10:10 مساءً / 17 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

رؤى (5) الحاجة الى توطيد العلاقات الاجتماعية ، بقلم : د. غسان عبد الله

رؤى (5) الحاجة الى توطيد العلاقات الاجتماعية ، بقلم : د. غسان عبد الله

يلاحظ، وبشكل جليّ، أن احدى انعكاسات التدهور المتسارع في الحالة السياسية ،والذي انتقل الى كل من الوضع الاقتصادي والنفسي ، أن هناك منسوبا عاليأ من اضطراب في العلاقات الاجتماعية بين الناس ، سواء على صعيد الفرد، الأسرة ، العشيرة أوالمجتمع ككل، حتى المدرسة والجامعة والمؤسسة الثقافية والصحيّة التي يفترض أن تكون مصدرا للتنوير وصون ثقافة وقيم التعاضد والتكافل المجتمعي ،نحو ايجاد البيئة( سواء المصغّرة – العائلة، أوالكبيرة ، المجتمع ككل ) الاّمن الذي يعمل على تعزيز الطمأنينة والاستقرار النفسي، فترى السواد الأعظم من أفراد مجتمعنا ومن كافة الفئات العمرية والاجتماعية والمستويات التعليمية ،في حالة عزوف عن المشاركة في/ المبادرة الى ايجاد ،مناسبات اجتماعية يشارك بها غيره، سواء مناسبات أفراح أو أتراح ، وان حصل وشارك تراه دوما في حالة وجوم وقلق وتوتر ، فسرعان ما يغادر المكان، وهذا عكس طبيعة الانسان الذي يأنس بأخيه الانسان .


طبيعي جدا أن تتأثر العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع( الصغير / الكبير) بما يدور حوله من أحداث ومحطات تاريخية مفصليّة ، كما حدث مع الشعب الفلسطيني بدءا من ثورة البراق، ثورة 1936، نكبة 1948 ، هزيمة حزيران 1967، معركة الكرامة 1968، يوم الأرض 1976 ( وما تبعه من حراكات وطنية عديدة ) ، غزو جنوب اللبنان 1981 ( وما تبعه مثل مجزرة صبرا وشاتيلا) ، الهبة الشعبية سنة 1985 ( جراء سياسة القبضة الحديدية التي أعلنها وزير الحرب شمعون بيرس اّنذاك) وما تمخض عنها : انتفاضة 1987 ، توقيع اتفاق أوسلو البغيض، سلسلة الاجتياحات الاسرائيلية المتعاقبة منذ العام 2001 ،حالة الانقسام السياسي الفلسطيني التي أوهنت الموقف الفلسطيني مما أدّى الى تراجع ملحوظ في حالة القضية الوطني الفلسطينية العادلة ، بناء جدار الفصل العنصري وما نجم عن من انفصال عائلات كثيرة عن بعضها البعض وكثرة الحواجز العسكرية مما يعيق بل ويصادر حرية الحركة والتنقل، الحروب المتتالية على غزة ، وما تخلل كل ذلك من اهتزازات ، تراجعات ملحوظة في نمط ومستوى العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الفلسطيني بكل مكوناته ، الى أن جاءت جائحة كورونا التي وضعت هذه العلاقات في حالة جمود لمدة من الزمن ، تلاها الحرب المستعرة المتواصلة منذ السابع من أكتوبر 2023 حتى يومنا هذا ،والتي هي أيضا وضعت العلاقات الاجتماعية في حالة لم ولن تحسد عليها.

أضف الى ذلك ما واكب تلك المحطات من حالات فقدان واقتلاع وتهجير وتدمير للمنازل التي يعتبرها الأطفال مكانا اّمنا لهم ،كل هذا قاد الىوضع من عدم التوازن والاستقرار في الحالة النفسيّة للمواطن الفلسطيني والذي أثّر بدوره على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع الواحد .


كل ذلك، أدّى الى تراجع ملحوظ في حالة التوافق النفسي، لدرجة الخواء النفسي المعنوي لدى المواطن الفلسطيني وبدء انتشار حالات الشعور بالخذلان ،الاحباط ، الاستياء، القلق الدائم ، الشعور بالحرمان ، مما ساهم في تفشيى ونشر اّثار ما بعد الصدمات النفسيّة PTSDK الناجمة عن الأحداث المؤلمة التي رافقت تلك المحطات التاريخية .( لمزيد من المعلومات حول هذا الجانب ،يمكن الرجوع الى البحث المنشور عام 2013 تحت عنوان ( Inter-Generational Intentional Traumatic events among the Palestinians) الأحداث الصادمة والمتعمدة عبر الأجيال في المجتمع الفلسطيني، وهم من اعداد الكاتب وزميله بروفسور ايان بارون ، جامعة داندي (في حينه)، سكوتلندا.


هنا ، نود أن نقترح ما يلي للتخفيف / الحد من حالات الاضطراب / الرهاب من /في العلاقات الاجتماعية :
⦁ لا بد من تكثيف الجهود لاعادة بناء أواصر اجتماعية تقوم على الرأفة عند التواصل المجتمعي ( لفظيا ،معنويا أو جسديا )،عملا بقوله تعالى” وهدوا الى الطيب من القول وهدوا الى صراط مستقيم ” 24/ الحج، وحتى عند الفراق ” فامساك بمعروف أو تسريح باحسان “، بعيدا عن التذلل والنفاق أو بذل جهود مضنية في البحث عن عيوب الاّخرين ، متناسيا عيوبك الشخصيّة.


