شفا – مداخلة د. عابد الزريعي في الندوة الدولية التي عقد بتونس بمناسبة ذكرى مئوية لينين والتي نظمها الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي ــ تونس بمسرح الحمراء بالعامة.
وشارك في الندوة قوى سياسية من فلسطين والعراق والأردن وتونس والمانيا وتركيا وفرنس وافريقيا ونخبة من الباحثين والمفكرين.
عنوان المداخلة : العلاقة بين التناقضات الداخلية والخارجية للكيان الصهيوني في المنظور اللينيني – د . عابد الزريعي – مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء :
تبلور منظور لينين للتناقضات نظريا وعمليا، على أرضية تحليله للواقع السياسي والاجتماعي القائم، وصياغته لاستراتيجيات وتكتيكات النضال الثوري بهدف تغييره. وبذلك استطاع المضي بالمسار الثوري عبر ثلاثة محطات (الاوربية والروسية والعالمية) دونما ارتباكات او انزلاقات فكرية وعملية. وقد تجلى الوضوح النظري لمسألة التناقضات من حيث ظروف وجودها الموضوعية، واليات اشتغالها، في التصدي الحازم للحركة الصهيونية التي شكل ظهورها في روسيا، كأداة للإمبريالية العالمية، تهديدا وارباكا للمسار الثوري الروسي، فكانت الضوابط التي صاغها، هي حصن الأمان للحركة الثورية الروسية، وبات الإرث النظري الذي تشكل كحصيلة لمجادلته اقطاب الصهيونية الروسية، رصيدا لفضح وتعرية كل المواقف والقرارات اللاحقة التي تكيفت مع المشروع الصهيوني عندما اخذ في التموضع (الكمي) على ارض فلسطين، ولفهم وتحديد الزاوية التي ننظر منها لتناقضات الكيان الصهيوني بوصفه التحول ا(لنوعي) لذلك التموضع، وكذلك لكيفية إدارة هذه التناقضات على طريق هزيمة هذا الكيان ودحره، وانهاء وجوده الاستيطاني العنصري. وسنتناول ذلك ضمن اربعة محاور:
المحور الأول: منظور لينين للتناقضات السياسية والاجتماعية: صاغ لينين منظوره على أرضية تحليله للواقع وصياغته لاستراتيجيات وتكتيكات النضال الثوري. وذلك عبر مرحلتين تاريخيتين، ففي المرحلة الاولى قام بعملية تطوير جزئي للتناقض عند ماركس، في مرحلة الاممية الاولى كتناقض داخلي ثنائي وفي صيغة صراع بين طبقتين أساسيتين هما البرجوازية والبروليتاريا. وذلك ارتباطا بالمرحلة الرأسمالية الأوربية وعلى ضوء ذلك صاغ شعار ” يا عمال العالم اتحدوا” وفي هذا السياق أصدر لينين كتاب ما لعمل 1902 الذي يشكل في جوهره محاولة لتطبيق الماركسية على واقع روسيا، ولم يخرج عن الصيغة الثنائية للتناقض، لكنه اعتبر الفلاحين الصغار قوة ثورية الى جانب العمال فأوجد بذلك (التناقض الداخلي المركب). بينما تحددت المرحلة الثانية في سياق تصديه لمواقف كارل كاو تسكي والحزب الاشتراكي الالماني من الحرب الاولى كما عبرت عنها الأممية الثانية. وفي تصديه للموقف المنحاز للحرب أصدر الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية عام 1916: الذي أكد فيه ان الحرب حرب إمبريالية، من أجل اقتسام وإعادة اقتسام المستعمرات. وكذلك كراس حق تقرير المصير. وفي الكتابين حدد تناقضات الامبريالية في مستويين داخلي (الصراع الطبقي) وخارجي (مع حركة التحرر) وصاغ العلاقة بينهما في شعار: «يا عمّال العالم وشعوبه المضطهَدة، اتّحدوا» وبذلك اسس لفكرة ان الوحدة او الإطار يمكن ان تعيش تناقضين ااولهما داخلي بحكم بنيتها الداخلية والثاني خارجي بحكم اطارها الخارجي او محيطها.
