أهمية المشاركة في اتخاذ القرار ، بقلم : أفنان نظير دروزه
من الأشياء التي تميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، إعمال العقل واتخاذ القرار. واتخاذ القرار لا يتعلق بأمر معين، وإنما بجميع شؤون الحياة، ابتداء من اختيار الطعام الذي نأكل، والملبس الذي نلبس، والشراب الذي نشرب، والمدرسة التي نتعلم فيها، والجامعة التي نلتحق بها، مرورا بالوظيفة التي نعمل بها، والبلد الذي نسافر إليه، وانتهاء بالحروب التي تشن، والنزاعات التي تقع. وبالتالي، فالحياة ما هي سلسلة من القرارات تتراوح ما بين القرارات الشخصية البسيطة المتعلقة بإشباع الحاجات الأساسية المتعلقة باستمرار الحياة، إلى القرارات الخطيرة المتعلقة بمستقبل الأمة والأجيال.
وعلى الرغم من أهمية اتخاذ القرار، إلا أنه ليس الكل قادر على اتخاذه، وإن اتخذه، فليس بالضرورة أن يكون قراره صائباً حكيماً. وقد يرجع هذا إلى اختلاف طبيعة الأفراد في مستوى ذكائهم، وثقافتهم، ومعرفتهم، ومعلوماتهم، وعلاقاتهم الاجتماعية، ونضجهم، وعقيدتهم، ومبادئهم، وقوة شخصيتهم، وإرادتهم؛ لذا فترى بعض الناس يصيب في اتخاذ القرار، والبعض الآخر يخطئ، وقد يحقق البعض أهدافه من ورائه، وقد يفشل البعض الآخر.
من هنا تأتي أهمية جمع المعلومات الكافية قبل اتخاذ القرار، والقيام بالاتصالات المناسبة، واستشارة ذوي العلاقة والخبرة والاختصاص، ودراسة الموضوع من جميع جوانبه دراسة وافية شاملة، ووضع الفروض الإيجابية والسلبية المترتبة على نتائجه، ومن ثم اعتبار ردود أفعال الآخرين، مجتمعياً وإقليمياً ودولياً وخاصة إذا كان القرار خطيراً يتعلق بمستقبل أمة وأجيال قادمة. ومن الأهمية بمكان لدى اتخاذ القرار أن تكون الأهداف المرجوة من اتخاذه واقعية وقابلة للتحقيق، وبأقل خسارة إنسانية ونفسية ومالية.
أما في الحياة العادية، فمن المهم قبل اتخاذ القرار التشاور مع الأهل والأقرباء، والمعارف والأصدقاء، واستشارة الكبير، وذوي الخبرة والاختصاص، وخاصة إذا كان القرار يتعلق بالأسرة، أو المؤسسة، أو العمل، أو البلد. بمعنى آخر، يجب على من يتخذ القرار دراسة كل الظروف المحيطة به دراسة شاملة، سواء أكانت هذه الظروف شخصية تتعلق بالفرد نفسه من حيث قوة إرادته وثقته بنفسه وقدرته على التنفيذ؛ أو خارجية تتعلق بالبيئة المحيطة سواء أكانت اجتماعية، أو اقتصادية، أو إقليمية، أو دولية… إلخ، من العوامل التي قد تؤثر على نجاح القرار وتحقيق الأهداف المرجوة منه.
ولعل الأكثر أهمية لدى اتخاذ القرارات الخطيرة، أن يجرى استطلاع للرأي لأكبر شريحة من المجتمع التي سوف تتأثر بنتائجه، وغالباً ما يتم هذا عن طريق إجراء دراسات على أرض الواقع تشمل جميع طبقات المجتمع، وفئاته، والنوع الاجتماعي، والعرق، والدين، والحزب، والمنطقة، والحي وغيرها من العوامل ذات العلاقة بحيث تكون العينة المستطلعة تمثل المجتمع الأصل الذي سحبت منه. وكذلك من المهم جداً أن يشارك في اتخاذ القرار كل من الذكر والأنثى لأن نتيجة القرار لا يقع أثرها على جنس بعينه وإنما على كلاهما، من هنا يستوجب مشاركتهما.
وحتى في الأمور البسيطة العائلية، فليس من الحكمة أن ينوب الرجل عن المرأة في اتخاذ القرار، وما كل ذلك إلا لأنه لا يستطيع أن يفكر بما تفكر، ويشعر بما تشعر، ويرغب كما ترغب. ناهيك عن أن المرأة تظل نصف المجتمع ويجب أن تستشار ويؤخذ رأيها وتشارك في اتخاذ القرار سواء في المنزل، أو المدرسة، أو الجامعة، أو الوزارة، أو المؤسسة، أو المركز، أو البلدية، أو الدائرة، أو المشفى، أو النقابة أو المحكمة، أو الشركة…إلخ؛ نظراً لاختلاف طبيعتهما التي فطرهما الله عليها، والتي تجعلهما لا يتطابقان في الشعور، ولا في الأمنيات، وذلك لأنهما لا ينظران للأمور بوجهة النظر نفسها.
ونعود ونقول، إن كل من الرجل والمرأة يجب أن يشتركان في اتخاذ القرار، وألاّ يتفرد به طرف واحد، حتى يكون القرار صائباً متوازناً متكاملاً يؤدي إلى النتائج المرجوة. كما يجب ألا يتخذ أي قرار إلا بعد مشاورة جميع ذوي العلاقة، وذلك حتى يتحمل الجميع مسؤولية النتائج المترتبة عليه من خير أو شر، لا أن يتحمله فرد بعينه، أو جنس بذاته، هذا إذا أردنا أن نعيش حياة سعيدة تسودها الديمقراطية واحترام الرأي والرأي الآخر.