الشرعية الدولية و” غير الشرعية ” الأميركية ” ! بقلم : موفق مطر
متى سيقتنع القادمون الجدد الى البيت الأبيض ، ومجلسا النواب والشيوخ في الولايات المتحدة الأميركية ، أن عصر ألإمبراطوريات والأقطاب الأحادية قد تلاشى ، وأن اميركا لن تكون ” عظيمة ” مادامت فكرة تفريغ الشرعية الدولية من مضامينها ، وشل قدرتها وإرادتها ، والإبقاء على الجمعية العامة للأمم المتحدة ، والمنظمات المنبثقة عنها ، كهياكل صورية فارغة من مقومات الفاعلية ، وعاجزة عن تحقيق هدف تحقيق الأمن والسلام بين الدول والشعوب ، وتنزيه الانسانية ، وحمايتها من السقوط في شبكة مصالح الدول الاستعمارية المادية، فجعل العدالة الأممية نموذجا قابلا للتطبيق ، واحترام حقوق الانسان وحرياته ، وحق الشعوب في تقرير مصائرها ، كان ومازال الهدف الرئيس لإنشائها ، فالعظمة ترفع على قيم ومبادئ وأعمال وأفعال انسانية خالصة ، اما الفظاعة فتكمن في مفاهيم الاستكبار ، واحتقار الآخر تطبيقا لتنظيرات عنصرية ، وأفعال اقل ما يقال فيها ؛ عدائية مستحكمة للحق والحقوق والطبيعة الانسانية ، تعمل على تجريد الانسان من جواهر المحبة والتآخي ، والسمو والرقي بأفكاره وأعماله .
يبدو واضحا وبدن ادنى شك مسعى ادارات الولايات المتحدة ألأميركية المتتابعة القديمة منها والجديدة ، لاحتلال موقع ومكانة الشرعية الدولية ، واستيطان ارضية الشرعي والمشروع والقانوني ، ، ومن ثم تكريس البيت ألأبيض ، والكونغرس ، ومجلس الشيوخ كمرجعية بديلة ، وبدا ألمر واضحا بدقة في نص تهديد السيناتور جون ثون رئيس الأغلبية القادم الى مجلس الشيوخ الأمريكي اثر الانتخابات الأخيرة – من الحزب الجمهوري – بتمرير تشريع عقوبات فورا على الجنائية الدولية : “إذا لم تتراجع المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام عن أوامر الاعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين ” ويقصد بذلك بنيامين نتنياهو رئيس حكومة منظومة الاحتلال ، ويوآف غالانت وزير الحرب السابق في حكومته .
نلاحظ هنا التقاء الجمهوريين والديمقراطيين عند نقطة تعطيل مفاعيل الشرعية الدولية ، فالرئيس الأميركي الحالي جو بايدن وصف طلب المدعي العام للجنائية الدولية بإصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت بعبارة :” أمر مشين ” وجاء موقف بايدن متطابقا مع موقف رئيس مجلس النواب ( الكونغرس ) مايك جونسون – جمهوري – اعلنه في بيان اكد فيه : “تقف الولايات المتحدة بحزم إلى جانب إسرائيل، وترفض السماح للبيروقراطيين الدوليين بإصدار أوامر اعتقال للقيادة الإسرائيلية ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وحسب ، بل أقر الكونغرس في عهد رئاسة ترامب السابقة مشروع قانون دعا إلى فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بعد طلب المدعي العام إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو.. والملاحظه الهامة ايضا استخدامهم مصطلحات مثل :” غير شرعية ، وغير قانونية ، وتفتقر لأسس قانونية ” دون تحديد المرجعيات الشرعية والقانونية التي اعتمدت لتقييم اجراءات الجنائية الدولية ، وهذا مثال آخر على مسعى احلال ما يمكن تسميته (الشرعية الاميركية والقوانين ألأميركية ) مكان الشرعية الدولية ، والقانون الدولي ، أما تهديد 18 نائبا في الكونغرس لمدعي عام الجنائية كريم خان بهذه العبارات : “إذا تم تنفيذ (هذه المذكرات) فسوف تؤدي إلى فرض عقوبات شديدة ضدك، وضد مؤسستك “.. أي ضد أعلى سلطة قضائية في العالم ، مسئولة عن محاكمة وإقرار عقوبات على مجرمي الحرب ، ومرتكبي الجرائم ضد الانسانية ، ونعتقد في هذا السياق أن ألأمر أبعد بكثير من العلاقة العضوية بين الولايات المتحدة الأميركية ومنظومة الاحتلال ، ذلك أن أي مذكرة جلب لنتنياهو المسئول ألأول عن جريمة الابادة ، ستتطلب توجيه اتهامات لأشخاص في مراكز القرار في الادارة الأميركية ، بحكم وواقع مشاركة غير مباشرة بالجريمة – عبر امدادات السلاح – المحرم دوليا والمستخدم ضد المدنيين على الأقل .. لكن الصورة تبدو وكأنها مرتبطة بثوابت حماية اسرائيل ، ومنع تطبيق قوانين الشرعية الدولية على المسئولين في حكوماتها وجيشها .
وبالعودة لترامب فقد وصف الجنائية الدولية بـ : “غير الشرعية ” في قضية تتعلق بتحقيقات في افغانستان حول جرائم الجيش الأميركي هناك ، وهاجم قبل انتهاء ولايته سنة 2020 الجنائية الدولية وهدد :” برد سريع وقوي في حال اتخذت أي إجراء يستهدف بلاده أو إسرائيل وغيرها من حلفاء واشنطن ” .. ولا ننسى أن ترامب قد ارتكب جريمة بحق الشعب الفلسطيني وبحق الشرعية الدولية عندما اصدر قرارا باعتبار القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال اسرائيل ، فيما قرارات الشرعية الدولية كافة وفتوى محكمة العدل الدولية تؤكد أن القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين ارضا محتلة ، ,ان اجراءات اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967 باطلة لا شرعية لها ابدا وفق القانون الدولي .. ومن المهم استحضار رؤية منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية لولاية دونالد ترامب الثانية كرئيس ، حيث اعتبرتها :” تهديدا خطيرا لحقوق الإنسان في الولايات المتحدة والعالم لتبنيه أنصار العنصرية البيضاء ، والسياسات المتطرفة المناهضة للديمقراطية والحقوق الانسانية .