12:45 صباحًا / 17 ديسمبر، 2024
آخر الاخبار

من يواجه الاستباحة الإسرائيلية ؟ بقلم : د. مصطفى البرغوثي

من يواجه الاستباحة الإسرائيلية ؟ بقلم : د. مصطفى البرغوثي

من يواجه الاستباحة الإسرائيلية؟ بقلم : د. مصطفى البرغوثي


لم تُضع إسرائيل لحظة واحدة، بسلوكها الانتهازي المعروف، بعد انفجار الأحداث في سورية لتستغلها في ثلاثة اتجاهات. أولاً، احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، بما في ذلك حوالي 180 كم2 في منطقة الجولان، وقمة جبل الشيخ، ومناطق أخرى قريبة من دمشق، حتى وصلت دباباتها، بحسب تقارير الإعلام الإسرائيلي، إلى مسافة 12 كم من العاصمة السورية.

ثانياً، تدمير كامل وممنهج لجميع القدرات العسكرية السورية، بما في ذلك سلاح الجو، والسلاح البرّي، والصواريخ، والبحرية. وبما في ذلك شنّ ما يزيد على 400 غارة جوية دمرت، من دون أي مقاومة، معظم مقدرات الدفاع السورية. وبذلك غيرت إسرائيل خلال 48 ساعة التوازن الاستراتيجي في المنطقة لصالحها، ونفذت احتلالاً واسعاً جديداً للأراضي السورية، وأعلنت نيّتها إبقاء هذا الاحتلال، مؤكّدة ما قلناه مراراً وتكراراً أن الأطماع الإسرائيلية لا تقتصر على أراضي فلسطين، بل تمتد إلى كل الدول العربية المجاورة وغير المجاورة.

ثالثاً، التدخل القبيح في الشؤون الداخلية السورية بتحريض أطياف المجتمع السوري بعضها على بعض، وإدّعاء الحرص الإسرائيلي على مصالح الأكراد والدروز في محاولة لشقّ طريق تجزئة سورية وتقسيمها إلى دويلاتٍ بما يخدم المصالح الإسرائيلية.

يتمثل الجانب الثاني للاستباحة الإسرائيلية في تصعيد حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزّة، فبالإضافة إلى عمليات قصف المدنيين الوحشية، التي تودي يومياً بحياة حوالي مائة شهيد، تواصلت عملية نسف جميع أحياء الشمال ومناطقها وتدميرها، خصوصاً جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون. وتُخضع إسرائيل جميع سكان القطاع لتجويع جماعي خطير يشكل جزءاً من عملية الإبادة الجماعية، وتستخدم الحرب البيولوجية بتسهيل انتشار الأمراض، والحرب الكيماوية الناتجة عن آلاف الأطنان من قذائفها. ويجري ذلك كله على مرأى ومسمع العالم الذي لا يفعل شيئاً لإيقاف هذه المجازر والعذاب الذي يعانيه الفلسطينيون.

نجاح إسرائيل في تمرير عدوانها على سورية يفتح شهيتها للتطاول على دول أخرى

المذهل، والغريب، أن ردود الأفعال العربية والإسلامية على استباحة إسرائيل سورية وسيادتها وأراضيها، واستباحتها حياة الفلسطينيين في غزّة، اقتصر على إصدار بيانات خجولة، من دون أي رد فعل استراتيجي على خطر فرض الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية الإسرائيلية على المحيط العربي بكامله. يبدو المحيط والإرادة العربية غائبين في وضع تبدو فيه المنطقة ساحة صراع بين ثلاث قوى إقليمية، تركيا وإيران وإسرائيل، ليغدو المحيط العربي مفعولاً به، بدل أن يكون فاعلاً في الدفاع عن مصالح أوطانه وشعوبه.

أما الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فلم تنطق ببنت شفة احتجاجاً على الاستباحة الإسرائيلية لسورية، وتصعيد الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، مؤكدة ازدواجية المعايير في سياساتها وفي تعاملها مع القانون الدولي وانحيازها المطلق إلى إسرائيل.

ولا يوجد في التاريخ الحديث أمثلة على العدوانية الإسرائيلية التي اجتاحت منذ إنشائها أراضي فلسطين، ومصر، والأردن ولبنان وسورية، واعتدت بالقصف الجوي على ليبيا، والعراق وإيران، واليمن والسودان، إلا ما شهدته أوروبا على يد الفاشية التوسّعية خلال الحرب العالمية الثانية.

ومن الواضح أن نجاح إسرائيل في تمرير عدوانها على سورية يفتح شهيتها للتطاول على دول أخرى، وليس مصادفةً أن الصحافة العبرية تمتلئ منذ أيام بالتحريض على الأردن، واتهامه بالسماح بتهريب السلاح، وعلى مصر واتهامها بتعزيز قدراتها العسكرية في أرضها (سيناء) في مخالفة لاتفاق كامب ديفيد.

هشاشة البنيان السياسي الداخلي لأي بلد يجعله عرضة لتدخّلات الآخرين

وإذا كان هناك من يظن أنه يستطيع حماية نفسه بتجاهل المخاطر الاستراتيجية التي يمثلها السلوك العدواني الإسرائيلي، فإنه يرتكب خطأ فاحشاً، ويتجاهل عِبر التاريخ في المنطقة والعالم، ويسلك سلوك تشمبرلين الذي ظنّ أن الحديث عن السلام يخدّر نيات المعتدين، حتى وجد عاصمته نفسها تقصف بالطائرات.

أثبت ما جرى في سورية مرّة أخرى أن كل حاكم وكل نظام لا يحترم شعبه ولا يستند إلى تأييده، ويمارس الديكتاتورية والقمع والتعذيب ضده، لن يدوم مهما طال الزمن، وأن هشاشة البنيان السياسي الداخلي لأي بلد يجعله عرضة لتدخلات الآخرين وتطاولاتهم وأطماعهم، ويقود، في نهاية المطاف، إلى دمار الأوطان. لكن الاستباحة الإسرائيلية الوقحة، التي تضيع تفاصيلها، في وسائل الإعلام العربية والدولية، في خضم الانفعال بالتطورات السورية، لا يمكن تجاهلها، فهي تؤكّد للمرّة الألف، أن إسرائيل تستهدف الجميع، وعندما قال نتنياهو في خطابه تعليقاً على أحداث سورية، بأن إسرائيل أصبحت الدولة المركزية في المنطقة، فإنه كان يعني أن مشروعه للشرق الأوسط الجديد هو تقسيم دولها بـ”سايكس بيكو جديد” أخطر وأسوأ، وجعل إسرائيل الدولة الإمبريالية المهيمنة في المنطقة.

وهل هناك حاجة إلى التذكير، مرّة أخرى، بالمثل المعروف “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”؟

شاهد أيضاً

د. رمزي عودة يبحث مع سفير الصين في فلسطين تسنغ جيشن حركات التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني

شفا – أطلع د. رمزي عودة الأمين العام للحملة الاكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والابرتهايد الاسرائيلي …