إشكالية بناء الشخصية في السرد الروائي العربي ، دراسة نقدية للكاتب أمين دراوشة ، بقلم : جوان سلو
اصدارات دار ميزوبوتاميا للنشر والتوزيع والترجمة في سوريا – قامشلي
تعد الرواية فناً أدبياً بالغ التأثير في الساحة الأدبية العربية والعالمية، بفضل قدرتها الفائقة على تصوير الواقع بكل تعقيداته من خلال فضائها الواسع والشخصيات المتعددة. ومن بين أهم العناصر التي تميز الرواية، تأتي “الشخصية” في مقدمة هذه العناصر، سواء كانت شخصية رئيسية أو ثانوية. تُعتبر الشخصية في الرواية، كما تقول الناقدة سيزا قاسم، كائناً موهوباً، يحمل صفات بشرية وملتزماً بأحداث بشرية، مما يعكس واقعاً معقداً من خلال أفعاله وحركته التي تؤدي إلى نهايته.
طرح الكاتب أمين دراوشة مفهوم الشخصية الروائية في الرواية بطريقة نقدية مغايرة، فهي ليست مجرد مخيلة مبتكرة، بل هي كائن حي، يسير في عالمه المأزوم ويحاول تجاوز العقبات والصعاب التي تضعها الحياة أمامه. بالرغم من أن الرواية قد تخلط بين الخيال والواقع، إلا أن الشخصيات في معظم الأحيان تتسم بالواقعية، حيث تكشف عن جوانب الحياة الإنسانية التي تعاني من الظلم والاحتلال والاضطهاد. في هذا السياق، تبدو الشخصيات الرئيسة في البداية تائهة في بحثها عن الذات، لتجد بعد ذلك طريقها الخاص.
وقد تتعدد طرق تقديم الشخصيات في الرواية العربية، حيث قد تُعرض الشخصية مباشرة من خلال الراوي أو عبر شخصية ثانية. ويختلف دور الشخصيات في الروايات بحسب وظيفتها السردية؛ فهناك الشخصيات الديناميكية التي تشهد تحولاً إيجابياً في حياتها، والشخصيات السلبية التي رغم تحركاتها، تظل ثابتة في مواقفها ولا تغير من واقعها. وقد تركزت الدراسات النقدية على تحليل هذه الشخصيات ودورها في تطوير الحبكة وتقديم الأفعال السردية.
تناولت الدراسة ( إشكالية بناء الشخصية في السرد الروائي العربي) مجموعة من الروايات العربية التي تمثل قسماً مهماً من الأدب العربي المعاصر، مع التركيز على الرواية الفلسطينية التي تعكس ملامح الصراع والتغيير الاجتماعي. تم اختيار هذه الروايات بعناية، بدءاً من الروائي الكبير جبرا إبراهيم جبرا وصولاً إلى الكاتبة الشابة ليلى حسن، مما يعكس تطور الكتابة الروائية العربية وتأثير الأحداث السياسية والاجتماعية على بناء الشخصيات الروائية.
ففي الرواية التقليدية، يعتمد البناء السردي على مجموعة من العناصر الأساسية مثل المكان والزمان والشخصية والحدث، حيث يشكل تطور الشخصيات عنصرًا حاسمًا في تطور الحبكة. تعكس الشخصية الروائية من خلال أفعالها ودوافعها حركة المجتمع وقوى التغيير. كما يشير النقد الأدبي إلى أن الاهتمام الكبير بالشخصية كان نتيجة هيمنة النزعات الاجتماعية والسياسية على الأدب، حيث يتجسد فيها الهم الوطني والتاريخي. لذلك، يصبح فهم الشخصية وتقديمها بدقة جزءًا أساسيًا من فنية الرواية.
وفي الرواية التاريخية، تأخذ الشخصية بعدًا واقعيًا وتاريخيًا مع ربطها المكاني والزماني، وتصبح أداة لفهم تلك الحقبة من الزمن، حيث تساهم في إضاءة الأحداث الاجتماعية والسياسية. لذا تكتسب الشخصية، سواء كانت رئيسية أو ثانوية، أهمية كبرى في بناء الرواية التقليدية. وتعتبر الشخصية في هذا السياق محور الرواية، وتحرك الأحداث وتستجيب للتغيرات المفاجئة التي تطرأ عليها.
من جهة أخرى، يميز الكاتب دراوشة بين الشخصيات المدورة والشخصيات المسطحة. فالشخصية المدورة هي تلك التي تمر بتطورات وصراعات معقدة، تنمو وتكشف عن طبقات متعددة من نفسها، في حين أن الشخصية المسطحة تظل ثابتة في دورها، تقوم بوظيفة معينة دون تغيير. وقد أشار الناقد عبد الملك مرتاض إلى هذه التفرقة، حيث اعتبر أن الشخصيات المدورة تساهم في إضفاء الحياة على الرواية، بينما تقتصر الشخصيات المسطحة على تقديم وظيفة محددة لا تتعدى إظهار جانب واحد من الشخصية.
يمكن القول أن بناء الشخصية في الرواية العربية يتجاوز كونه مجرد عنصر سردي؛ فهو يشكل محركاً أساسياً للأحداث ويعكس التوترات الاجتماعية والسياسية. فالشخصية ليست مجرد تمثيل للواقع، بل هي مفتاح لفهم مكونات العالم الروائي، سواء كانت في حالة تطور مستمر أو ثابتة في مكانها.