الاحتلال والهوية الفلسطينية: الانتهاكات الممنهجة للتراث الثقافي ، بقلم : د. سارة محمد الشماس
يُعدّ التراث الثقافي الفلسطيني واحداً من أكثر التراثات في العالم تعرضاً للانتهاكات، حيث يتعرض لمحاولات متواصلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي بهدف تغييره وتشويهه، بل ونسبه إليهم في محاولة لبث الادعاءات التاريخية بخصوص أحقية إسرائيل في فلسطين. وقد شملت هذه الانتهاكات جوانب عدة، سواء في محاولة طمس الهوية الفلسطينية، أو تدمير مواقع تاريخية ودينية تعود للشعب الفلسطيني.
طمس الهوية الفلسطينية
منذ مطلع القرن العشرين، ارتبطت الحركة الصهيونية بمحاولات استهداف متواصلة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم ومن تاريخهم. وحاول الاحتلال الإسرائيلي إلغاء ارتباط الفلسطينيين بفلسطين من خلال سياسة واسعة تهدف إلى عزلهم عن تراثهم وماضيهم التاريخي. ويُعد التراث الفلسطيني -سواء أكان مادياً أم غير مادي- من أبرز ضحايا هذه السياسة.
سرقة التراث وتدميره
لقد كانت محاولات الاحتلال الإسرائيلي لتغيير الطابع الفلسطيني تشمل سرقة الممتلكات الثقافية والتاريخية الفلسطينية ونقلها إلى أماكن أُخرى. وقد شهدنا اختفاء مجموعات كبيرة من التراث الفلسطيني من أماكنها الأصلية، وصولاً إلى محاولة تدميرها كجزء من حملة محو التاريخ. كانت أماكن العبادة والتاريخ، مثل المسجد الإبراهيمي والمسجد الأقصى، هدفاً رئيسياً لهذه الهجمات، حيث أجرت إسرائيل حفريات أسفل المسجد الاقصى ومحاولة لطمس معالمه، في الوقت الذي تستمر فيه الاعتداءات على المواقع التاريخية التي تمثل جزءاً لا يتجزأ من هوية الفلسطينيين.
تهويد التراث الفلسطيني
إحدى السياسات الأُخرى التي اتبعها الاحتلال الإسرائيلي هي “تهويد التراث الفلسطيني”، أي محاولات التلاعب بالتراث الفلسطيني واستخدامه كأداة لصناعة هوية إسرائيلية مزعومة، ومن أبرز مظاهر هذه السياسات هو تغيير أسماء الأماكن الفلسطينية إلى أسماء توراتية قديمة، محاولين بذلك إعطاء انطباع بأن هذه الأماكن ذات صلة تاريخية بإسرائيل. وإضافة إلى ذلك، عمد الاحتلال إلى تزوير التاريخ من خلال فبركة القصص والحكايات الشعبية، واختلاق أساطير تتناسب مع الرواية الصهيونية.
الانتهاكات على التراث غير المادي
لم تقتصر الانتهاكات على التراث المادي فحسب، بل شملت أيضاً التراث غير المادي للشعب الفلسطيني، مثل: الحكايات الشعبية، والرقصات التقليدية، والأغاني، التي تُعد جزءاً أساسياً من الهوية الفلسطينية، ويتم العمل على طمس هذه الثقافة من خلال حظرها أو تزييفها، وادعاء أنها جزء من التراث الإسرائيلي.
تأثير الجدار الفاصل على التراث الفلسطيني
من بين أكثر الانتهاكات إيلاماً كان بناء جدار الضم والتوسع الذي قطع أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية. هذا الجدار لا يقتصر تأثيره على الفلسطينيين من الناحية الاجتماعية والسياسية فحسب، بل يمتد أيضاً إلى تأثيره المدمر على المواقع الأثرية الفلسطينية. فقد تم تدمير العديد من المواقع الأثرية الفلسطينية في مسار الجدار، وتم تهجير السكان الفلسطينيين من مناطقهم التاريخية والثقافية.
الانتهاكات في الميدان الثقافي والعلمي
حاول الاحتلال الإسرائيلي أيضاً السيطرة على الأبحاث العلمية المتعلقة بالآثار الفلسطينية وفرض سردية تاريخية تخدم مصالحه. في هذا السياق، تم تزييف بعض الاكتشافات الأثرية لدعم الرواية الصهيونية، حيث قام علماء آثار إسرائيليون بإدخال نقوش وأدوات تحمل أسماء إسرائيلية على مواقع أثرية فلسطينية قديمة. كما سعت إسرائيل إلى تسجيل بعض المدن الفلسطينية على لوائح التراث العالمي تحت مسميات إسرائيلية مزعومة.
تعددت الانتهاكات الإسرائيلية التي طالت التراث الفلسطيني على مرّ العقود، وتنوعت. فقد شملت هذه الانتهاكات تدمير المواقع الأثرية، وطمس التراث غير المادي، وتشويه التاريخ الفلسطيني من خلال التزوير ونشر الأكاذيب.
وتسعى هذه السياسات إلى إلغاء الوجود التاريخي للشعب الفلسطيني على أرضه، واستبداله برواية مزيّفة تهدف إلى تثبيت أحقية الاحتلال في الأرض والتراث. في ظل هذه الانتهاكات، يبقى التراث الفلسطيني صامداً كرمزٍ لهوية الشعب الفلسطيني، ويشكل أساساً للنضال المستمر في الدفاع عن التاريخ والمستقبل الفلسطينيَّين.