ماذا بعد الجولان؟ بقلم : بديعة النعيمي
كان كتاب “حاييم وايزمان” “الصهيونية والمستقبل اليهودي” الصادر في صيف ١٩١٦، يحمل الموقف الصهيوني الرسمي الذي أراده “وايزمان” ليصل إلى أسماع رجال السياسة في بريطانيا في ذلك الوقت.
وقد جرى تصميم الكتاب الآنف الذكر بمهارة فائقة ليكون بمثابة تصريح جدّي ورسمي حول ما سمي ب “القضية الصهيونية”.
أما الهدف من وراء مضمون الكتاب فهو تعريف القارئ الناطق بالانجليزيه بمعنى الصهيونية واستعراض منجزاتها.
ومن الجدير بالذكر أن نفقة طباعة الكتاب كانت على حساب البارون البريطاني اليهودي “إدموند دي روتشيلد”. وقد لجأ الصهاينة إلى توزيع الكتاب على رجال السياسة البريطانيين وتحميل بعضهم عمل مراجعة على الكتاب ونشر المراجعات في كبريات الصحف البريطانية. ومن هؤلاء كان اللورد “كرومر” الذي نشر مراجعته في صحيفة “سبكتيتور” بتاريخ ١١/أكتوبر/١٩١٦. فكان من نتائج ذلك أن حظي الكتاب برواج كبير كما قال “وايزمان”، واختار العبارة الآتية من المراجعة:
“سوف يهتم الجمهور البريطاني بهذا الموضوع أكثر بكثير مما يبدو الآن..ولن يمر وقت طويل قبل أن يجد الساسة أنفسهم عاجزين عن طرح المسألة جانبا بحجة كونها الحلم الخيالي لنفر المثاليين”.
لكن ما يلفت النظر في الكتاب هي تلك الملاحظة التي وردت في إحدى مقالاته وتحدثت عن حدود فلسطين، وقد ألحقها القيّمون على نشر الكتاب بخريطة لفلسطين تمتد من بيروت إلى خليج العقبة وأنها كانت بلا توقيع، وسواء كان إغفال التوقيع بقصد أو بغير قصد فإن ذلك يدل على اعتبار موضوع الحدود المستقبلية لفلسطين، مثار اهتمام الصهيونية آنذاك. بالإضافة إلى سعيهم المستمر لتوجيه أنظار الساسة البريطانيين والرأي العام اليهودي والبريطاني نحو هذه المسألة بالذات أي مسألة الحدود.
وقد عرض كاتب “الملاحظة حول الحدود” حدود فلسطين كما يتمنى لها الصهاينة أن تكون فيما لو جرت الرياح بما تشتهي سفنهم، ووصف الرقعة التي وضع حولها ملاحظاته على أنها “مساحة لا تستحق الذكر”، ولكنه ذكرها لأنها تضم المراكز التي لا غنى عنها لتطور البلاد الاقتصادي.
وهنا لا بد من ذكر بعض المقتطفات التي جاء ذكرها في تلك المقالة حول الحدود، حيث لا يسعنا الإتيان عليها بهدف عدم الإطالة.
وفي ما يأتي أجزاء مما جاء فيها:
“يخبرنا كل من سفر الملوك الاول والإصحاح الرابع عدد ٢١ “وكان سليمان متسلطا على جميع الممالك من النهر والفرات، إلى أرض فلسطين وإلى تخوم مصر”.
ومما اخترناه أيضا الفقرة الآتية:
“ويتحدث سفر الملوك الأول “٢٦:٩” ،وأخبار الأيام الثاني “٨:١٧ـ ١٨” كيف أن سليمان لما أكمل بناء بيت الرب وبيت الملك في القدس، عمل سفنا في عصيون جابر “العقبة” التي بجانب أيلة “إيلات” على شاطئ بحر سدف في أرض أدوم “البحر الأحمر”…….لكن أسباط بني إسرائيل الاثني عشر الذين توحدوا من جديد تحت صولجانه، لم يكونوا سوى شعب واحد وسط عدد كبير من الشعوب الأخرى. وإذا كانت سيادة داوود وسليمان قد امتدت شمالا حتى نهر الفرات وجنوبا حتى تخوم مصر والبحر الأحمر…”
ثم يتطرق كاتب المقال إلى ذكر حدود الدولة التي يحلم بها الصهاينة بالتفصيل، نذكر منها باختصار ما يأتي:
“الحد الغربي شاطئ البحر الأبيض المتوسط”. أما الحد الشمالي فهو يمتد من الشاطئ شمالي صيدا “صيدون” ويسير في خط مستقيم مارا بوادي اللّوا إلى بحيرة براك إلى جنوب الجنوب الشرقي من دمشق.
والحد الشرقي يمتد بمحاذاة وادي اللّوا ويرسم قوسا واسعا يصل شرقا إلى مشارف المنطقة الجبلية في اللجا..حتى يصل غربا إلى البحر الميت.
أما الحدود الجنوبية فتمتد من جنوب طرف البحر الميت صاعدة وادي عربة وتدور من هناك صوب الغرب حتى وادي العريش…
ثم يفصل الكاتب بعد ذلك في الحدود الشمالية فيقول:
“في الشمال عند الأميال الخمسة الأولى…مارا بمحاذاة الطرف الجنوبي لجبل لبنان وجبل حرمون .. إلى جنوبي شرق بصرى الشام…حنى يصل إلى مهبط الجفر الذي يبعد ٢٠ ميلا إلى الشرق من معان.
إذن فالرقعة التي يفصل فيها كاتب المقال تشمل كما يقول ” ما كان في الزمن التوراتي إرث أسباط إسرائيل الاثني عشر”.
واليوم بتاريخ ٨/ديسمبر/٢٠٢٤ نجد الجيش الصهيوني وبعد سقوط نظام الأسد يقتحم الجولان ويعيد احتلاله.
فعن ”واينت العبري”
أهمية استراتيجية هائلة”: أهمية جبل حرمون السوري الذي تم السيطرة عليه بعد 51 عامًا.
تطل قمة جبل حرمون على مساحة واسعة من خلال الرؤية والنيران، وكانت قد تم السيطرة عليها سابقًا في حرب يوم الغفران، ولكنها أُعيدت إلى سوريا. قال اللواء (احتياط) حاييم نادل، الذي قاد القوة التي احتلت الموقع آنذاك خلال عملية “كينوح”: “كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي، وهو يثير مشاعري”. وأضاف العقيد (احتياط) صهيون زيف: “عندما سمعت كم كان من السهل السيطرة على الحرمون اليوم، فكرت في الذين فقدناهم في ذلك الوقت”.
بريطانيا أتاحت في ٤٨ للحركة الصهيونية الحصول على معظم فلسطين واليوم وبدعم أميركي غربي هل سيتحقق حلم “وايزمان” بالحصول على تلك الحدود التي ذكرت في كتابه؟ وبعد الجولان إلى أين؟