ضغوط العمل واستراتيجيات مواجهتها ، بقلم : ا.م .د. محمود حسين
يطلق على عصرنا الحالي عصر ضغوط العمل لما تحتويه حياتنا من ضغوط في مختلف مجالات الحياة، والفرد وهو يجابه هذه الضغوط يسعى جاهدا لكي يقلل من اثارها بإستخدام العديد من الإستراتجيات الفردية من نظام غذائي و مساعدة إجتماعية ومعرفة الذات، وأخرى تنظيمية كالتدريب المهني والإختيار المهني وتطبيق مبادئ الإدارة العلمية، وسنتطرق لأهم الإستراتجيات التي تسعى المؤسسات لإدارة ضغوط العمل التي تواجه العاملين فيها.
تعد ضغوط العمل ومصادرها وآثارها على العاملين في مختلف المؤسسات من بين أهم الموضوعات التي إستحوذت على إهتمام الباحثين والدارسين في مجال السلوك التنظيمي، وذلك لما لها من أثر مباشر و غير مباشر على أداء العاملين في مختلف المهن التي يزاولونها حيث أصبحت ضغوط العمل داخل المؤسسات الإنتاجية أو الخدمية ظاهرة عامة يصعب تجنبها وإن كان تأثيرها متفاوت في الدرجات بين المؤسسات المختلفة بالنظر لطبيعتها وحجمها وكذلك الأدوار المنوط بالعامل فيها، فإن الإختلاف أيضا تجاوز المؤسسات ليكون في المؤسسة نفسها بل في المصلحة الواحدة، و ذلك بين عامل و عامل آخر يقومان بنفس العمل، بالنظر لطبيعة شخصية الفرد وكذا الظروف الإجتماعية المحيطة به.
فالمتصفح للتراث المعرفي حول الضغوط النفسية, يجد أن جل الكتابات في هذا المجال لا تزال في معظمها على مستوى التحليل النظري، حيث لم تنل الدراسات التطبيقية فيها إلا نصيبا محدودا من الإهتمام، وذلك لسببين رئيسيين هما:
الأول: يتمثل في تنوع العوامل المسببة للضغوط وتداخلها.
الثاني: يتعلق بعدم إتفاق الباحثين على مفهوم دقيق و محدد لضغوط العمل مما يوقع الباحث الذي يحاول الخوض في هذا المجال بحيرة.
أن ضغوط العمل “حالة تنشأ عن التفاعل بين الأفراد و وظيفتهم وتتسم بإحداث تغييرات بداخلهم تدفعهم للإنحراف عن أدائهم المعهود”. وتسعى المؤسسات اليوم إلى الحد أو التقليل من آثار ضغوط العمل المختلفة بشتى الوسائل، متبنية في ذلك عدة إستراتجيات لإدارة هذه الضغوط، فقلما تجد مؤسسة تستخدم في إدارة الضغوط إستراتجية واحدة، بل إنها تستعمل إثنين أو أكثر في آن واحد أو في أوقات مختلفة، حيث أن إستعمال هذه الإستراتجيات يختلف من مؤسسة لأخرى ومن عمل لآخر، كما تتأثر هذه الإستراتجيات إضافة لطبيعة وحجم المؤسسة وكذا طبيعة الضغوط ونوعها بالفروق الفردية التي تعتبر حاسمة في الكثير من الأحيان، و من أهم هذه الإستراتجيات التي تستخدمها المؤسسات في إدارة ضغوط العمل، سواء تلك التي يتبناها الفرد على مستواه الشخصي أو تلك التي تتبناها المؤسسة في إطار تنظيمي محدد وهي:
اولا : إستراتجيات إدارة ضغوط العمل الفردية السلوكية:
1- النظام الغذائي و الرياضة: يقصد بالنظام الغذائي أنواع و كميات الغذاء التي تدخل إلى الجسم، فالغذاء المتكامل ضروري لوظائف أعضاء الجسم و لإعطاء الطاقة والحيوية اللازمة لأداء العمل فعندما يتناغم نظام الغذاء مع التمرينات الرياضية يكون ذلك في صالح الفرد في مقاومة آثار الضغوط النفسية فمثلا التمرينات الرياضية تساعد في حرق السعرات الحرارية الزائدة وتزيد من قدرة الجسم على التمثيل الغذائي، وتزيد قدرة الجسم في أنشطته الحيوية و البنائية، و كلا من الغذاء و التمرينات الرياضية يؤثران على رفع كفاءة الفرد على التركيز و الإسترخاء.
