1:26 مساءً / 26 ديسمبر، 2024

ادمان اللاشرعية .. البدايات ، بقلم : سعيد مضيه

ادمان اللاشرعية ..البدايات ، بقلم : سعيد مضيه

في أرخبيل القرصنة والخرافات والتزوير

برزت الصهيونية من الثقافة الاوروبية على مسرح الحياة الدولية، شكلا كرد فعل لمعاداة اليهود في أوروبا، وجوهريا استثمارا للاسامية أداة اغتصاب ونظام ابارتهايد، قاعدة للامبريالية بالشرق الأوسط.


الصحفي المؤرخ، لوسيان وولف من جريدة جيويش كرونيكل، انفتح في البداية على أفكار هيرتزل، بوصفها مشروعا مرحليا لكنه، وقد أدرك عام 1903 “المعنى الحقيقي” لحركة الاستعمار الاستيطاني، أدان الصهيونية، “تشكل خضوعا كاملا لأعداء السامية”. نقله توماس سواريز في كتابه “دولة الإرهاب..” (ص50) كتب بصحيفة التايمز اللندنية ذلك العام يقول “انه لم يكن بوسعه ان يتصور نكسة نكراء للتاريخ اليهودي ولكفاح اليهود من اجل الحصول على المساواة كتلك التي يمثلها المشروع الصهيوني”(51).


حقا فان تهرب امام الوحش أخطر من مواجهته والتصدي له. يعجز العقل إذ يخذله الدليل والبرهان فتنبري نزعة الخوف تلوذ بالإرهاب سندا للغريزة والخرافة والتلفيق. تناقض العقل مع الغرائز.


تفاعل اليهود مع عصر النهضة والتنوير فاندمجوا ضمن أوطان أو قوميات متشكلة في إطار وطني، وعلى قاعدة الديمقراطية السياسية والفكرية. استمدت القوميات المنفتحة طاقتها الدافعة من ديمقراطية فكر النهضة وثقافته التنويرية. أثناء مسيرة التنوير خضع اليهود لنفس المؤثرات التي حفزت تطور المجتمعات الأوروبية الغربية، واندمجوا مع الحراك الاجتماعي. جنحوا إلى الانفتاح والاندماج في علاقة مواطنة، وبحقوق متكافئة للجميع.


بلغت حقبة التنوير اليهودي ذروتها في مؤتمر بيتسبرغ1885، الذي قرر أن الكتاب المقدس ليس من صنع الرب، بل هو وثيقة من صنع الإنسان. رفض مقولة الشعب المختار واستبعد عناصر انعزال اليهود، واكتفي بالجوهر الأخلاقي للتلمود.
في نفس الوقت شهدت فترة أواخر القرن التاسع عشر انعطاف البرجوازية نحو ردة عن الديمقراطية وليبراليتها باتجاه انغلاق قومي. عادت من جديد نزعة اللاسامية، تصلب التوجه في أقطار أوروبا الشرقية، التي استمرت تكابد الاستبداد السياسي، ولم تشهد تجربة التنوير. لفقت القوميات المتعصبة الرافضة للفكر التنويري، الأصل العرقي الضارب في القدم. في تلك الأثناء برزت الصهيونية تلفق كذلك أصلا ضاربا في القدم. في هذا الانعطاف المرتد عن التنوير نشأت الحركة الصهيونية، أصولية يهودية بنزعة عنصرية، تروج ل “العرق الضارب في القدم ذي جوهر إثني صلب لا يتغير مع التاريخ، وشجرة أنساب لشعب متميز تستبعد الانفصال عن الأمة مهما نأت به الترحالات”. تشابكت العنصرية المتهودة مع أصولية مسيحية متيمة بالعهد القديم قاعدة للعهد الجديد في الكتاب المقدس.


كان الساسة المسيحيون في الأقطار الرأسمالية قد اعتنقوا مبادئ المسيحية الأصولية ممثلة في الكنيسة الأنجليكانية البريطانية، وادخلوها لتدرس في الأكاديميات العسكرية. وفي العام 1838 رسم كاتروود، وهو ينتمي الى المسيحية الأصولية، خارطة فلسطين وأطلق اسماء توراتية على معالمها، واهمها “جبل الهيكل”. قبل ستين عاما من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، تحمس اللورد شافتسبري في بريطانيا، وهو أحد معتنقي لاهوت ما قبل الألفية، ودون ان يرى فلسطين، صاغ عبارة ” أرض بلا شعب لشعب بلا أرض “.


