن ذلك كله، فربما عليك أن تبحث عن مهنة أخرى لا تتطلب هيبة أو احترامًا، كجمع أعقاب السجائر التي تتركها وراءك!
- – م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية .