غزة بين الكارثة الإنسانية والتعقيدات السياسية: لماذا لم تُعلن منطقة منكوبة؟ بقلم : م. غسان جابر
تعيش غزة ظروفًا إنسانية كارثية نتيجة الحصار المستمر منذ أكثر من 16 عامًا، إضافة إلى التصعيدات العسكرية المتكررة التي أدت إلى تدمير البنية التحتية وتفاقم معاناة سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة. ورغم المناشدات المتكررة من المنظمات الدولية لإعلان القطاع منطقة منكوبة، لم تتخذ السلطة الفلسطينية خطوة رسمية بهذا الاتجاه، وهو ما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا القرار.
الأوضاع الإنسانية في غزة
يعاني القطاع من أزمة إنسانية مركبة، تشمل نقصًا حادًا في الغذاء، المياه الصالحة للشرب، الوقود، والخدمات الصحية. كما أدى الحصار الإسرائيلي المستمر إلى تدمير الاقتصاد المحلي، بينما تسببت الهجمات العسكرية بتشريد آلاف العائلات وتفاقم الأزمات الإنسانية. في ظل هذه الظروف، يبدو أن إعلان غزة منطقة منكوبة قد يكون خطوة ضرورية لجلب انتباه المجتمع الدولي وتوفير الدعم العاجل للسكان.
الأسباب التي تمنع إعلان غزة منطقة منكوبة
- التوتر السياسي بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس
تدير حركة حماس قطاع غزة منذ عام 2007، بعد الانقسام السياسي الذي أدى إلى سيطرتها على القطاع. هذا الانقسام يجعل التنسيق بين السلطة الفلسطينية وحماس شبه مستحيل. إعلان السلطة غزة منطقة منكوبة قد يُفسر كاعتراف ضمني بسلطة حماس في إدارة القطاع، وهو ما تحاول السلطة تجنبه. - المخاوف من فقدان السيطرة
قد تخشى السلطة الفلسطينية أن يؤدي الإعلان إلى تدخل المجتمع الدولي لإدارة الأزمة بشكل مباشر، مما يُضعف من نفوذها السياسي في القطاع ويزيد من تعقيد الوضع الفلسطيني الداخلي. - الضغوط الدولية والإقليمية
قد تكون السلطة تحت ضغوط دولية وإقليمية لعدم إعلان غزة منطقة منكوبة، خاصة أن هذا الإعلان قد يُلقي بمسؤولية قانونية كبيرة على إسرائيل بصفتها قوة الاحتلال، مما قد يؤدي إلى تصعيد دبلوماسي في المنطقة. - الإجراءات القانونية والإدارية المعقدة
إعلان منطقة منكوبة يتطلب إعداد ملف قانوني شامل يتضمن توثيقًا دقيقًا للأوضاع الإنسانية والكارثية. قد تكون هذه الإجراءات معقدة وتحتاج إلى وقت وجهود، في ظل الإمكانيات المحدودة للسلطة الفلسطينية. - الخوف من التداعيات السياسية
إعلان غزة منطقة منكوبة قد يُعطي ذريعة لتدخل أطراف خارجية، وربما يُعزز من الانقسام بين الضفة الغربية وغزة، مما يؤدي إلى وضع سياسي أكثر تعقيدًا. - البدائل المتاحة
قد ترى السلطة الفلسطينية أن المساعدات الإنسانية تصل بالفعل إلى غزة عبر قنوات دولية ومنظمات إنسانية، وبالتالي قد لا تكون هناك حاجة لإعلان رسمي، خاصة إذا كانت الخطوة تحمل تداعيات سياسية غير مرغوبة.
هل الإعلان ضرورة؟
إعلان غزة منطقة منكوبة قد يكون خطوة مهمة لجذب انتباه العالم للأزمة الإنسانية المتفاقمة. كما أنه قد يساهم في تحميل إسرائيل مسؤولية أكبر وفقًا للقانون الدولي، باعتبارها قوة احتلال. ومع ذلك، فإن اتخاذ هذه الخطوة يتطلب توافقًا سياسيًا داخليًا ودعمًا دوليًا واسعًا، وهو ما يبدو غائبًا حتى الآن.
نقول انه بين الضغوط السياسية والمخاوف من التداعيات القانونية والدبلوماسية، تجد السلطة الفلسطينية نفسها في موقف معقد يمنعها من إعلان غزة منطقة منكوبة، رغم حجم الكارثة الإنسانية. في النهاية، يبقى الشعب الفلسطيني في غزة يدفع ثمن الصراعات السياسية والظروف الإنسانية الصعبة، بينما يظل العالم يترقب حلولًا جذرية تنهي معاناة سكان القطاع.
- – م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – فلسطين .