كما إن تعرض العامل لوضعيات ضغوط كبيرة ودائمة يؤثر بصفة مباشرة، لذلك فإن العوامل التي تساهم في اللياقة البدنية مهمة و ضرورية لمقاومة الضغوط و إنعكاساتها فخبراء اللياقة البدنية يعتبرون ممارسة نوع من النشاط الرياضي بصفة منتظمة إحدى الطرق السهلة و الأكثر فائدة للحصول على تغييرات إيجابية في حياة الفرد، و منه تمكين الجسم من التعامل الفعال مع المواقف الضاغطة. فممارسة الرياضة تؤدي إلى رفع فعالية أعضاء الجسم بالشكل الذي يؤدي إلى مقاومتها للضغط، فمن المعروف أن الشخص الذي يمارس التمرينات الرياضية لا يرهق بسرعة مثل الشخص الذي لا يمارس أي تمرينات، كما أن الشخص المصاب بإرهاق تكون قدرته منخفضة في تحمل أي أعباء جسمانية أو نفسية للعمل، و بذلك فالتمرينات الرياضية تعتبر من بين الوسائل التي يمكن للفرد الإعتماد عليها لمجابهة ضغوط العمل.
ويعتبر خبراء اللياقة البدنية ممارسة نوع من النشاط الرياضي بصفة منتظمة إحدى الطرق السهلة و الأكثر فائدة للحصول على تغييرات إيجابية في حياة الفرد و منه تمكين الجسم من التعامل الفعال مع المواقف الضاغطة.
2- المساعدة الإجتماعية: تمثل أقل العواقب غير المرغوبة عند مقارنتها بالبدائل الأخرى كإستخدام المهدئات و هي الطريقة الأكثر إستعمالا اليوم في الممؤسسات، وذلك من خلال توظيف الأخصائيين الإجتماعيين و النفسانيين الذين تكون مهمتهم الأساسية دراسة المشاكل التي تخص المؤسسة و تقديم الدعم الإجتماعي و النفسي للعاملين لتجاوزها.
3- معرفة الذات و الوقوف على قدرات الشخص: وهي عبارة عن إدراك الفرد للطريقة التي يظهر بها سلوكه أمام الآخرين، كما أن الملاحظة الذاتية الدقيقة من الفرد لسلوكه يمكن أن تصف بدقة رد فعله تجاه سلوكيات الآخرين، و التعرف على سلوك الفرد و معرفة مدى قدرته على تحمل الضغوط و الإستجابة لها، من شأنه التخفيف من حدة ضغوط العمل، فمعرفة الفرد للعوامل الضاغطة تمكنه من إيجاد طرق لمجابهتها.
4- التخطيط المسبق و تحديد الأهداف: عندما تكون هناك أهداف واضحة و محددة لعمل الأفراد و تكون تلك الأهداف قابلة للتنفيذ، بالإضافة إلى التخطيط المسبق و ذلك بتجهيز الفرد نفسه للتعامل مع الأحداث، والذي من شأنه توقع الضغوط و منه التقليل من آثارها.
5- المشاركة في النشاطات: كالمشاركة في النشاطات الإجتماعية أو إختيار هواية معينة أو الإستمتاع بالإنجازات و تزيد هذه النشاطات من قدرة الفرد على التحمل، و تعتمد اليوم كبرى المؤسسات على هذه الطريقة كوسيلة للتفريغ لدى العامل، خاصة بالنسبة للضغوط التي تحيط به، التي من أهمها الرحلات، و الحفلات لتخفيف ضغوط العمل في المؤسسة.
6- الإسترخاء: إن جلوس الفرد مستريحا و هادئا في الإسترخاء يؤدي إلى راحة الفرد، حيث أن إسترخاء العقل لا يتم إلا من خلال الإسترخاء العام للجسم، ويعني هذا أن ينتبه الفرد إلى أن الراحة العقلية هي التي تترتب على راحة الجسم، و تعتمد اليوم الكثير من المؤسسات هذه الطريقة للتخفيف من حدة ضغوط العمل.
7- التأمل: وهو جملة التمرينات الذهنية الموجهة للحد من السير المعتاد للأفكار و الظنون و التحليل، فالتأمل المنتظم يزيل الضغط أو يحفظه و يستطيع أن يحرر الفرد من الشقيقة و التوتر و الصداع، و على للفرد في التأمل أن يوقف نشاطاته اليومية و أن يمارس درجة عالية من الإنتباه و الوعي على مشاعره و وجدانه، و يؤدي هذا إلى إعداد الذهن و تدريبه على تحمل ضغوط العمل، و لهذا فإن التأمل يعد من بين التقنيات المستعملة للحد من الهواجس و التخيلات و الأفكار التي قد توقع الفرد العامل تحت وطأة الضغوط.
