شعار يهودية دولة العدو بين -الانبعاث الديني- والعلمانية ، بقلم : غازي الصوراني
اعتقد ان طرح حكومة دولة العدو الإسرائيلي شعار يهودية الدولة، لا يبتعد أبداً عن ظاهرة “الانبعاث الديني” على المستوى العالمي ، علاوة على أنه يشكل جوهر البعد الديني الأسطوري الذي تتذرع به الحركة الصهيونية، أو تستخدمه عندما تقتضي الحاجة إليه في ظروف محددة، فالمعروف أن الحركة الصهيونية في بداياتها الأولى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، لم تتمسك ابداً بالمنطلق الديني التوراتي لإقامة ” دولتها” بل وافقت في مؤتمرها السادس (1903) على إقامة دولة إسرائيلية في اوغندا أو الأرجنتين، كدليل ساطع على تجاوز الادعاءات الدينية فيما يسمى بـ”أرض الميعاد” ، ما يؤكد على أن العامل الديني ، التوراتي، لم يكن منطلقاً وحيداً لسياسات الحركة الصهيونية وقادتها الذين أدركوا منذ البدء أن الظاهرة الدينية ليست معياراً لقوة الدولة الحديثة ، التي لا يمكن تحقيقها إلا بالاعتماد على الأسس العلمانية في المؤسسات المدنية السياسية والمجتمعية والاقتصادية والعسكرية والثقافية ، وهذا ما قامت بتنفيذه الحركة الصهيونية منذ بداية القرن العشرين .
وللتذكير فقط أشير إلى المؤتمر التأسيسي الأول للحركة الصهيونية (1897) الذي خطط ووضع البرامج والأفكار الكفيلة ببناء الدولة العلمانية (أسسوا الكيبوتزات ثم الصندوق القومي والنقابات العمالية والجامعة العبرية ومعهد التكنولوجيا ومصانع الاسمنت والحديد والسلاح الخفيف واجهزة الأمن والأجهزة العسكرية… إلخ) ، وفي هذا الجانب يمكن العودة إلى كتابات أبرز المفكرين والقادة الصهاينة اللذين أكدوا على أهمية فصل الدين عن الدولة مثل “موشي هس” و “ليو بنسكر” و “تيودور هرتزل” و “وايزمن” و”بن جوريون” .. . إلخ ، ما يعني دوراً رئيسياً للعلمانيين الصهاينة في تأسيس الدولة ، وبالتالي فإن استخدام والأساطير الدينية والتوراتية، كان ولا يزال، لحساب الأهداف السياسية ، التي تخدم الكذبة الكبرى التي تقول بأن اليهود أمة ، وذلك على قاعدة أن الصهيونية هي الجانب القومي في اليهودية ، واليهودية هي الجانب الديني في الصهيونية ، وبالتالي فإن “إسرائيل” تحقيق سياسي وتجسيد عملي وسياسي للظاهرتين معاً ، الأمر الذي يعني ان الصهيونية هي الوجه السياسي والفكري لليهودية، أما اليهودية فهي المرتكز الديني للصهيونية حسب ما أورده “هرتزل” في كتابه -دولة اليهود- على الرغم من عدم اقتناعه أصلاً بالدين ، فالديانة اليهودية أو التوراة عند “هرتزل” ضرورية فقط لفقراء اليهود لكي تنجح الحركة الصهيونية في استثارتهم عاطفيا بما يسميه “أرض الميعاد” وتشجيعهم للعودة إليها ، بما يضمن –كما يؤكد هرتزل- قيام العمال والفلاحين الفقراء اليهود بتنفيذ المخطط الصهيوني في بناء المستوطنات وإقامة المزارع والعمل في المصانع وغير ذلك من المؤسسات الصهيونية ، فالدين هنا، أو التوراة والتلمود ، ضروري جداً كمدخل لدى فقراء اليهود ، وبدونه – كما يستطرد هرتزل في كتابه – يصبح من المستحيل على الحركة الصهيونية أن تقنع آلاف الفقراء اليهود من العودة إلى “أرض الميعاد” بعد ما يقرب من ألفي عام على طرد الرومان لليهود، لم يتحرك أحد من الدول الغربية – ومن اليهود – بصورة جدية للعودة إلى ما يسمونه بـ”أرض الميعاد” حتى ظهور الرأسمالية وانتشارها وتوسع مصالحها، ومن ثم نبشها للماضي الأسطوري واستخدامه ذريعة لزرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ، تأميناً لتلك المصالح ولضمان استمرار تجزئته واحتجاز تطوره ووحدته في آن واحد .