
الوحدة السياسية الفلسطينية حياة أو موت في ظل ما يحصل في المنطقة، بقلم : م. غسان جابر
تواجه القضية الفلسطينية في الوقت الراهن تحديات غير مسبوقة تهدد وجودها كقضية سياسية ذات ثقل إقليمي ودولي. هذه التحديات ليست فقط نابعة من الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الاستيطانية، بل أيضاً من التطورات الجيوسياسية في المنطقة ومن حالة الانقسام الفلسطيني الداخلي التي استمرت لأكثر من عقد ونصف. في ظل هذا الوضع، أصبحت الوحدة السياسية الفلسطينية خيارًا استراتيجيًا لا مجال للاستغناء عنه، بل هي ضرورة وجودية تفرق بين استمرار الكفاح من أجل الحقوق المشروعة أو الانزلاق نحو تراجع خطير قد يُفقد القضية أهميتها على الساحة العالمية.
التحديات الإقليمية والدولية
تشهد المنطقة العربية والإقليمية تطورات سريعة، أبرزها تغير خريطة التحالفات واتجاه بعض الدول نحو التطبيع مع إسرائيل، في ظل تراجع الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية لصالح أولويات أخرى مثل قضايا الإرهاب، والهجرة، والتنافس بين القوى العالمية. هذا الوضع يجعل الفلسطينيين أكثر عزلة في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، مما يفرض عليهم مسؤولية مضاعفة لتوحيد الصفوف وتحقيق استراتيجية سياسية واضحة وفعّالة.
في الوقت ذاته، تستمر إسرائيل في استغلال هذا الانقسام الفلسطيني لتعزيز استيطانها وفرض سياسة الأمر الواقع. تقويض حل الدولتين واستمرار الحصار على غزة وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس يفرض تحديًا وجوديًا على الشعب الفلسطيني، يستدعي موقفًا سياسيًا موحدًا لمواجهة هذه المخططات.
الانقسام الفلسطيني: عائق أمام التحرر
لا يمكن إنكار أن الانقسام بين حركتي فتح وحماس منذ عام 2007 أضعف الموقف الفلسطيني على الصعيدين الداخلي والخارجي. هذا الانقسام أدى إلى انقسام جغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وأثّر على الأداء السياسي والدبلوماسي الفلسطيني في المحافل الدولية. أصبح من الصعب التنسيق في مواجهة المخاطر المشتركة، وبات العدو يستغل هذا الوضع لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية.
الانقسام الداخلي لا يقتصر فقط على البُعد السياسي، بل يمتد ليشمل جوانب اقتصادية واجتماعية وثقافية، مما ينعكس سلبًا على حياة المواطن الفلسطيني ويفاقم من معاناته اليومية. تعزيز الانتماء الوطني والتوافق على برنامج سياسي مشترك بات ضرورة لا تقبل التأجيل.
الوحدة السياسية: طريق للخلاص الوطني
الوحدة السياسية ليست مجرد شعار، بل هي السبيل الأوحد لتحقيق المصالح الوطنية الفلسطينية. من دون وحدة حقيقية، ستظل فلسطين عرضة للضغوط الخارجية والتهميش السياسي. تتطلب هذه الوحدة التفاهم على رؤية وطنية مشتركة تتجاوز المصالح الحزبية وتضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
يجب أن تبدأ خطوات الوحدة بإجراء انتخابات ديمقراطية تشمل كافة المؤسسات الفلسطينية، وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني، بحيث تشمل كافة الفصائل والقوى السياسية. كما يجب الاتفاق على استراتيجية نضال وطني موحدة تجمع بين المقاومة الشعبية والدبلوماسية الدولية.
أهمية المصالحة في مواجهة الاحتلال
المصالحة الوطنية ستعزز من قدرة الفلسطينيين على مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته التوسعية. عندما يكون هناك صوت فلسطيني موحد، يصبح من الصعب على إسرائيل تشويه الصورة أو ادعاء غياب الشريك الفلسطيني في عملية السلام. كذلك، توفر الوحدة فرصة لتعزيز الدعم الدولي والإقليمي، خاصة من الدول التي لا تزال تدافع عن الحقوق الفلسطينية.
نقول أن الوحدة السياسية الفلسطينية لم تعد مجرد خيار تكتيكي، بل أصبحت مسألة حياة أو موت للقضية الفلسطينية. استمرار الانقسام يعني استمرار التراجع في الحقوق الوطنية، بينما تحقق الوحدة يعني القدرة على مواجهة التحديات وتعزيز الأمل بإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. في هذه اللحظة التاريخية، يجب على القيادات الفلسطينية تغليب المصلحة الوطنية العليا، والاستجابة لصوت الشعب الذي يطالب بوحدة الصف من أجل مستقبل أكثر عدلًا وكرامة.
م. غسان جابر( قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)