8- التركيز: إن قيام الفرد بالتركيز في أداء نشاط ذي معنى و أهمية لمدة معينة يساعد في تخفيف حدة الضغوط النفسية للعمل، و تعتمد طريقة التركيز من حيث المبدأ على نفس الفكرة تقريبا التي تعتمد عليها طرق الإسترخاء و التأمل، و التركيز يصرف الفرد عن التفكير في مصادر الضغوط، ويؤدي به إلى قيامه بعمل خلاق و إنجاز يساعد على الشعور بالتقدير و الإحترام و تحقيق الذات.
ثانيا: إستراتجيات إدارة ضغوط العمل الفردية النفسية: إستراتيجيات التحكم الإنفعالي: وتتضمن مختلف الميكانيزمات الدفاعية لدى الفرد، كالإنسحاب، التخيل، الإنكار، التعويض، النكوص، العقلنة.
الفزع إلى الله: ويتمثل في إخلاص المؤمن بجميع جوارحه لله، إذا أصابته مصيبة، و ذلك بالتقرب إلى الله و الدعاء، مصداقا لقوله تعالى: ” وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي و ليؤمنوا بي لعلهم يرشدون “، إضافة إلى قراءة القران و تلاوته والصلاة التي تبعث النفس نحو الطمأنينة فنجاح المؤمن راجع إلى درجة تقواه و إخلاصه ثم تطبيقه لسنة رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) في التخفيف من فزعه في النوم يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” أعوذ بكلمات الله التامات من غضبه و عقابه وشر عباده و من همزات الشياطين و أن يحضرون “، و عند الغضب ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ” و عند الكرب ” اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين و أصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت “.
وهناك أساليب أخرى عديدة لإدارة ضغوط العمل، و تتعلق بالجوانب الفردية الإنسانية وهي:
أولا- الوقاية الأولية: المباشرة لمثيرات الضغوط وهي:
1- إدارة نمط الحياة.
2- إدارة الإدراك الشخصي للضغوط وهي :
أ- صيانة التوازن.
ب – الإنسحاب النفسي.
ج- إستخدام وقت للإستجمام.
د- إدراك و معرفة عدم الحيوية.
هـ- التفريغ.
و- تغيير النمط السلوكي.
3- المتنفس العاطفي
4- إدارة بيئة العمل الشخصي وهي :
أ- الكلام.
ب- التخطيط.
ج- الكتابة.
د – إدارة الوقت.
ه- ممارسة النشاط العقلي.
و- منع زيادة العمل.
ثانيا – الوقاية العلاجية:
ا- بأساليب أخرى (التأييد الإجتماعي، تنوع المهام، ترك العمل). العلاج النفسي العلاج الطبي
ب – الوقاية الثانية:
مباشرة الإستجابة: – برنامج علاجي – علاج طبي.
ج- التدريب على الراحة و الإستجمام: – طبيب نفسي. – جراحة.
- الراحة المتطورة. – علاج سلوكي. – علاج فيزيولوجي
- إستجابة الراحة. – علاج جماعي.
- التأمل و التفكير. – مستشار مهنة.
- المتنفس الفيزيولوجي.
- الإستشارة و العلاج، الرعاية الطبية.
- التمارين الرياضية.
- تمارين العضلات.
- بناء الجسم.
إستراتجيات إدارة ضغوط العمل التنظيمية لإدارة ضغوط العمل:
1- التطبيق الجيد لمبادئ الإدارة: إن المخالفات التي يقع فيها كثير من الإداريين في ممارساتهم اليومية بسبب عدم إتباعهم المبادئ المتعارف عليها في الإدارة تسبب الكثير من الضغوط النفسية لمرؤوسيهم لذلك يتعين على المستويات الإدارية العليا ممارسة مبادئ الإدارة بشكل جيد، و هذا بدوره يمكن أن يشيع جوا من الإنضباط الإداري و التنظيمي بين المستويات الإدارية الأدنى.
2- تحليل الوظائف: تهدف إلى معرفة درجة الضغوط في الأعمال المختلفة و بالتالي إسنادها للأفراد المناسبين، فتحليل الوظائف يمكننا من وضع نظام لتقويم الأداء يتسم بالعدالة و المنطقية مع إدراك نظام الحوافز بالمؤسسة فتزول ضغوط العمل المرتبطة بهذه العوامل.
