التعليم و جيل الانترنت ، بقلم : د. فواز عقل
و أقول: تكنولوجيا اليوم صنعها طلاب الأمس
تكنولوجيا الغد سيصنعها طلاب اليوم
سأبدأ هذه المقالة بحكاية طريفة بين الملك و الحكيم،
كان يا ما كان في قديم الزمان، ملك كسلان يتمنى امتلاك المعرفة
فطلب من حكيم القصر أن يلخص له كتاب
فقام الحكيم بتلخيصه في صفحتين
الملك: لا لا هذا كثير
الحكيم: إذن صفحة واحدة
الملك: لا وقت لدي
الحكيم: إذن نص صفحة
الملك: هذا جيد ، لكن ألا يوجد طريقة لتلخيص الكتاب في جملة أو جملتين على الأكثر؟
و هنا أقول أيها الملك ، أن حلمك أصبح حقيقة ، لقد كنت تتجسس علينا و على مستقبلنا ، رحمك الله لقد كنت تنتظر عصر السرعة، فأنت أحكم المحكماء، أبشر أيها الملك لقد حصل ما تمنيته،حيث يمكن تقديم أي معلومة في عدة كلمات في وقت قصير و بدل أن يقوم الإنسان بها أصبحت الآلة تقوم بما تمنيت و ليس الانسان،كنا نتمنى التخلص من التعليم التقليدي التلقيني و ثلاثة الحفظ الحفظ و التذكر و النسيان من خلال المعلم، أما الآن في عصر السرعة حيث أصبحت الآلة تلقن المعلومة بدل من المعلم، الآلة التي لا روح فيها لا جدال لا نقاش لا حوار لا اقناع، و أصبحت تقوم بتلخيص أي شيء في ثواني أو دقائق، أيها الملك لقد انتقلنا في حياتنا من الوجبات العائلية إلى الوجبات السريعة و من ثم إلى المحتوى المعرفي السريع، و لم يعد أيها الملك الكتاب خير جليس في الزمان.
و ها هو جيل الانترنت جيل الرقمنة جيل التكنولوجيا جيل الذكاء الاصطناعي،يلقن المعلومة من الآلة، هنا أعترف أنني لست متخصص بالتكنولوجيا و مشتقاتها لكني قرأت الكثير عنها،و لا أنكر ما تقدمه التكنولوجيا للإنسان في مجالات متعددة، وهنا أتساءل أيها الملك: ماذا كنت ستقول لو أنك عايش بيننا الآن في هذا العصر؟
و كما ورد في كتاب الانسان العاري، لأن الإنسان في هذا العصر هو الإنسان العاري الذي كشفت وسائل التواصل الاجتماعي الغطاء عن الكثير من المعلومات الخاصة بحياته و جمعها في نوع من المفكرة الرقمية التي يمكن استخدامها من مختلف الأجهزة عند الحاجة إليها.
المفروض الآن أن نستعد للمرحلة القادمة بأدوات جديدة و أفكار خارج الصندوق دون تأجيل و اعتماد استراتيجية وطنية جادة مبنية على تجاوز أمور كثيرة،و استخدام استراتيجيات تعليمية مبتكرة لتتناسب مع متطلبات و حاجات الفرد و المجتمع، كما قال جون ديوي : إذا علمنا طلاب اليوم بأساليب الأمس فإننا سنسرق منهم مستقبلهم، و أقول أن التكنولوجيا لن تكون بديلا عن المعلم و لكن على المعلم أن يتعامل معها ويراها كفرصة لبناء حوارات، و التركيز على الجانب الإنساني.
هذا الجيل جيل الإنترنت يشير إلى فئة عمرية ولدت في تسعينيات القرن الماضي وبداية الألفية الثانية، و يعرف هذا الجيل جيل الرقمنة جيل التكنولوجيا جيل الذكاء الاصطناعي، هذا الجيل لم يعرف العالم بدون هواتف ذكية وبدون انترنت و هذا جعلهم ملمين بشكل كبير بالتكنولوجيا و وسائلها المختلفة.
من صفات هذا الجيل أنه يفضل المشاريع التي تتطلب حل مشاكل وربط المعرفة النظرية بالتطبيقات العملية
2-أنهم يحبون التواصل مع المعلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
3-جيل الرقمنة قليل التركيز مما يتطلب تقديم المعلومة في أشكال مختصرة و جذابة من خلال مقاطع الفيديو والمحتوى التفاعلي.
4-يفضل هذا الجيل الاستقلالية والتعلم الذاتي و يطلب حرية الاختيار بما يناسب اهتمامه
5-الاعتماد الكلي على التكنولوجيا و يشعر بالراحة مع المعلومات المتوفرة بسرعة و هم يفتقرون للصبر عند البحث على المعلومة و يميلون للحلول السريعة.