كان المصلح الديني لوثر قد أعاد الاعتبار للتوراة واعتبرها العهد القديم مقدمة للإنجيل ضمن الكتاب المقدس. من ثم تناسلت الخرائط والصور الفوتوغرافية تضع فلسطين محور العالم، وقام المستشرقون بترجمة التوراة الى اللغات الحية عن الآرامية واليونانية وأدرجوا أسماء معاصرة لمفردات بالعهد القديم، فأسقطوا اسم فلسطين بصورة تعسفية على أحداث التوراة، خاصة الهيكل ودولة إسرائيل القديمة. ظهرت الكتابات ثم الأبحاث، وكلها تعكس تخيلا للتاريخ التوراتي للبلاد، موجها بقصد فرض إسكات فلسطين العربية واختلاق الدولة اليهودية القديمة على الصورة المتخيلة والمرسومة لانتزاع فلسطين من محيطها. التغير الكمي يفضي الى تغير نوعي؛ راح يتطور مفهوم فلسطين في الثقافة المسيحية، وظهر في السيرورة كتاب الرحالة الإنجليزي هنري مانداو، عام 1697 ” من حلب إلى القدس” ، وهو أيضا ينتمي للمسيحية الأصولية، تعمد المؤلف إنكار وجود مجتمع بشري بفلسطين، وحكم على تاريخها بالتجمد نظرا لغياب اليهود. اكتفى لانداو بنصف صفحة فقط لعرض واقع القدس الاجتماعي متمثلا في الكنائس المسيحية “البائسة “.


حصل اللقاء بين هيرتزل ولورد بلفور بجهود وليم هيتشلر، سفير الكنيسة الأنجليكانية في فيينا. تطورت علاقة حميمة بين هيرتزل ورئيس وزراء بريطانيا. واعترف هيرتزل في مذكراته بفضل المسيحيين الأصوليين على الحركة الصهيونية. وينسجم مع هذه العلاقة الآثمة قول بلفور، صاحب الوعد، في محاضرة ألقاها في لندن عام 1919، إذ قال: “ان نظرية ما قبل الألفية تتجذر في تقاليد عديدة وفي حاجات الزمن الراهن وآمال المستقبل. وهي أهم بكثير من سبعمائة ألف عربي يعيشون على هذه الأرض العتيقة”. دون ان يقصد أقر بأن فلسطين بها سكانها؛ بينما التلفيقات للاحقة زعمت ان البلاد الأرض قاحلة أحالها الغزو الصهيوني زاهرة. فما هي منطويات “حاجات الزمن الراهن وآمال المستقبل ” إن لم تعبر عن مصالح الاحتكارات الرأسمالية في نهب شعوب الشرق واستعبادها؟!


التنقيب الأثري


مع قدوم الانتداب واكبته بعثة التنقيبات الأثرية، دخلت بعثة المدرسة الأميركية للآثار، على رأسها وليم فوكسويل أولبرايت. كان متحمسا بقوة للمسيحية الأصولية، أو المسيحية الصهيونية؛ اعتقد بالعهد القديم كمسلمة حتى في دعوته في سفر يشوع إلى المجازر العرقية. أراد ان يسند الوعد بكتاب التاريخ. وما ان عثر على آنية فخارية، ومن دون براهين استخلص “لا بد ان تكون بداية لمملكة داوود”، كما نقل عنه المؤرخ كيث وايتلام، الذي أكد ” من الواضح أن رؤيتنا للماضي هي شيء سياسي بالدرجة الأولى”. سلم فولبرايت بمجزرة أريحا بداية لحضارة التوراة على يدي يوشع، ونسج حولها ما يناظرها في العصر الحديث ضرورة المجازر البشرية في القضاء على الحضارة المتخلفة كي تتوهج حضارة راقية.


اعتماد التوراة كتاب تاريخ لفلسطين من مسلمات الفكر البرجوازي والثقافة المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة، وعنه نسخت الكتب المدرسية في العالم العربي، حيث باتت دولة سليمان وداوود من مسلمات التاريخ الفلسطيني وسبي بابل والعودة من السبي كلها أسقطها التأويل الاستشراقي للتوراة على أرض فلسطين، بعد ترجماتها الى اللغات الحية عن الآرامية واليونانية! يزعم التاريخ التوراتي ان العبرانيين عبروا الى فلسطين حوالي القرن الثالث عشر، هاربين من فرعون مصر مع انتهاء العصر البرونزي وبداية العصر الحديدي. من ثم فالتاريخ اليهودي، كما يطرحه التناخ[كتاب التوراة الأصلي] يطمس التاريخ الفلسطيني. وهذا ما دحضته التنقيبات الأثرية المعتمدة منهج العلم.