المحور الثاني: الأيديولوجية الصهيونية في ضوء المنظور اللينيني: خضع المنظور اللينيني للتناقض بمستوييه الداخلي والخارجي لأول اختبار، في مواجهة الحركة الصهيونية حيث كانت روسيا تضم بولندا ويقطنها نحو 5 ملايين إنسان يهودي. وفيها نشطت الحركة الصهيونية وعقد البوند “الاتحاد العام للعمال اليهود ” مؤتمرا في عام 1896 عشية انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897. وقد اعتبر لينين العقيدة الصهيونية رجعية. وتصدى لفكرة الأمة اليهودية، وللبوند واعتبرت الاممية الثالثة 1919عام الصهيونية حركة عنصرية. وفي مؤتمرها المنعقد عام 1920 فضحت مساعي الإمبريالية والصهيونية في فلسطين، كما تمت ادانتهما في مؤتمر شعوب الشرق المنعقد في باكو عام 1920. وفي هذا السياق يبرز تناقض الحركة الثورية الروسية مع الصهيونية، كناقض داخلي، فالحركة الصهيونية ارادت بطرحها لمفهوم الأمة اليهودية تدمير التناقض الأساسي من زاويتين، الأولى تجميد والغاء التناقض الداخلي الموضوعي (بين العمال اليهود والبرجوازية اليهودية) ضمن روسيا، (وفي العالم) والثانية اختلاق تناقض خارجي (ذاتي) مع بقية القوميات داخل نفس الوحدة. (وفي العالم) بما يترتب عليه حرف المسار الثوري خدمة لأهداف استعمارية. ان رفض القومية اليهودية يعني رفض كل ما ترتب عليها من الناحية العملية ليس فقط داخل الوحدة (روسيا) بل وخارجها ايضا، خاصة (اسرائيل) ورفض كل انخراط في هذا المشروع. بما يعنيه ادانه كل المواقف اللاحقة لهذا التحديد لأنها تشكل انحرافا خطيرا من الناحيتين النظرية والعملية للموقف الاساس.
المحور الثالث: الكيان الصهيوني بين التعارضات الادارية والتناقضات المصيرية: السؤال الذي يطرح على ضوء ما ورد في المحور الاول والثاني: ماهي التناقضات التي يعيشها الكيان الصهيوني وكيف نقرأها ونحددها.؟ القراءة الأولية المنطلقة من المتابعة الدقيقة لما يجري داخل الكيان تقود الى الاستنتاج بانه يعيش مجموعة من التناقضات الداخلية، المتمثلة في التناقض الطبقي ارتباطا بتركيبته الاجتماعية، والعرقي ارتباطا بتركيبته الديمغرافية، اضافة الى التناقضات بين الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني. لكن القراء تكشف ايضا ان هناك تداخلا بين التناقضين الطبقي والعرقي العنصري، فالمسحوقين طبقيا يشكلون في غالبيتهم المنبوذين عنصريا، اضافة الى ان الفكر الاشتراكي (المزيف) الذي بشرت به الاحزاب العمالية الصهيونية، لا يمكن ان يقود نضال طبقي صحيح. اما بالنسبة للتناقض السياسي فليس سوى عملية تداخل وتشريك مع نلك التناقضات واستفادة منها. اما المسألة الاهم فتتلخص في ان كل أطراف هذه التناقضات موجودة داخل الوحدة (اسرائيل) على قاعدة فكرة الأمة الواحدة (المستهدفة) وهي فكرة الكل الاجتماعي ووعيه وليست فكرة الطبقة السائدة كما يروج البعض. ذلك يعني انها تناقضات ادارية مشوهة (تعارضات) تدور ضمن المشروع الصهيوني، وفي سياق البحث عن موقع متقدم في ادارته. لكنها تنضبط في النهاية لتناقضه الخارجي مع كل ما يحيطه على المستويين الجغرافي والديمغرافي.
المحور الرابع: شروط ادارة التناقض الخارجي مع الكيان الصهيوني: ان التناقض الخارجي هو المحدد للعلاقة معه، الامر الذي يفرض ضرورة فهمه بشكل دقيق وادارته بشكل واعي، وذلك أولا على قاعدة وعي العلاقة بين شكل التناقض الخارجي مع الكيان الصهيوني ومضمونه. فالشكل يتعلق بترتيب كتناقض أولي، واهميته كتناقض رئيسي. بينما يتعلق المضمون بوصفه تناقضا تناحريا، غير قابل للحل الا باندحار أحد طرفيه. ان الفصل بين الجانبين يقود عمليا الى وهم التحالف مع أحد أطراف التناقض الداخلي داخل الكيان، الطبقي او العرقي او السياسي. وينتهي الى الاعتراف بالكيان والتطبيع معه. وثانيا تحديد التحالفات الوطنية والاقليمية والدولية القادرة على مواجهة القوى التي يحشدها الكيان في محاولة حل التناقض لمصلحته. وثالثا تحديد الوسائل الكفاحية القادرة على حل هذا التناقض وفي مقدمتها الكفاح المسلح. ورابعا تحديد الاهداف النهائية المتمثلة في اقامة دولة فلسطينية ديمقراطية على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس، تكفل الحقوق المشروعة لجميع مواطنيها على اساس المساواة وتكافؤ الفرص دون تمييز بسبب الدين او الجنس الو العقيدة او اللون، معادية للصهيونية والامبريالية وذات افق وحدوي ديمقراطي مع سائر الاقطار العربية.