⦁ المسارعة دوما الى عمل الخيرات والدعاء الى تجنب المنكرات كسوء الظن والغمز واللمز والهمز” انهم كانوا يسارعون في الخيرات …..” الاّية 90 ،سورة الأنبياء .
⦁ لنعمل على تشكيل لجان أحياء تولي أهمية قصوى بالشؤون الاجتماعية ،الرياضية والتثقيفية وتشجيع التجوال في عقول وتجارب المبدعين/المبدعات من خلال تعزيز مهارات فهم المقروء، والشغف بالفنون ( مسرح وموسيقى ورسم) حتى ولو كانت منمجتمعات أخرى مع أخذ الحيطة والحذر طبعا.


⦁ التوقف عن دوام معاملة الاّخرين وفق سياسة الند بالند ، وليكن نهج العفو والسماح بديلا لذالك ” فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ” الاّة 89 ،سورة الزخرف ” والعافين عن الناس” ” والكاظمين الغيظ” ” ولا يلقاها الى الصابرين “، .
⦁ الحاجة الى ضرورة التوقف عن الافراط في دوام التفكيرالسلبي ، مثل التفكير في خيبات الأمل التي حصلت مع الفرد سابقا ،والتجارب السلبية من خلال العمل بكل ما أوتيت من جهد للابتعاد عن مذكرات (reminders ) بتلك الأحداث والتجارب القاسيّة
* الحاجة الى بذل اقصى درجات العمل للابتعاد عن مصادر الطاقة السلبية : أشخاص ،مواقف وأحداث سواء كانت عبر المعاملة المباشرة أو وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي ، والاستعاضة عن ذلك بالرياضة الجسدية والروحية ودوام رفقة الأقران الايجابيين ،من نوع” الأخلاء يؤمن بعضهم لبعض عدو الا المتقين” 67 ، الزخرف.

  • لمجابهة الرهاب الاجتماعي : داوم على اصطحاب من يعانون منه الى اللقاءات المليئة بمواطن الخير وجبر الخواطر وصنع المعروف . دعهم يعيشون لحظات ترجمة الأقوال الى أفعال ، ولا غضاضة في توظيف لغة الفكاهة لكن باتزان . هكذا تلامس أرواحهم وتخفّف من رهابهم الاجتماعي كونك أوجدت ما هو الأكثر أصالة وديمومة في النفس .


⦁ اذا ما التزمنا بهذا ( قدر المستطاع)،سنرى الحياة جميلة وسيساعدك كل هذا على تجنب الاضطراب في العلاقات الاجتماعية نسبيا ومواجهة الرهاب الاجتماعي ،رغم كل المنغصّات ،كونك تتصرف بموجب أخلاقك الفضيلة المستمدّة من قناعاتك التي تحكمها عقيدتك الدينية وتربيتك السليمة “فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون” 17/ سورة السجدة ، وقوله تعالى في الاية 94 من سورة الأنبياء ” فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وانا له كاتبون” مع لزوم دوام التفكير الحذر قبل أتخاذ أي قرار يواكب ذلك دوام تقوى الله” ان المتقين في مكان أمين” الاّية 51 سورة الدخان.


في الختام، نحذّر هنا من مغبّة أنه اذا لم نعمل سوية من أجل الرقي بالعلاقات الاجتماعية البناءة ،فالخطر الداهم هو سيادة وهيمنة الشعور بالانفصال عن الواقع (derealization)،وصعوبة التعافي الجسدي والنفسي مع صعوبة التركيز في الأمور الحياتية الأخرى نظرا لافتقارهم الىعدم القدرة على بلورة شخصية واقعية ذات اهتمامات حياتية واقعية وانعدام المشاعر العاطفية نحو ذواتهم ونحو الاّخرين وأحيانا الاقدام على ممارسة العنف وايذاء الذات أو الغير كله بسب حالة عدم الوعي بمتطلباته الشخصيةأ Depersonalizationأو فقدان الذاكرة الانفصالي dissociative amnesia ، اذ لا يتمن الفرد من تذكر ما حدث معه نظرا لطغيان حالة النسيان وبالتالي مضيعة الوقت، مثل هذا يجعل من الشخص يعاني من اضطراب الهوية الانفصالي dissociative identity disorder وبدء تهيء و سماع أصوات غريبة أو تخيل أشخاص يراقبونه/ يلاحقونه ، يسترقون السمع له في كل صغيرة أو كبيرة أيسمعون أصواتاً في رأسهم وبالتالي فوجوده ليس أكثر من أشلاء مجتمعة مع بعضها البعض .

إقرأ أيضاً : رؤى (4) ، اّليات للانتقال من حالة الهشاشة الى حالة المناعة النفسيّة بقلم : د . غسان عبدالله
إقرأ أيضاً : رؤى (3) ألثالوث المحرّم عند التعامل مع طفلك بقلم : د. غسان عبدالله
إقرأ أيضاً : رؤى (2) ، العنف ليس قدرا ، بقلم : د. غسان عبد الله
إقرأ أيضاً : رؤى (1) لمواجهة اّثار العنف المحلي ، بقلم : د. غسان عبدالله

إقرأ المزيد حول الدكتور غسان عبد الله

Check Also

مركز الدراسات والتطبقات التربوية CARE يختتم دورة درء العنف في جامعة الاستقلال

مركز الدراسات والتطبقات التربوية CARE يختتم دورة درء العنف في جامعة الاستقلال

شفا – بالتنسيق مع وزارة التربية و التعليم وتجسيدا للدور الطليعي الذي تقوم به جامعة …