ان الإحساس بالماضي مرتبط بالهوية السياسية والاجتماعية للحاضر. وخطاب الدراسات التـوراتـيـة طـالـب ولا يزال يطالب بهذا الماضي لمصلحة إسرائيل. والفكرة الجوهرية التي تركز عليها الدراسات التوراتية تعتبر «مملكة إسرائيل القديمة» حقيقة تاريخية لا جدال فيها، ومن ثم التأكيد على وجود استمرارية تاريخية لمملكة إسرائيل القديمة في بداية العصر الحديدي واقترانها «مباشرة بدولة إسرائيل الحديثة”. ولا يقتصر الأمر على تأكيد هذه الاستمرارية التاريخـيـة، بـل إن الدراسات التوراتية تؤكد التوازي بين أحداث التاريخ، تؤول التاريخ القد يم بما يطابق أهداف الحاضر. وهذا ما سعى فولبرايت لإثباته وفشل في مسعاه.


أسفرت الحفريات التي قامت بها كاثلبن مينون من الجمعية البريطانية للآثار في أريحا خلال الفترة 1952ـ 1958 ثم 1960ـ 1961، عن اكتشاف علمي نقض حكاية التوراة الجوهريةفي جوهرها، حريق أريحا واستهلال حضارة داوود التاريخية بمجزرة السكان الأصليين. وجد التنقيب الأثري أن سور أريحا يعود إلى العصر البرونزي القديم، وهو سابق لحملة يوشع المتخيلة في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، حين لم يكن يحيط بأريحا أي أسوار. قوبل الاكتشاف بالتحدي حتى من قبل الجمعية البريطانية التي سحبت البعثة، فهو يخل بالعقيدة المتوارثة. وتراجع التحدي وثبتت الحقيقة العلمية.


إثر حفريات أريحا نشط التنقيب العلمي للآثار بفلسطين ليثير كتاب ديفيز (البحث عن إسرائيل القديمة) جدلا واسعا حول ما إذا كان التراث التوراتي يمثل مطابقة للواقع؛ لا يوجد تفريق واضح بين سفر التكوين وما يليه حتى نهاية الكتاب المقدس او حتى نهاية جزء (الملوك2)؛ وهكذا يستنتج هيوز (1990 صفحة 96) في دراسته الحديثة حول التسلسل الزمني في سفري القضاة وصموئيل هو “خيال محض اخترعه اليهود في المنفى لكي يمدونا بمشروع تاريخ عمره ألف عام يغطي تاريخ وجود إسرائيل في أرض كنعان.


في عام 1992 برز عالم الآثار توماس طومسون بكتابه ” التاريخ القديم للشعب الإسرائيلي من المصادر الآركيولوجية المدونة”، خلص فيه إلى أن ” مجموع التاريخ الغربي لإسرائيل والإسرائيليين يستند إلى قصص من العهد القديم تستند إلى الخيال”. أثار الكتاب سخط إسرائيل الرسمية والحركة الصهيونية. اضطهد المؤرخ وفصل من عمله الأكاديمي بجامعة مار كويث في ميلووكي. لكن نائب رئيس الجامعة لم يستطع إلا أن يقيّم عاليا كفاءة الأكاديمي طومسون، “من أبرز علماء الآثار وفي طليعة المختصين بالتاريخ القديم لمنطقة الشرق الأوسط”. وأشاد بكفاءة طومسون كذلك جوناثان تاب، وهو عالم بارز في تاريخ المنطقة القديم في المتحف البريطاني، فقال إن ” طومسون دقيق جدا في بحثه العلمي الكبير وشجاع في التعبير عما كان كثير منا يفكر فيه حدسا منذ زمن طويل، وكانوا قد فضلوا كتمانه”. والكتمان مبعثه الخوف من الإرهاب الصهيوني.