6- الانتباه القصير نتيجة التفاعل مع وسائل التواصل السريعة مثل مقاطع الفيديو وغيرها
7- يفضل المرونة والتنوع في التعليم من حيث الوقت والمكان
وهناك من يرى في الذكاء الاصطناعي فرصة لتحسين العملية التعليمية للأسباب التالية:
1-تساعد على اكتشاف نقاط الضعف والقوة لدى كل طالب،و تعديل المحتوى التعليمي.
2-تساعد على دعم تعليمي فوري وفعال من خلال تقديم تغذية راجعة فورية حول أداء الطالب.
3-تسهم في تحسين تفاعل الطلاب مع المحتوى التعليمي من خلال تجارب تعليمية تفاعلية
4-تسهم في تحسين إدارة الوقت لدى الطلاب في كيفية توزيع جهودهم على المواد الأكاديمية مما يقلل التوتر ويزيد الإنتاجية.
5-يمثل الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في التعليم الشخصي من خلال تخصيص تجربة التعليم وجعلها فعالة مما يتيح لكل طالب الحصول على تعليم يناسب احتياجاته و أهدافه الشخصية.
6-يساعد الذكاء الاصطناعي على أتمتة التقييمات وتوفير تغذية راجعة فورية للطالب.
التعليم و الانترنت و جيل العصر، و يرى الكثيرين أن التوجه نحو التكنولوجيا يعمل على :
1-سد الفجوة التعليمية في الدول النامية عن طريق توفير فرص تعليمية للطلاب في مناطق مختلفة
2-مساعدة هذا الجيل على التعلم التفاعلي القائم على المشاركة بعيدا عن التلقين.
3-المساعدة على المرونة والتنوع والانفتاح على قضايا تعليمية و هذا يتطلب كيفية تصميم المحتوى التعليمي ليعكس تجارب و ثقافات متنوعة.
4-المساعدة على توفير بيئة تعليمية مرنة جذابة شيقة آمنة
كيف يمكن لهذا الجيل التعامل مع الانترنت؟
الاهتمام بالمهارات الناعمة مثل: الاتصال و التواصل ، العمل ضمن فريق، المبادرة، حل المشاكل، التخطيط و التنظيم ، منح الطلاب فرصة للتعبير عن آرائهم حول تصميم المناهج و الأنشطة، استخدام التقييم الإيجابي و الابتعاد عن النقد و اختيار كلمات إيجابية، اختيار محتوى تعليمي جذاب و مرن و محفز، استخدام أساليب تعليم مبتكرة تتناسب مع العصر، أكثر تحفيزاً ، أكثر مرونة ، أكثر تنوعاً
و هنالك أسئلة كثيرة تثقل كاهلي و كاهل الكثيرين من المهتمين :
1-ما هي المخاطر التي تواجه الجيل القادم غير الملم بالتكنولوجيا و أدواتها؟
2-هل الطلاب في هذا العصر ضحية أساليب تلقينية لا تخاطب العقل ؟
3-ما مصير تخصصات العلوم الانسانية و الاجتماعية؟
4-هل طلبة الجامعات بحاجة لدورات تطويرية لرفع قدراتهم ومهاراتهم لتلبية متطلبات العصر؟
5-هل أصبحت التربية التحويلية التي تتمثل في الانتقال من التعليم إلى التعلم مطلب للعملية التعليمية؟
6-كيف سيتم مراعاة القيم الأخلاقية من خلال التكنولوجيا ؟
7-هل يجب إعادة النظر في جودة التعليم الجامعي و التخصصات المطروحة التي يحتاجها الطالب في عصر الذكاء الاصطناعي؟
8-هل الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي في تسهيل العملية التعليمية أدى إلى قلق متزايد حول تقليص دور المعلمين في الفصول الدراسية؟
9-كيف سيتم الموازنة بين استخدام الذكاء الاصطناعي و الحفاظ على الدور الإنساني للمعلمين في العلمية التعليمية؟
10-هل يجب التركيز على استخدام الذكاء الاصطناعي أم الذكاء الانساني؟
11-كيف يمكن بناء محتوى تعليمي باستخدام الذكاء الاصطناعي؟
12-هل استخدام الذكاء الاصطناعي يعني الاستغناء عن المعلم؟
مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، التيكتوك، فيسبوك، تويتر، واتس اب لاحظ العلماء في دراساتهم أن أعراض
استخدام هذه الوسائل هي نفس أعراض المخدرات و من هذه الأعراض:
1-الهروب من المهام و الالتزامات.
2-فقدان الاحساس بالزمن.
3-قلة الدافعية و تراجع الانتباه.
4-الانعزالية و الانطواء.
5-قلة المذاكرة و تراجع التحصيل العلمي.
6-ضعف مهارات الكتابة
7-التعصب
8-ترويج بعض أنماط الحياة الاستهلاكية.
9-تكوين شخصيات وهمية بعيدة عن الشخصيات الحقيقية.
و أخيرا، نحن التربويون المحاورون لا نصنع فقط مستقبل الأجيال بل نصنع الأمل والإلهام في قلوب الطلاب.
- – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعليم و التعلم