أصيب جل من حضر مؤتمر أصدقاء الشعب السوري في تونس بخيبة الأمل وهم يستمعون إلى خطاب الرئيس التونسي منصف المرزوقي الذي رفض فيه مسألة “المعالجة العسكرية للأزمة السورية سواء بتسليح المعارضة أو التدخل العسكري الأجنبي من أي طرف كان، وذلك لتجنيب الشعب السوري ويلات المواجهة المذهبية والطائفية والعرقية ومخاطر الانزلاق في الفوضى والدمار والتفتيت” بحسب قوله.
وحذر المرزوقي في خطابه من تكرار السيناريو الليبي، قائلا: إن سورية ليست ليبيا، ودعا باسم بلاده إلى “مواصلة العمل السياسي وفق الأطر المتوافرة لاسيما من خلال الأمم المتحدة والجامعة العربية”.
اليوم وبعد شهرين من سماع العالم وجهة نظر الرئيس منصف المرزوقي في إيجاد حل للأزمة السورية بالطرق السلمية، نجد أن الرئيس التونسي قد تغير 180 درجة حول الطريقة التي يمكن من خلالها وقف نزيف الدم في سورية، بعد أن صدمته الوقائع على الأرض وما يقترفه جيش النظام ورجال أمنه وشبيحته من جرائم بشعة بحق المواطنين السوريين، ومن مواقف النظام الحاكم الذي تخطى كل الخطوط الحمر في تعامله مع شعبه باتباعه نهج (الأرض المحروقة) التي لا تبقي ولا تذر ولا تفرق بين بشر وحيوان وشجر وحجر، وكل الشواهد الحية التي تنشرها الفضائيات العربية والأجنبية عن وحشية النظام وسلوكه غير الإنساني في الوسائل التي يتبعها في اقتراف جرائمه التي تفوق التصور والخيال.. هذه الجرائم الفظيعة والبشعة دفعت الرئيس التونسي إلى تغيير موقفه من الأزمة السورية، حيث وجه رسالة قوية إلى بشار الأسد طالبه فيها بوقف “إراقة الدماء”.
ففي مقابلة له مع جريدة الحياة اللندنية نشر يوم الثلاثاء 24 نيسان الحالي أكد فيها “أن نظام دمشق انتهى”.
وقال الرئيس التونسي موجهأ حديثه إلى بشار الأسد: “سترحل بطريقة أو بأخرى. سترحل ميتأ أو سترحل حيأ، وأنه من الأفضل لك ولعائلتك المغادرة وأنتم على قيد الحياة”.
كما قال الرئيس التونسي منصف المرزوقي : “إذا قررت أن ترحل ميتأ، فهذا يعني أنك تسببت في قتل عشرات الآلاف من الأبرياء. كفى إراقة للدماء”.
واعتبر المرزوقي في مقابلته أن خطة المبعوث الدولي إلى سورية، كوفي عنان، “لن تنجح” لأن الـ300 مراقب – الذين قرر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إرسالهم إلى سوريا – لن يكونوا كافيين من أجل التحقق من احترام وقف إطلاق النار الذي يتم انتهاكه باستمرار منذ دخوله حيز التنفيذ في الثاني عشر من نيسان. وشدد المرزوقي على أهمية تطبيق “السيناريو اليمني في سورية”، قائلاً “إن على الروس والصينيين والإيرانيين أن يفهموا أن الرئيس السوري بشار الأسد انتهى”.
وتحدث الرئيس التونسي عن “سيناريو كارثي بمواصلة ذلك العمل المجنون (عنف النظام ضد الشعب). هذا الرجل (الرئيس السوري) هو في رأيي غير مستعد لأي تنازل، وبالنسبة لي (الحل) يكمن في السيناريو اليمني. لابد أن يفهم الروس والصينيون والإيرانيون أن هذا الرجل (بشار) انتهى، ولا مجال للدفاع عنه، وعليهم أن يقنعوه بالتخلي عن السلطة وتسليمها إلى نائبه، وهذا النائب يستطيع أن يطمئن الأقليات التي ربما تخشى على نفسها. هذا النائب (نائب الرئيس السوري) يجب أن يدخل في حوار مع المعارضة لتبدأ مرحلة انتقالية، بهدف حفظ الأمن والاستقرار وتطمين الأقليات، علماً أن لدي قناعة بأن الشعب السوري واحد ولن يقبل أبداً بتعامل أو انتقام طائفي، لكن لابد من أن تكون هناك قوات حفظ أمن وسلام، وإذا كانت عربية فإن ذلك لا يشكّل أي مس بالسيادة الوطنية السورية، لأننا عرب، وهذا البلد (سورية) بلد عروبي منذ قديم الزمان. بعد ذلك تجرى – بعد الفترة الانتقالية – انتخابات حرة ونزيهة، وآنذاك تجد سورية طريقها نحو الاستقرار وعودة الأمل. هذا هو السيناريو الذي تقترحه تونس، ونأمل بأن يساهم كل العقلاء في تحقيق هذا السيناريو”.