3- تصميم وظائف ذات معنى: ويتحقق ذلك من خلال ضمان أن الوظيفة تتضمن العديد من الأنشطة و المهام كما يتيح مقدار من السلطة للأداء لأن الكثير من الوظائف تفقد معناها و قيمتها لبعض الأسباب كزيادة حدة التخصص بالقدر الذي يفقد الموظف أي متعة في أداء العمل، لذا وجب تصميم الوظائف بصورة تساعد على كشف عناصرها مثل العبء الوظيفي، غموض الدور و العوامل البيئية، و هو ما يجعل الموظف يؤدي وظيفته دون ضغوط تذكر.
4- الإهتمام بالإختيار المهني: حيث تركز معظم البرامج على التوافق بين الفرد و الوظيفة على أساس المستوى التعليمي و الخبرة و المهارات و التدريب و قد بدأت بعض المؤسسات في إجراء مقابلات مكثفة مع الموظفين الجدد لإكتشاف المشكلات التي قد تحدث في العمل، و تتخذ حاليا إجراءات الإختيار بهدف التقليل من عبء العمل و ذلك من خلال إختيار الشخص المناسب لشغل هذا العمل، بما يجعله متكافئا مع متطلبات العمل مما يخلق نوع من التوافق الذي يقلل من حدة الضغوط.
5- التدريب المهني : إن التدريب المهني يساعد الفرد على تعلم معلومات و إكتساب مهارات جديدة تمكنه من ممارسة وظيفته بصورة أكثر فعالية و مستويات أقل من الضغط، و إلى جانب تدريب الموظف على المطلوب أداؤه و كيفية أدائه تعمل بعض البرامج التدريبية على توعية الموظف بما يمكن أن يصادفه من مشكلات في العمل، كضغوط العمل حيث أصبحت بعض المؤسسات تنظم دورات تدريبية لعامين فيها بهدف تدريبهم على كيفية مجابهة الضغوط و التعامل معها.
6- نظم المشاركة في إتخاذ القرارات: يؤدي عدم إشراك العمال في إتخاذ القرارات، أو البعد عن مراكز إتخاذ القرارات إلى الشعور بالغربة و ضغوط العمل، و من أمثلة المشاركة في إتخاذ القرارات نجد المشاركة في اللجان، و برامج الشكاوي، و برامج المشاركة في الأرباح و الملكية المشتركة، و تشجيع الرؤساء في تفويض جزء من سلطاتهم لمرؤوسيهم، و هو ما يشعر الموظف بالإنتماء الوظيفي الذي يقلل من الضغط عليه.
7- الأنشطة العلاجية في مناخ العمل: تسعى المؤسسات التي تعاني من ضغوط العمل إلى إنشاء الأنشطة التي من بينها تعيين مستشار نفسي و إجتماعي للعمل، و تخصيص حجرات لممارسة التمرينات الرياضية وحجرات للتركيز و الإسترخاء، هذا و قد إرتادت بعض المصانع اليابانية تجربة جديدة فقد أنشأوا حجرة تسمى حجرة ” السلوك العدواني” تحتوي على أكياس منفوخة تمثل شخصيات( للإشارة إلى مسببات الضغوط)، و على الشخص الذي يدخل هذه الحجرة أن يضرب بيده أو بمضرب بعض الأكياس لكي يفرغ بعض مشاعره النفسية السيئة.
8- فتح قنوات الإتصال بين الإدارة والعمال: ويتم بإعلام الفرد بكل ما يجري داخل المؤسسة، فعندما يحس العامل بأن شكواه و مشكلاته الخاصة به و المهنية خاصة قد أثارت إهتمام المسؤول فإن معاناته من ضغوط العمل تقل، و من بين أهم الوسائل التي تستعمل هنا هي خلايا الإصغاء و الوقاية في المنظمة و التي تمثل خلية إستماع لإنشغالات و كل ما ينغص حياة العامل و مختلف الضغوط التي تؤثر فيه، حيث تحاول هذه الخلية فهم مشاكل العمل و طرح حلول لها.
