الحرب الإسرائيلية الفلسطينية؛ حربٌ على العقل والمستقبل ، بقلم : سالي أبو عياش
تحت سياسة تكميم الأفواه تقوم السلطات الإسرائيلية بإتباع سياسات عقابية تتمثل في الاعتقال والاغتيال لكل من يخالفها حتى لو كان ذلك بالكلمة.
يتمثل اغتيال الإبداع والمستقبل الفلسطيني في تدمير العقل البشري الفلسطيني والقضاء عليه، يتمثل هذا العقل في العلماء والشباب المبدع والمفكر كل ما يتعلق بقطاع التعليم من جامعات ومدارس مكتبات ومؤسسات تهتم بالتعليم والثقافة، إن هذه السياسة ليست وليدة الأحداث التي حدثت بعد السابع من أكتوبر وإنما هي سياسة ممنهجة بدأت منذ الوجود الصهيوني في فلسطين الذي قام بقتل واعتقال واغتيال الوجود الفلسطيني بصورة مستمرة.
تمكنت أيديهم من الوصول إليهم سواءً في فلسطين وخارجها فقامت باغتيالهم لأنهم يمثلون تهديداً لها بعقولهم أو كتاباتهم وفكرهم فعملت على اغتيال المفكرين الفلسطينيين مثل الأديب الفلسطيني غسان كنفاني وكمال ناصر، إضافة إلى أنها عملت على اغتيال الشباب المفكر الذي طوع علمه في الدفاع عن وطنه والتصدي للمتحل مثل المهندس يحيى عياش وكمال عدوان وغيرهم العديد من الشباب والقادة الفلسطينيين.
مع كل عام كانت تزداد قائمة الاغتيالات الإسرائيلية اتجاه الفلسطينيين في محاولات ممنهجة لإضعاف الشعب الفلسطيني وتجريده من أدواته الفكرية والإنسانية، فهذه الممارسات لا تستهدف الأفراد فقط، بل تسعى لتدمير الهوية الجمعية للشعب الفلسطيني، مما يجعل من هذه الجرائم اعتداءً شاملاً على الكرامة الإنسانية.
فهذه العملية المستمرة لا تقتصر على القتل الجسدي أو السجن، بل تتعداه إلى محاولات لقمع الأفكار، وتزييف التاريخ، وتشويه الهوية، وتدمير المؤسسات التعليمية والثقافية، فالهدف الأساسي هو منع الفلسطينيين من التفكير بحرية أو إنتاج المعرفة التي تمكنهم من الدفاع عن حقوقهم المشروعة، وطمس الهوية الفلسطينية بصورة تامة.
لقد تنوعت الأساليب التي تم استخدامها في الاغتيال السياسي للعقل الفلسطيني لتشمل تشويه الهوية الثقافية من خلال مصادرة التراث الفلسطيني فمثلا عملت السلطات الإسرائيلية على نسب الأطباق الفلسطينية التقليدية والرموز التراثية لصالحها، في محاولة منه لطمس وإنهاء الرواية الفلسطينية من الذاكرة العالمية، كما ركزت على تدمير التعليم ومراكزه وفرض رقابة وتحكم على المناهج الفلسطينية، فعملت على استهداف المدارس والجامعات والمكتبات، وتقليص فرص التعليم العالي للفلسطينيين من خلال الحصار والقيود المالية.
كما وتعمل على تضليل الإعلام من خلال نشر روايات منحازة لهم لتهميش القضية الفلسطينية وإظهار القضية والمقاومة الفلسطينية على أنها جماعات ارهابية، مما يخلق صورة مشوهة عن النضال المشروع، والحق الفلسطيني في أرضه، كما تمارس إسرائيل حصاراً اقتصادياً واجتماعياً لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى فرص عملهم وبالتالي تقليل الدخل الاقتصادي للفرد والدولة وبالتالي ضعف المشاركة في الاقتصاد العالمي، كما تستخدم إسرائيل سياسة الاغتيالات الموجهة استهداف القادة والمفكرين والنشطاء، مثل اغتيال العلماء الفلسطينيين في الداخل والخارج، وهو جزء من سياسة مبرمجة لضرب النخبة الفكرية والعلمي ، إذ تسعى السياسات الاحتلالية إلى تدمير الروح الجماعية لدى الفلسطينيين ما يؤدي إلى حالة من الإحباط والتفكك داخل المجتمع.