وختم المرزوقي موجهاً كلامه إلى بشار: “أنت (بشار الأسد) سترحل بطريقة أو أخرى. سترحل ميتاً أو سترحل حياً، فمن الأحسن لك ولعائلتك أن ترحل حياً، لأنك إذا قررت أن ترحل ميتاً فمعنى هذا أنك ستتسبب في موت عشرات الآلاف من الأبرياء. يكفي ما أرقت من دم!”.
وسبق وأدلى الرئيس التونسي بتصريحات خاصة لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أذيعت يوم الأحد 22 نيسان الحالي طالب فيها بأن يكون هناك تدخل عسكري من قبل الدول العربية لإنهاء الأزمة السورية والمساعدة على الانتقال الآمن للسلطة هناك، معرباً عن شعوره بالإحباط الشديد لما يجري في سورية.
وأضاف المرزوقي أنه عرض اللجوء على الرئيس السوري بشار الأسد في شباط الماضي، واصفاً ذلك بأنه كان مبادرة شخصية منه لتسهيل عملية نقل السلطة في سورية. وتوقع له مصيراً مشابهاً لمصير القذافي.
وأكد الرئيس التونسي أنه يعلم أن بشار الأسد لم يكن يوافق بأي حال من الأحوال على مغادرة سورية واللجوء في تونس، لأنه لديه أماكن أخرى قد يذهب إليها غير تونس.
وأوضح المرزوقي أنه عرض ذلك اقتناعاً منه بحتمية القيام بأي شيء واتخاذ ما يمكن اتخاذه من خطوات في سبيل وقف “المجازر” الدائرة على أرض سورية.
وتوقع المرزوقي ألا يتوقف بشار عن ممارساته في حق أبناء الشعب السوري، بقوله “لا أعتقد أن هذا الرجل قادر على أن يفعل شيئا سوى أنه سيستمر ويستمر ويستمر”.
ورجح الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أن يواجه بشار في النهاية نفس المصير الذي لاقاه العقيد الليبي الراحل معمر القذافي، واصفا ذلك بأنه سيكون بمثابة مصلحة لسوريا وللعالم العربي كافة. معرباً عن قلقه لما قد يحدث للشعب السوري في الأيام القادمة.
تخوفات الرئيس التونسي مما قد يصيب الشعب السوري من جرائم على يد النظام وجيشه وأمنه وشبيحته إن لم يكن هناك حل سريع لهذه الأزمة في محلها، فقد تغول النظام في دماء السوريين إلى أبعد مدى وراح كالكلب المسعور ينهش لحوم كل ما يصادفه من البشر بجنون وهستيرية، ويدك بآلته العسكرية المدمرة المدن والبلدات والقرى ويحرقها بعد أن ينهبها ويستبيح أعراض حرائرها ودور عبادتها بشكل ممنهج ومدروس.
أخيراً نقول للدب الروسي والتنين الصيني أما آن لكم أن يستفيق فيكم ضمير الإنسان الروسي وضمير الإنسان الصيني وتغيروا موقفكم مما يجري في سورية بعد كل هذه الأنهار من الدماء وبعد كل هذا التدمير للمدن والبلدات والقرى بالسلاح الذي تقدمونه لهذا النظام الباغي؟! أما آن لكم أن تتوقفوا عن مناكفتكم للمجتمع الدولي والتحليق خارج السرب العقلاني حمية لسفاح ونصرة لجزار، يجز الرقاب بسيفكم، ويبقر بطون الحبالى بسكينكم، ويقتل الأطفال والنساء والشيوخ بمسامير قنابلكم، ويخنق الآمنين بغاز سموم متفجراتكم، مقايضة مع حفنة من الدولارات المغمسة بالدم المنهوبة أصلاً من ثروات أبناء الوطن ونتاج عرق جبينهم، فمصلحتكم مع الشعب السوري الذي كم أيد نضال شعوبكم، وهتف باسم قادتكم، ووقف إلى جانبكم في قضاياكم العادلة، وعليكم أن تعوا أن مصلحتكم لن تكون في دعم جزار هدفه كرسي الحكم حتى ولو كان منصوباً على جماجم شعبه، فكما انتصرت شعوبكم بثوراتهم على أنظمة الاستبداد التي تقلبوا على جمرها لأجيال وأجيال، لابد للشعب السوري من الانتصار على الطاغوط الذي سامهم لأكثر من أربعين سنة سوء العذاب، ونصب لهم المجازر والمقاصل وأعواد المشانق في طول البلاد وعرضها، وأقام لهم السجون والمعتقلات بدلاً من المدارس والجامعات، وحفر لهم الأخاديد والمقابر الجماعية، وغيبهم في السجون والمعتقلات وأبعدهم إلى المنافي والشتات؟!