في تسعينات القرن الماضي برز أيضا البروفيسور كيث وايتلام بكتابه “اختلاق إسرائيل القديمة وإسكات التاريخ الفلسطيني”، الصادر عام 1996، يفضح بجرأة جميع زيوف الآثاريين التلموديين. سطع نجمه في سماء علم الآثار صوتا للتاريخ الفلسطيني. يركز مؤلف الكتاب عـلـى مناقشة ادعـاء الـبـاحـثـين التوراتيين التقليديين أن التوراة مصدر أساسي للتاريخ، أي بمنزلة سجل للتاريخ، وقـائـع تـاريـخـيـة تسرد، من وجهة نظرهم، للتاريخ اليهودي. طبيعي ان يكون لها تداعيات مهمة في العصر الحديث لأن هذه التمثلات الذهنية تؤكد الهوية الشخصية أو الاجتماعية أو تنكرها [وايتلام : 36]. وهكذا لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لتزويدنا بتسلسل تاريخ إسرائيل [وائتلام: 58]. ونتائج الاكتشافات المتراكمة سددت طعنة قاضية لعلم الآثار التوراتي. [وايتلام: 276].


من مهازل الحالة الفلسطينية والعربية عموما ان يتزامن صدور الكتاب مع تقرير أعده المحافظون الجدد (ملتفون حوا نواة المسيحية الصهيونية) عن الشرق الأوسط بعثوها الى نتنياهو ، الذي كان يخوض حملة انتخابية منافسا لشمعون بيؤس. بناء على التقرير ضمّن برنامجه الانتخابي مبدأ عدم الانسحاب من الضفة. نجح في الانتخابات وراح ينفذ خطة استيطان ضخم بالضفة. بلغ الاستيطان محاصرة التجمعات السكنية الفلسطينية وبات التحريضرعلنيالاعلى تهجير الفلسطيننيين ، بينما ضربت مؤامرة صمت حول كتاب وايتلام”اختلاق إسرائيل القديمة ..شطب التاريخ الفلسطيني”.
يؤكد المؤلف، أن الأبحاث الأثرية تستجلي المعلومات من البقايا المادية للإنسان، ولأن الشعب الفلسطيني كان موجودا على أرض فلسطين منذ أقدم العصور فلا بد من أن تكشف التنقيبات الأثريـة عـن مـثـل هـذه الآثـار المادية. وقد أسفرت هذه الكشوفات بالفعل عن جوانب متعـددة مـن الـتـراث الثقافي الكنعانية. لكن السلطات الإسرائيلية التي تهيمن على الكشف الأثري، تعمل على طمس معالم الحضارة العربية الكنعانية. ما دفعهم إلى بذل الجهود ا لمضنية التي تتخذ شكلا علميا زائفا وتركيز تنقيباتهم الأثرية على هذه الفترة بالتحـديـد. لم يكن تـفـجـُر الحماس الصهيوني لعلم الآثار القد يمة إلا وسيلة لتأكيـد المطالبات الصهيونية بفلسطين”


إن تمثيل فترة العصر البرونزي المتأخر على أنها فترة انهيار حاد للمدنية وللثقافة لتحل معها الثقافة الراديكالية الجديدة (تسلسل تاريخي يناظر تسلسل أحداث 1948) يبدو أنه يؤكد ويعكس الأوضاع التي سادت خلال العقود المبكرة من القرن العشرين [وايتلام:314] ، أي فترة هيمنة قبضة المدرسة الأميركية للتنقيب الأثري، وإسقاط مؤثراتها على التاريخ القديم. الأحداث المثيرة في المنطقة (بداية العصر الحديدي المزامن لهجرة الإسرائيليين -حسب قول التوراة ) ليست مرتبطة بالهجرة الإسرائيلية، ولا يوجد في السجل الآثاري وحده ما يدل على وجود كينونة اسمها إسرائيل. بات من غير المقبول علميا استعمال تعبير “إسرائيلي” في السياق الأركيولوجي للعصر الحديدي المبكر لفلسطين… فالمعلومات الأثرية تمدنا بمعلومات قيمة حول الديمغرافيا والمستوطنات والاقتصاد والتنظيم الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني…. هذه الملاحظات ذات الأهمية العامة يتفق عليها عدد متزايد من الباحثين[وايتلام: 292]. ويورد المؤرخ أن فلسطين خضعت آنذاك لحكم مصر، ويتساءل: كيف يهرب الإسرائيليون من مصر إلى أرض تحكمها مصر؟


يشارك علم الأنثروبولوجيا في تفنيد التاريخ التوراتي؛ إذ ان الامبراطوريات تتطلب تقديم الطعام والخدمات الأخرى للجيوش الجرارة كي تفتح البلدان وتحافظ على إخضاعها. وهذا لم يتوفر إلا في أحواض الأنهار، مصر والعراق، ولم يتوفر بتاتا في القدس كي تكون مهد امبراطورية مترامية.


