قرار المحكمة الجنائية الدولية: انتصار للعدالة أم خطوة رمزية؟ بقلم : م. غسان جابر
بعد عقود من الإفلات من العقاب والتمادي في استخدام القوة المفرطة ضد الشعب الفلسطيني، جاء قرار المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيقات ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بشأن جرائم الحرب المرتكبة في غزة ليضع النقاط على الحروف. هذا القرار يمثل لحظة مفصلية في مسار النضال الفلسطيني من أجل تحقيق العدالة الدولية، لكنه يفتح أيضًا الباب أمام العديد من التساؤلات والتحديات.
رمزية القرار وأهميته
لا شك أن هذا القرار يحمل رمزية كبيرة، فهو لأول مرة في التاريخ الحديث يكسر حاجز الصمت الدولي عن الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، وخاصة في قطاع غزة الذي تحول بفعل الحصار والقصف إلى ما يشبه “معسكر اعتقال مفتوح”.
نتنياهو، الذي كان دائمًا يحتمي بالدعم الأمريكي والغربي المطلق، وجد نفسه هذه المرة أمام مشهد مختلف. المحكمة الجنائية الدولية، ورغم كل الضغوطات، أثبتت أنها يمكن أن تفتح ملفات كانت تعتبر في السابق “خطوطًا حمراء”.
الجرائم في غزة: نموذج للإفلات من العقاب
الهجمات التي شنها الجيش الإسرائيلي على غزة، والتي استهدفت بشكل مباشر منازل المدنيين والمستشفيات وحتى مدارس تديرها الأمم المتحدة، تعد وفق كل المعايير الدولية جرائم حرب صريحة.
كيف يمكن تفسير تدمير أحياء بأكملها تحت ذريعة “استهداف المقاومة”؟ وكيف يمكن للعالم أن يصمت أمام صور الأطفال المدفونين تحت الأنقاض؟
نتنياهو وغالانت يتبعان سياسة واضحة: ضرب أي بادرة مقاومة فلسطينية دون اعتبار للكلفة البشرية. لكن هذا القرار، وإن كان متأخرًا، يمثل إدانة واضحة لهذه السياسة.
التحديات أمام تنفيذ القرار
لكن السؤال الأكبر: هل ستترجم هذه الخطوة إلى أفعال حقيقية؟ أم أنها ستبقى حبرًا على ورق؟
إسرائيل ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية، وتاريخ المجتمع الدولي مليء بالقرارات التي بقيت حبيسة الأدراج. الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ستقف بكل تأكيد إلى جانب إسرائيل، وستعتبر القرار محاولة لتسيس العدالة الدولية.
ومع ذلك، لا يمكن التقليل من أهمية هذا القرار. فهو يشكل سابقة قانونية وسياسية قد تفتح المجال أمام محاكمة قيادات إسرائيلية أخرى مستقبلاً، ويعزز من قوة الرواية الفلسطينية على الساحة الدولية.
ردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية
إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي. تصريحات نتنياهو المتكررة عن “مؤامرة دولية ضد إسرائيل” تعكس حجم القلق داخل القيادة الإسرائيلية.
أما في الجانب الفلسطيني، فإن هذا القرار يعتبر خطوة متواضعة ولكن ضرورية. الفلسطينيون لا يبحثون عن انتقام، بل عن عدالة طال انتظارها.
نؤكد أن قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن نتنياهو و غالانت هو بلا شك لحظة فارقة، ولكنه ليس نهاية المطاف. العدالة الدولية تحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، وهو ما يفتقر إليه المجتمع الدولي حتى الآن. لكن الشعب الفلسطيني، الذي صمد أمام الحصار والقصف والمجازر، يدرك جيدًا أن النصر الحقيقي لا يأتي إلا بالصمود والمقاومة، وأن هذه الخطوة، مهما كانت صغيرة، تمثل بارقة أمل نحو كسر حلقة الإفلات من العقاب.