9- إعادة تصميم الهيكل التنظيمي: يمكن إعادة تصميم الهيكل التنظيمي بعدة طرق لعلاج مشاكل الضغوط، كإضافة مستوى تنظيمي جديد أو تخفيض مستوى الإشراف أو دمج الوظائف، أو تقسيم الإدارة الكبيرة إلى إدارتين أصغر في الحجم، أو إنشاء وظائف بإمكانها أن تحل الكثير من المشاكل، و يضاف إلى ذلك إمكانية توظيف العلاقات التنظيمية بين الإدارات، و إعادة تصميم إجراءات العمل و تبسيطها، و النظر في حجم أعباء العمل الملقاة على عاتق الأقسام و الوظائف، وهي أمور من شأنها تخفيف حدة ضغوط العمل.
10- توفير الخدمات الاجتماعية: استحدثت بعض المنظمات مثل (IBM) و (Equitable life) و(H. Goodrich) برامج متكاملة لمساعدة العاملين بتوفير الخدمات الطبية والعلاجية و النصح و الإستشارة و الإجراءات الوقائية، و عادة ما تكون مزودة بإختصاصيين مثل الأطباء و الأخصائيين النفسيين، فاليوم نجد في أغلب المؤسسات الكبرى وحدات كاملة للطب (طب العمل)، إضافة إلى تواجد مختصين في علم نفس العمل و التنظيم الذين يتواجدون على مستوى إدارة الموارد البشرية، و كذا لجان الخدمات الإجتماعية التي تهتم بتوفير السكن و الإطعام، و التي تسعى من خلال المؤسسة إلى الحد أو التقليل من مختلف ضغوط العمل التي تعترض العامل.
ان الكثير من المؤسسات تلجأ للعديد من الطرق و تستخدم الكثير من الوسائل في محاولة منها إن لم يكن القضاء على ضغوط العمل فالتقليل من حدتها و نتائجها التي تمس المؤسسة و تنعكس بصورة واضحة على أداء العاملين و منها على الأداء العام للمؤسسة، وإن تنوعت و إختلفت الإستراتجيات لإدارة ضغوط العمل، فإن ما يمكن أخذه بعين الإعتبار عند تطبيق أي إستراتجية هو طبيعة المؤسسة و نوعية الضغوط و حجمها، و ذلك يعني أنه قبل بداية تطبيق أي إستراتجية و الحكم أنها صالحة لهذه المؤسسة ينبغي دراسة المؤسسة من جوانبها المختلفة، إضافة إلى تجنب العشوائية في الإختيار حيث لا بد من معرفة هذه الإستراتجيات و الإطلاع عن كثب عليها، ليكون الإختيار في محله وليس عشوائيا، و هو مهمة يضطلع بها الأخصائيين و الخبراء في هذا الميدان، كما أن المنظمات في واقع الأمر لا تلجأ لطريقة واحدة مهما كانت الدقة في تطبيقها بل تلجأ إلى العديد من الإستراتجيات إما أن تطبقها على مراحل أو جملة واحدة حسب نظرتها للضغوط التي تعترضها، ذلك أن لكل إستراتجية مواطن قوة و ضعف كما أن بعض الإستراتجيات التي تصلح لمهنة ما لا يمكن تطبيقها في مهنة غيرها فمثلا مشاركة العمال في إتخاذ القرار يكون في بعض المهن من الصعوبة التي لا يمكننا تصورها، كما أن المؤسسات في حد ذاتها تختلف و هو ما يجعل من أمر نجاحها متوقف على عدة عوامل ترتبط بالضغوط و المؤسسة معا.
إن إلمام المؤسسات بضغوط العمل اليوم تعدى مجرد التعرف عليها و دراستها في أمهات الكتب المتعارف عليها، بل إن الأمر وصل إلى أن بعض المؤسسات وضعت إستراتجياتها الخاصة لإدارة ضغوط العمل بناءا على الدراسات و الأبحاث التي تقوم بها و ذلك بالتعاون مع الخبراء والمختصين و هو الأمر الذي يكاد ينعدم في واقع المؤسسات العراقية نتيجة عوامل ترتبط بواقع مؤسساتنا و الثقافة المنتشرة و الذهنيات المختلفة، مع العلم أن المؤسسات التي تريد لنفسها البقاء و المنافسة تولي أهمية قصوى للمورد البشري الطرف الأهم في أي مؤسسة كانت، لذا وجب على المؤسسات الخدمية كانت أو صناعية أو تجارية اليوم الأخذ بتجارب باقي المؤسسات والتدقيق في مختلف الدراسات والأبحاث العلمية المتراكمة، من أجل تطوير نفسها من جهة، و هو ما يساهم بالدرجة الأولى في الرقي بالإقتصاد الوطني في سبيل تحقيق تنمية في مختلف المجالات الحياتية.