يدعم المؤرخ الإسرائيلي، شلومو ساند، كيث وايتلام في تقييمه؛ إذ يشير إلى أن “تخيل الماضي ينطلق من تشييد ماض خيالي احتكر خطاب الدراسات التوراتية، هيمن على التاريخ الفلسطيني، بل وأنكر وجوده في الأساس…. خلص إلى القول “إن الأساطير المركزية هذه حول شعب يهودي قديم واستثنائي خدمت بإخلاص تام نشوء الفكرة القومية اليهودية والمشروع الصهيوني وأعطت تبريراً لعملية الاستيطان في فلسطين… الحقائق الأركيولوجية الدامغة على الأرض وأكاذيب تاريخية صنعتها الصهيونية العالمية لاحتلال فلسطين لزرع كيان غريب يملك القوة العسكرية ويخدم الغرب”.
يضيف ساند” في سبعينات القرن العشرين، أي بعد قيام حكومة إسرائيل بتوحيدها ” إلى الأبد” كانت مربكة للخيال الماضوي الفخور. لم يتم العثور في سائر المواقع المدشنة حول الأقصى بقايا أو آثار تدل على وجود مملكة مهمة في القرن العاشر قبل الميلاد. وهو العصر المقدر لحكم داوود وسليمان. لم يكتشف أي شاهد على بناء عظيم؛ ولم يكن هناك أسوار ولا قصور فخمة [ساند :161]..


طعن كاتب صهيوني في ادعاء إسرائيل احتكار وراثة الإسرائيليين القدامى. إنه آرثور كوستلر، مؤلف كتاب” القبيلة الثالثة عشرة ” وفيه يعرض أصول اليهود الأشكيناز من قبيلة الخزر التي لا تمت بصلة لليهود “المنفيين” من إسرائيل القديمة.

ظهر الكتاب أواخر سبعينات القرن الماضي، مع تسلم بيغن السلطة وشروعه برنامج استيطان موسع يجعل من المستحيل إقامة دولة فلسطينية. قبل كوستلر صدرت دراسات عديدة عن دولة الخزر التي دمرها الغزو المغولي في مسيرته لتدمير الخلافة الإسلامية في بغداد، من بينها بحث معمق نشره عام 1954الباحث البريطاني، دوغلاس دونلوب. لم يذكر كيف انهارت دولة الخزر. انضم كوستلر الى الحركة الصهيونية وأصدر عدة كتب ترجمت إلى العبرية. غير أن كتابه “القبيلة الثالثة عشرة” جلب عليه سخط الحركة الصهيوينة المتمسكة بفرضية ” الشعب الضارب في القدم” ، أورد كوستلر في كتابه ان “الأغلبية الكبرى من اليهود في العالم كله هم من أصل أوروبي شرقي، ولعلهم بالدرجة الأولى من أصل خزري. وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن أجدادهم لم يجيئوا من الأردن، بل من نهر الفولغا. اجل لم يجيئوا من أرض كنعان بل من القوقاز التي اعتقد فيما مضى أنها مهد الجنس الآري”. اعتبر مؤلف كوستلر ” معيبا ومخزيا ولاساميا ” في نظر الصهاينة.


هكذا أسهم العلم بموضوعيته وجرأة باحثيه في نسف الرواية الصهيونية وفضح طابع التلفيق والتزييف في الاستدلال بالمقدس. غير ان منطق العلم لا يقهر غطرسة القوة المادية ونزواتها. لم يأخذ تقرير لجنة كينغ – كراين، التي بعثها الرئيس الأميركي ويلسون الى فلسطين لتحري الحقيقة، تأكيدات اللجنة برفض ادعاءات الصهيونية القائلة ان الميزة التي سيعطيهم اياها الكتاب المقدس اهم من رغبة الفلسطينيين في تقرير المصير على انها ذات قيمة. فالادعاء الذي قدمه الممثلون الصهاينة والقائل ان لهم حقا في فلسطين اساسه احتلالهم لها قبل الفي سنة لا يمكن اخذه مأخذ الجد”.

