مفاوضات السلام في الشرق الأوسط: الاستيطان، دور رئيس السلطة، ومصير المفاوضات، بقلم : م. غسان جابر
عندما نتحدث عن مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإننا لا نتحدث عن مجرد عملية تفاوض، بل عن صراع عميق يتشابك فيه التاريخ مع الواقع، والأمل مع الإحباط. إنها دراما مستمرة تُعيد تشكيل خريطة القضية الفلسطينية، بينما تسقط المبادرات الدولية واحدة تلو الأخرى أمام حقائق الاستيطان والانقسام، وسط صمت دولي يتنكر لمسؤولياته.
الاستيطان: سرطان يلتهم الأرض
الاستيطان الإسرائيلي ليس مجرد تحدٍّ عابر، بل استراتيجية ممنهجة تهدف إلى تغيير الواقع الجغرافي والسياسي على الأرض. هذه المستوطنات، التي تستمر في التوسع بلا هوادة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، تُعتبر بحسب القانون الدولي غير شرعية. ومع ذلك، لا يُحاسب إسرائيل أحد.
اليوم، يعيش أكثر من 850 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس، في تزايد مستمر، بينما يتقلص الأمل الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة متصلة جغرافياً. هذه المستوطنات لم تُبنى فقط على الأراضي الفلسطينية، بل على أشلاء مشروع حل الدولتين، ما يجعل الحديث عن السلام أقرب إلى الوهم.
الرئيس أبو مازن: بين المطرقة والسندان
محمود عباس (أبو مازن)، رئيس السلطة الفلسطينية، يقف في موقع حساس للغاية، حيث تتقاطع مسؤولياته كقائد سياسي مع التحديات الداخلية والخارجية. من جهة، يواجه انقسامات سياسية عميقة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن جهة أخرى، يُعاني من تراجع الدعم الشعبي بسبب استمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل وغياب إنجازات ملموسة على الأرض.
أبو مازن يُصرّ على الحلول السلمية، مُطالباً بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعودة اللاجئين. لكن إسرائيل تتعامل مع السلطة كأداة لإدارة الفلسطينيين، وليس كشريك حقيقي في السلام. هذا الواقع يضعه في موقف صعب، يُحاول فيه الحفاظ على شعرة معاوية مع المجتمع الدولي، وسط شكوك متزايدة بجدوى المفاوضات.
مستقبل المفاوضات: سلام في المجهول
السياسة في الشرق الأوسط تُبنى على التوازنات، لكن التوازن الحالي هش إلى درجة تهدد بانفجار شامل. الحكومات الإسرائيلية، خاصة تحت قيادة اليمين المتطرف، تُواصل رفض التنازلات الحقيقية، وتُراهن على حلول جزئية تحت مسمى “السلام الاقتصادي”، الذي يُفرغ الحقوق الفلسطينية من مضمونها.
أما على الجانب الفلسطيني، فالأمل لا يزال قائماً على الصمود والمقاومة، وعلى تغييرات قد تشهدها المعادلة الدولية أو السياسية الإسرائيلية. لكن السؤال يظل مطروحاً: كم من الوقت يمكن أن يبقى الشعب الفلسطيني ينتظر؟ وهل يمكن للمجتمع الدولي أن ينهض من سباته ليُحقق العدالة؟
الخلاصة: سلام مستحيل أم معركة لا تنتهي؟
السلام في الشرق الأوسط ليس مجرد حلم، بل هو حق يستحق النضال. ومع استمرار الاستيطان والانقسام الفلسطيني، يظل الطريق نحو السلام محفوفاً بالعقبات.
نقول و نؤكد أن الحقيقة التي يجب أن يدركها العالم هي أن القضية الفلسطينية ليست قضية تفاوض، بل قضية حق غير قابل للتفاوض أو التنازل.
الشعب الفلسطيني، الذي ظل متمسكاً بأرضه وهويته لعقود طويلة، لا يزال يقاوم رغم كل شيء. هذه الأرض التي شهدت معاناتهم ستظل شاهدة على صمودهم، حتى تتحقق العدالة المنشودة، مهما طال الزمن.