” اليقين بالله: طمأنينة القلوب في محن الحياة ” بقلم د. تهاني رفعت بشارات
في خضم الحياة التي تضج بالمحن وتضيق فيها الأنفاس، يبرز اليقين بالله كمنارة تُضيء ظلمات القلوب، وتهدي الأرواح التائهة. إنه ذاك الشعور الراسخ في أعماق النفس بأن الله، بحكمته المطلقة ورحمته الواسعة، يُدبر الأمور في أوقاتها المثلى، حتى وإن حجبت عنا الحكمة، فإن الخير حاضر في كل تفاصيل قضائه.
حين أخرج الله يوسف عليه السلام من السجن، لم يكن ذلك بصاعقة تهز الأبواب أو بمعجزة تقلب الموازين الظاهرة، بل عبر رؤيا تتسللت إلى خيال ملك نائم، لتبدأ سلسلة من الأحداث تقود يوسف من ظلام الزنزانة إلى نور التمكين. هكذا يعمل الله في هدوء، يرسم أقدار عباده بلطف خفي، لا يحتاج إلى ضجيج أو صخب.
وفي قصة نوح عليه السلام، حين دعا ربه مستغيثاً قائلاً: “إني مغلوب فانتصر”، جاءت الاستجابة بما لم يخطر على باله؛ طوفان يجرف كل من على الأرض إلا السفينة ومن آمن معه. مشهد يختزل رحمة الله وعظيم تدبيره؛ أن ينصر عبده المؤمن حتى لو كان الثمن فناء البشرية، ليبقى الإيمان شاهداً على معجزات الرب العظيم.
أما إبراهيم عليه السلام، حين استلّ سكينه ليذبح ولده الوحيد طاعة لأمر الله، لم يكن يعلم أن كبشاً يُربَّى في الجنة منذ خمسمائة عام ينتظره ليكون الفداء. إنها لحظة من الطاعة المطلقة، يقابلها لطف إلهي يمحو المحنة بنعمةٍ لا تُقدر بثمن.
وفي ظلمة الليل، كان موسى عليه السلام يسير متعباً بحثاً عن قبسٍ من النار، يلوذ به ليُضيء طريقه. لم يدرك وهو يقترب أن الله اختاره ليسمع صوته العظيم، وأن تلك اللحظة ستغيّر مجرى حياته إلى الأبد. هكذا تصنع يد الله أحداثاً عظيمة، من مواقف قد تبدو عادية، لتتحول إلى معجزات فارقة في مسيرة العبد.
وعندما اشتدت الأحزان على قلب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بعد وفاة زوجته خديجة وعمه أبي طالب، واشتد عليه أذى قريش، جاء لطف الله ليخفف عنه بحدث فريد: رحلة الإسراء والمعراج، حيث رفعه الله إلى السماوات العلى، ليخفف عنه أحزانه برؤية الأنبياء ومؤانسة الملائكة. إنها رسالة ربانية بأن من كان مع الله، فإن الله لا يتركه وحيداً.
الشدائد التي نمر بها في حياتنا ليست سوى اختبارات صبر وثقة بالله. هي اللحظات التي يكشف الله لنا فيها عن معادن من حولنا، ويميز الصادقين عن المتظاهرين. قال تعالى: “إن الله مع الصابرين إذا صبروا”، فالصبر مفتاح الفرج، واليقين بالله هو السبيل الوحيد لعبور المحن بأمان.
حين تضيق بك الحياة، ارفع أكفّ الدعاء، وكن على يقين بأن الله يسمع ويرى، وأن رحمته أوسع مما تتصور. لا تقنط من رحمة الله مهما اشتدت عليك الكروب، واعتبر الشدائد فرصة لتطهير قلبك وتقوية إيمانك. تذكر دائماً أن اليد التي تمتد إليك في محنتك هي اليد الحقيقية التي تستحق أن تبقى معك، وأن الله، إذا كان معك، فأنت في غنى عن العالم بأسره.
اليقين بالله هو سر السعادة وراحة البال، فتعلق به، وأحسن الظن به، وسترى كيف يبدد الله ظلمات حياتك، ويبدلها نوراً وأمناً.