(سواريز59) ولهذا تم حجب التقرير ولم يقدم الى مؤتمر فرساي . ولدى حصول صحيفة نيويورك تايمز على التقرير نشرته يومي 3و4 ديسمبر 1922، وقدمت للتقرير ” مما يؤسف له ان العالم لم يطلع عليه قبل ثلاث سنوات، قبل ان تتخذ الأحداث المجرى الذي اتخذته في الشرق الأوسط، ولم يعد بالإمكان تغييره.”


التلفيق من أجل الخداع


“يا لها من شبكة عويصة ننسجها عندما نشرع ممارسة الخداع”، حكمة استهوت الباحث الأميركي ، ريزا بهنام ، يعلق عليها فيقول: “لكي نفهم كيف وصلنا إلى ما وصلنا اليه، نحتاج للاستعارة من والتر سكوت، المؤلف الاسكتلندي في القرن التاسع عشر… إسرائيل دولة متمرسة في خداع المعلومات. وعلى مدى نصف قرن من الزمن، ساهمت في تحديد السردية وسيطرت على بيئة المعلومات من أجل إخفاء احتلالها لعنصري الوحشي وأهدافها التوسعية في فلسطين. غمرت الجماهير، خاصة في الولايات المتحدة، بالمعلومات المؤيدة لقضية إسرائيل وقمعت كل من تحدى خطابها”.


تلقى فرويد، عالم التحليل النفسي المشهور رسالة أوائل ثلاثينات القرن الماضي تطلب منه الدعم للمشروع الصهيوني بفلسطين، فجاء رده الرافض في رسالة أبقيت مغيبة ردحا من الزمن: “كان من الأجدى، فيما يبدو لي، بناء وطن يهوديّ على أرض غير مشحونة تاريخيّا. لكنّني أعرف أنّ فكرة عقلانيّة من هذا القبيل لا يمكن أن تستدرّ حماسة الجموع ولا معونة الأثرياء. وأقرّ أيضا، وبكلّ أسف، أنّ تعصّب مواطنينا غير الواقعيّ يتحمّل نصيبه من المسؤولية في إثارة الارتياب لدى العرب. لا يمكن لي أن أبدي أيّ تعاطف ممكن مع تديّن مؤوّل بطريقة خاطئة”.


وانتقدت ديبورا كوين، يهودية باحثة في جامعة تورنتو الكندية، “تتمتع الحكومات الاستعمارية الاستيطانية في أمريكا الشمالية بتاريخ طويل في تهجير السكان الأصليين، وليس لديها مشكلة في التحالف مع دولة تفعل الشيء نفسه مع الفلسطينيين. فالإمبريالية ما زالت حية، وبصحة جيدة في العالم، وهذا ما نراه عبر هذه المعايير المزدوجة…هناك أيضًا لوبي مؤيد لإسرائيل نشط ومزود بموارد جيدة يعمل على تشكيل وسائل الإعلام والعديد من المؤسسات الأخرى في كندا والسياقات الغربية الأخرى”.


اجتذبت المعضلة لفلسطيني اهتمام البروفيسور غاري فيلدز، يهودي الديانة، أستاذ دائرة الاتصالات بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو ومؤلف كتاب عن ” المناظر الطبيعية الفلسطينية في مرآة التاريخ”:

وفقاً للمحكمة[العدل الدولية ]، أنشأت إسرائيل في الأراضي الخاضعة لاحتلالها نظاماً من القوانين والسياسات والممارسات أدى إلى الفصل العنصري والمعاملة القانونية التمييزية ضد الفلسطينيين. ومن خلال هذه التدابير، فإن مثل هذا النظام يشبه نظام الأبارنهايد، يُخضع الناس لمجموعات مختلفة من القوانين والسياسات والممارسات وفقا للجنس أو العرق أو الدين.


