شفا – رفع المتحف الفلسطيني، اليوم الاثنين، الستار عن أربع جداريات لفناني جماعة “نحو التجريب والإبداع”، وذلك في مقره الكائن في بلدة بيرزيت شمال رام الله.
وجاء إسدال الستار عن جداريّات الفنّانين مؤسّسي جماعة “نحو التجريب والإبداع”: سليمان منصور، و نبيل عناني، و تيسير بركات، و فيرا تماري، متزامناً مع الذكرى ال37 لاندلاع الانتفاضة الأولى المجيدة، وفي سياق التظاهرة الفنيّة التي أطلقها المتحف الفلسطيني في شباط الماضي.
يجمع بهو المتحف الجداريّات الأربعة على جدران متقابلة، تذكّرنا بأنّ الأرض هي مادّة الفنّ الأولى، وتذكّرنا بلحظة التكوين الأولى للأفكار الثوريّة.
في عمله “على جناح ملاك”، أعاد الفنّان سليمان منصور تصوير مدينة القدس عبر مساحات طينيّة شاسعة، تعكس تشقّقاتها جمال المدينة وانكساراتها، وتُبرز الزخارف المستوحاة من أنماط التطريز الفلسطيني روح المدينة، وسكينتها، وقدسيّتها، وتشير إلى مكانتها في وجدان الفلسطينيّين على اختلاف أماكن وجودهم، ويقينهم بالوصول إلى وجهتهم بعد المسير الطويل.
في عمله “مسيرة الأشجار”، قدّم الفنّان نبيل عناني تكوينًا بصريًّا يمزج بين الإنسان والطبيعة، ويعبّر عن حكاية الشعب الفلسطيني المتجذّر في أرضه. يتّخذ العمل الأشجار رمزًا يجسّد حراك الفلسطينيّين الجماعي، دلالةً على التحامهم بأرضهم وبعضهم البعض، في مسيرهم نحو الحريّة.
فيما اعتمد الفنّان تيسير بركات في تكوين عمله “البحث عن الأرجوان على شواطئ المتوسط” على مادّتَين أساسيّتَين هما: النار والخشب، بوصفهما البدايات الأولى للحياة، ويمزج بين الرموز الكنعانيّة والأساطير القديمة، مستعرضًا رحلة البحث عن الأبديّة، في عودة رمزيّة إلى أولى شعائر العبادة، وأوّل ركوب البحر، ورحلة جلجامش بحثًا عن الخلود، وأولى إشارات التمدّن والحضارة.
أما الفنّانة فيرا تماري فواصلت في عملها “حارسات الأرض” استكشاف رمزيّة شجرة الزيتون باعتبارها شاهدًا على تاريخ الأرض وثقافتها الأصيلة. يضمّ العمل 3288 شجرة زيتون خزفيّة، عبر تكوين يمتدّ على 28 مترًا، في إشارة رمزّية إلى عدد أشجار الزيتون التي يقتلعها الاحتلال الإسرائيلي بشكل يومي ومتعمّد، واستحضار لانسيابيّة التلال الفلسطينيّة، وتدرّجات ألوانها الطبيعيّة، وبيان احتفاء بالأمل والحياة.
بدوره، قال المدير العام للمتحف الفلسطيني عامر شوملي: “ضمن خطّته للسنوات المقبلة، يسعى المتحف الفلسطيني إلى تكليف مجموعة من الفنّانين الفلسطينيّين الذين ينتمون إلى أجيال مختلفة سنويًّا، بهدف خلق مساحة جامعة تروي قصص فلسطين وتوثّقها”.
وأضاف: يأتي إنتاج هذه الأعمال في مواجهة القتل المتعمّد للفلسطينيّين وموروثهم وفنّهم ومنجزهم الحضاري. يدمّر العدوّ مكانًا، فنبني آخر، ويقصف مرسمًا أو عملًا فنيًّا، فننتج العشرات.
يُشار إلى أن جماعة “نحو التجريب والإبداع” تأسست خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، سنة 1989، في سياق كان كلّ ما فيه ينادي بالحريّة ويسير نحوها. في ذلك الوقت العصيب – الملحمي، اجتمع الفنّانون الأربعة في ذروة الحدث، واختاروا أن يتحدّثوا بلغة الجموع، وأن يستخدموا خامات الطبيعة الفلسطينيّة في أعمالهم الفنيّة، استجابة لنداء الانتفاضة الذي دعا إلى ضرورة مقاطعة المنتجات الإسرائيليّة، وقرّروا أن يخوضوا “مغامرة البحث الجمالي، ومحاولة الارتقاء بالرؤية الفنيّة إلى مستوى يؤكّد حريّة الفنّان الداخليّة، وقدرته على استشراف الجمال والحقيقة، في خضمّ نضاله اليوميّ لنيل الحريّة”.
أُنتجت الجداريّات في زمن حرب لا تشبه غيرها من الحروب، في وقت نتعرّض فيه، نحن الفلسطينيّين، وبيوتنا، وجامعاتنا، ومكتباتنا، ومراسمنا، وذاكرتنا، ومكوّنات ثقافتنا للإبادة. وفي هذا الظرف شديد القسوة، نستذكر الانتفاضة الأولى، محطّةً مركزيّةً شكّلت ملامح وجودنا خلال العقود الأخيرة، كما نستذكر مرحلة التجريب والإبداع التي شكّلت وعيًا جماعيًّا بما يجب أن يكون عليه الفنّ: امتدادًا حقيقيًّا للحالة الشعبيّة، وانعكاسًا لتطلّعات الشعب الفلسطيني ونضاله اليومي لنيل الحريّة، عبر تكريس استخدام خامات الأرض المحليّة، وتبنّي أنماط تعبير تجديديّة، تستند إلى الموروث الثقافي.