إن اغتيال الأبداع والمستقبل الفلسطيني هو سياسة إسرائيلية معلنة وغير خفية، حيث عملت على استهداف نخبة العقول في مجالات حيوية مثل الفيزياء النووية والهندسة، والادباء والشعراء، فمثلا في الحرب الحالية على قطاع غزة رأينا كيف تم قصف المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمة وتدميرها وهنا لا يسعني إلا ذكر الاقتباس الخاص ب فرانتز فانون القائل: ” إن المناضل ليدرك في كثير من الأحيان أن عمله لا أن يقاتل القوى العدوة فحسب، بل كذلك حبات اليأس المتبلورة في جسم المُستعمر”. وهذا خير وصف للعقل الفلسطيني الذي يسيطر على نقاط اليأس في جسم الاحتلال وسياسته فكلما حاول الاختلال السياسة التي كبر عليها بأن الكبار يموتون والصغار.
فالخوف الإسرائيلي من العقل الفلسطيني أدى إلى فقدان الشعراء والأدباء والحالمون بأجسادهم لا بأرواحهم ففقدنا الممثل المسرحي مثل ايناس السقا والصحفي مثل إسماعيل الغول المؤثر مثل علي نسمان والطبيب مثل سعيد جودة والأكاديمي مثل سفيان تايه رئيس الجامعة الإسلامية ومن أفضل عشر أكاديميين على مستوى العالم والقائمة تطول وتطول ولو أردنا الحديث عن كل عقل بشخصه وفكره سنحتاج العديد من المجلدات لتدوين الملاحظات والفكر والصفات التي جعلت منهم خطرا يهدد أمن إسرائيل لتقوم بسلبهم حياتهم واحلامهم وافاقهم.
إذن: منذ أن جاءت العصابات الصهيونية الى فلسطين على شكل هجرات غير شرعية مروراً بتأسيس الوكالة اليهودية وعصابات الهاغانا والأرغون عملت على اغتيال العقل البشري الفلسطيني بجانب الممارسات التي كانت تستخدمها من قتل وترويع وتهجير للسكان الفلسطينيين من أجل بناء دولتهم التي خططوا لها مسبقاً لذا عملت الجماعات الصهيونية ومن بعدها الحكومات والمطبخ السياسي الإسرائيلي على اتباع خططا ووسائل ممنهجة من أجل تحقيق ما تريد فلم تترك وسيلة إلا واستغلتها لتدمير العقل الفلسطيني، ومن أبرزها: القصف والاعتقال، واستهداف المدارس والجامعات بشكل مباشر كما حصل مع الجامعات والمدارس في قطاع غزة، واقتحام الجامعات واعتقال الأساتذة والطلاب، كما حدث في جامعة بيرزيت وجامعة النجاح وغيرها من الجامعات في الضفة الغربية، كما قامت بتشويه التاريخ من خلال قلبها للحقائق واستخدام روايات كاذبة تصور الفلسطينيين على أنهم جماعات إرهابية تعيق السلام في المنطقة لذا يجب التخلص منهم، واللعب بالتاريخ الفلسطيني المادي والغير مادي يشكل خطراً على القضية الفلسطينية لأنه يؤدي إلى طمس ومحو الشواهد على أحقية الأرض الفلسطينية وحقيقة الصراع القائم بين الطرفيين.
وهنا يمكن لدينا تساؤل مهم يتمثل في: بالرغم من المحاولات الكثر للقضاء على العقل والوجود الفلسطيني هل نجحت إسرائيل في تدمير هذه العقول ووجودها؟
أم أنها تحاول عبثاً ولا فناء لنا ولشعبنا وأرضنا مهما طال الزمن؟