منذ عدة سنوات، أدانت منظمات حقوق الإنسان، مثل منظمة العفو الدولية ومنظمة حقوق الإنسان، إسرائيل باعتبارها دولة فصل عنصري


ثم يوآف ليفين، الدكتور في سيكولوجيا علم الأعصاب السلوكي، يهودي الديانة، لدى استعراض ممارسات الدولة الصهيونية، استنكر “ما بدأ كنداء ’ دفاعا عن النفس‘ قد تحول إلى مغامرات عسكرية ذات أهداف هجومية صريحة وما يرتبط بها من بروباغاندا، تشمل احتمال ضم غزة وربما أماكن أخرى في لبنان؛ بينما يتم تغطية هجمات المستوطنين المتزامنة وعمليات السطو واسعة النطاق التي يقوم بها المستوطنون على الأراضي في المناطق المحتلة بالضفة الغربية. بل إن ’ الدفاع عن النفس‘استُخدم كذريعة للتعذيب”. وأضاف: يعتمد الاستعمار الاستيطاني في كثير من الأحيان على تصوير المناطق مستهدفة على أنها مأهولة ببرابرة بدائيين مجردين من إنسانيتهم ولا يستحقون الأرض.

سمح هذا التصوير للصهاينة بتهجير السكان الفلسطينيين الأصليين دون أي هواجس أخلاقية، وتأطير إنشاء المستوطنات “لليهود فقط” كأمر واقع، وحق إلهي. ضمن هذا السياق، باتت أي معارضة للجماعة الصهيونية المصطنعة تهديدا وجوديًا، يُستخدم لتبرير الرد ’ الدفاعي‘الوحشي في الغالب، المتضمن إبادة جماعية للسكان الأصليين، ’الآخر‘ الفلسطيني.


“خيار شمشون” عنوان كتاب أصدره عام 1991سيمور هيرش، صحفي التقصي الأبرز، يهودي الديانة، تناول الإذعان الأميركي لقرار إسرائيل بامتلاك السلاح النووي وتصنيعه، ” كانت لدي آمال عريضة بمبيعات الكتاب في أميركا، حيث أن ما كشفه حول حجم ترسانة إسرائيل النووية أصبح القصة الرئيسة في صحيفة التايمز منذ أن نزل الكتاب الى الأسواق خريف 1991. لكنه سرعان ما أصبح واضحا اننا نواجه قوة إسرائيل ونجابهها، لأن نظرة تحليلية للدور الأميركي منذ رئاسة أيزنهاور ومن جاء بعده من الرؤساء هو الإذعان وتحاشي مجابهة إسرائيل بخصوص سلاحها النووي السري… الكتاب هيأ لي نظرة تبصر في واقع العالم العربي… ليس لدي الوقت لأناقش الموضوع في خمس او ست عواصم عربية، وعليه لم أسافر هناك [393] الدرس الذي تعلمته انه سيتحقق السلام في العالم في وقت ما بين البيض والسود وبين روسيا واميركا وبين الأغنياء والفقراء قبل التوصل الى اتفاق بين العرب والإسرائيليين [394]”….


جدعون ليفي، ا الكاتب الصحفي الشجاع، في حوار مع صحفي التقصي الأميركي ، كريس هيدجز: “لن يقوم أحد، من الدول الأخرى، بإجلاء هؤلاء المستوطنين[بالضفة الغربية] البالغ عددهم 700 ألف. إنهم المجموعة الأقوى في المجتمع الإسرائيلي وفي السياسة الإسرائيلية، وبدون إجلائهم لن تكون هناك دولة قابلة للحياة؛ حدود 67، هي في الحقيقة الحد الأدنى، لأننا نتحدث عن حوالي 20% من أراضيهم الأصلية، وحتى هذه المنطقة مأهولة الآن بالمستوطنين.


أؤكد لك، كريس، أن جميع أولئك الذين يدعمون حل الدولتين تقريبًا يعرفون جيدًا أنه ليس هدفًا قابلاً للتحقيق، ولكن من المريح جدًا التمسك بالحل القديم، فقط أقول إنها على الرف، وسوف نستخدمها يومًا ما.


تتجاهل إسرائيل و تغيب هذه الضمائر الحية والعقول المنفتحة على الفكر الإنساني ، فكر تآخي الشعوب، الى جانب المئات على شاكلتهم، تنكر وجودهم وتواصل الادعاء انها تمثل يهود العالم وان انتقاد تصرفاتها المنكرة عداء لليهود.

شاهد أيضاً

الاحتلال يعلن مقتل ضابط في معارك وسط قطاع غزة

الاحتلال يعلن مقتل ضابط في معارك وسط قطاع غزة

شفا – أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي اليوم الخميس، مقتل ضابط في معارك وسط قطاع غزة. …