المدينة التي لن تُهزَم ، بقلم : بديعة النعيمي
على الرغم من أن قطاع غزة كان الأقل تمازجا مع غيره من المجتمعات بالقياس مع بقية التجمعات الفلسطينية، إلا أنه كان الأكثر تأثرا وتأثيرا بأحداث المنطقة بحكم صلته الإدارية والسياسية بمصر.
حيث أن مصر ومنذ ١٩٥٢ كانت قلب الأحداث، وكل حدث فيها كان حدث في غزة، من عدوان ١٩٥٦ وتأميم قناة السويس إلى عام ١٩٥٨ والوحدة بين مصر وسوريا، إلى مشاريع التوطين بعد ٤٨، حين قامت “الجمعية العامة للأمم المتحدة” بتشكيل لجنة “كلاب” لدراسة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، حيث اتجهت اللجنة في دراستها إلى فكرة أساسية هي توطين اللاجئين، وقامت بتقديم تقريرها إلى “الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
وفي تلك الأثناء كانت قد وُقعت اتفاقيات الهدنة التي على أساسها حُدِدت خلالها خطوط الهدنة للدولة اليهودية والفلسطينية. وفي جلستها بتاريخ ٨/ديسمبر/١٩٤٩ قررت الجمعية إنشاء “وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين”.
ومن المعروف بأن المهمة التي أوكلت للأمم المتحدة كانت ذات شقين أحدهما اتخذ طابع تقديم الخدمات العاجلة، أما الثاني فقد كانت مهمة تنفيذه قد ألقيت على عاتق الوكالة ويتضمن توطين اللاجئين الفلسطينيين.
وقد حاولت الوكالة تنفيذ ذلك عبر أساليب مختلفة منها تقديم الحد الأدنى من حاجة اللاجئين بهدف الضغط عليهم لقبول ما يعرض عليهم من مشاريع تحت وطأة الفقر والعوز. وخاصة في قطاع غزة حينما أقدمت الوكالة على تقديم مساعدتها الضئيلة لمن ينطبق عليه تعريفها للاجئ.
وهو بحسب تعريفها “الشخص الذي كانت فلسطين محل إقامته الطبيعية لمدة لا تقل عن سنتين قبل نشوء النزاع عام ٤٨ والذي فقد مسكنه ومصدر رزقه نتيجة لهذا النزاع”.
وبناء على هذا التعريف فقد تم استبعاد أولئك الذين كانوا يقيمون في القطاع ولهم مسكن فيه ولكن مورد رزقهم في الأرض المحتلة، من مساعدات الوكالة.
وبذلك تكون الوكالة قد مارست سياسة التجويع على أهل القطاع لتجبرهم على الاستجابة لمشاريع التوطين المطروحة آنذاك بهدف تصفية القضية الفلسطينية.
وكان من ضمن مشاريع التوطين التي التي شرعت “وكالة الغوث” في تنفيذها، مشروع عام ١٩٥١ وهو نقل عدد كبير من اللاجئين وإسكانهم في ليبيا.
ويُذكر أن الدول العربية وجامعتها كانت متواطئة مع هذه المشاريع بل ومباركة لها.
إلا أن الجماهير الفلسطينية كانت قد تنبهت لهذه المشاريع وأهدافها ومراميها، وكان لقطاع غزة موقفه الحاسم منها، فلعب دورا رئيسيا في إجهاضها في تلك المرحلة. كما أدان “وكالة الغوث” والدول العربية وما تبيته من نية لتصفية القضية الفلسطينية ومساعدة العدو لتنفيذ مخططاته التوسعية..
واليوم وبعد مرور ما يزيد عن العام على حرب دولة الاحتلال على غزة وما رافق هذه الحرب من عمليات تدمير وخراب وإبادة جماعية بحق أهلنا وسط تواطئ الأنظمة العربية ووسط الدعم الكامل لها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها بهدف ترحيلهم إلى مصر وتوطينهم في سيناء في أكبر عملية تطهير عرقي في القرن الواحد والعشرين عن طريق الحصار والتجويع وإعادة ما سعت إليه الوكالة في بداية خمسينيات القرن الماضي إلا أن أهل غزة بصبرهم ودعمهم لمقاومتهم وتوحدهم معها ومع أهدافها، أبطلوا ذلك المخطط كما أبطلوه سابقا، وأغرقوا تواطئ الأنظمة العربية في وحل العار وأزالوا أقنعتهم البريئة وكشفوا بشاعتها ودمامتها.
ومن المعلوم أن قرارا صدر من قبل الولايات المتحدة بتعليق تمويلها “لوكالة الغوث” قبل أشهر ،إثر ادعاءات من دولة الاحتلال عن مشاركة مزعومة لعدد من موظفي الوكالة في هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على مستوطنات “غلاف غزة” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. فحتى وهي صنيعة أمريكي صهيونية وكان لإنشاءها مرامي تخدمها وذيلها إلا أنها استكثرتها على أهلنا المساعدات الضئيلة التي كانت تقدمها.
وأخيرا،، ماذا لو توحد القطاع وأهل الضفة وأزيلت الحدود وتوحدت الضفتين وفتحت المعابر وتوحدت دول الطوق! هل ستبقى ما تسمى “إسرائيل” في منطقتنا؟ وهل سيبقى من يسرح ويمرح مثل “سموتريتش” ويضع الخطط ليضم الأرض ويحقق حلم إقامة “يهودا والسامرة”؟؟؟ وهل سيظل الشعب الفلسطيني بحاجة إلى ما تلقيه الوكالة من فتات لا يسمن ولا يغني من جوع؟
غزة لوحدها استطاعت أن تحبط مخططات منذ قرابة القرن ولم تُهزم، فكيف لو توحد الجميع؟؟؟