“تجميل الكذب: مسرحية الشرق الأوسط الكبرى” بقلم : م. غسان جابر
في عالم الشرق الأوسط، الجميع مشغول بوضع المساحيق، وكأن المشكلة ليست في الوجوه بل في انعكاسها. أصبح التبرج فنًا لا يتقنه فقط السياسيون أو النساء أو الإعلاميون، بل حتى الحقائق نفسها تُرغم على وضع “المكياج” لتبدو جذابة أكثر… أو كاذبة أكثر!
السياسيون: كريم أساس الكذب
السياسي هو أول من يقف أمام المرآة صباحًا، يضع على وجهه كريم أساس “الشفافية”، يرسم خطوط كحل من “المصلحة العامة”، ويزين شفتيه بملمع “الوعود الانتخابية”. لكن إذا أمعنت النظر، سترى تجاعيد الفساد تفضحهم، وعرق الكذب يسيل من جباههم. السياسي هنا يُظهر لك وجهًا مبتسمًا، بينما الوطن يحترق في الخلفية، ولا أحد يتساءل عن مصدر الدخان.
الإعلاميون: مذيعون بربطات عنق تخنق الحقيقة
الإعلاميون، من جهتهم، يرتدون ربطات عنق بقدر ما يربطون الحقيقة ويشنقونها! يضعون مساحيق “الموضوعية”، بينما ينفثون بودرة الدعاية في عيون المشاهدين. الخبر يُقدم كأنه وجبة فاخرة، لكنه في الحقيقة لحم فاسد بتوابل الإثارة. المذيع يتحدث عن الأمن والأمان، بينما أصوات الانفجارات تصرخ من خلف الشاشة.
المجتمع: مرآة النفاق
أما المجتمع، فيمضي وقته أمام مرآته الخاصة، يحاسب النساء على لون أحمر الشفاه، لكنه يغض الطرف عن لون الفساد الداكن الذي يلطخ كل زاوية. يطارد خصلة شعر تخرج من تحت الحجاب، بينما تمر من تحت أنفه قوافل من الجرائم والخيبات. النفاق أصبح ماركة مسجلة، والجميع يتفاخر به دون خجل.
أوجه الشبه: الكل يتبرج
السياسي يتبرج بالوعود.
الإعلام يتبرج بالكذب.
المجتمع يتبرج بالنفاق.
وفي هذه المسرحية التجميلية الكبرى، تظل الحقيقة الوجه الوحيد الذي لا يجد مسحوقًا يخفي عيوب الآخرين. لذا، تبقى الحقيقة دائمًا عارية، تصرخ وسط الجموع المتبرجة:
“من فضلكم… توقفوا عن الكذب، فالمرايا انكسرت!”
م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية .