لا شكّ أنّ هناك العديد من التجمعات والأحزاب السياسية العربية، لديها تخوفات عديدة من هذا الصعود المفاجىء للقوى والأحزاب الإسلامية بعد الثورات العربية ضد الطغاة والمستبدين، ووصول هذه القوى أو سيطرتها على الحكومات والعديد من مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية كما حدث في تونس والمغرب وليبيا، ويحدث الآن في مصر خاصة بعد السيطرة شبه المطلقة على البرلمان وجمعية تأسيس الدستور الجديد التي تمّ حلها، وما زال يجري من صراعات بعد رفض ترشيح بعض الإسلاميين لانتخابات الرئاسة كما حدث مع خيرت الشاطر و حازم صلاح أبو اسماعيل.
هل تشجّع ممارسات حماس على الترحيب بصعود الإسلاميين؟
وكون حركة حماس التي سيطرت على قطاع غزة منذ يونيو 2007 هي المولود الشرعي لجماعة الإخوان المسلمين خاصة المصرية والأردنية، فإنّ الكثيرين من المراقبين السياسيين والجماهيريين يحتكمون لممارسات وتطبيقات الحركة في القطاع طوال السنوات الستة الماضية، للوصول لقناعة خاصة بالترحيب بوصول الإسلاميين للسلطة أم رفض ذلك ومقاومته، فأي الخيارين تدعم ممارسات وتطبيقات حماس الإخوانجية في القطاع طوال ما يزيد على ستة سنوات؟.
قامت حركة حماس بعد انقلابها العسكري والتفرد بالسلطة في القطاع منذ يونيو 2007 بممارسة الحكم بطريقة لا تشجّع على إعادة انتخابها في أية انتخابات قادمة حسب شهادات العديدين من سكان القطاع الذين اكتووا بنار ممارساتها التي في الكثير منها لا تختلف بشاعة عن ممارسات طالبان الأفغانية وأحيانا الممارسات الاقصائية للإحتلال الإسرائيلي إزاء إخوتهم الأعداء الفتحاويين والإسلاميين الذين يرون أنّهم منافسين لهم. ويكفي هذه الأمثلة من الممارسات الطالبانية المتخلفة لحركة حماس في قطاع غزة التي تنشر خوفا مريعا من وصول الإسلاميين للسلطة في أقطار عربية بعد ما يسمّى الربيع العر بي الذي نأمل أن لا يكون خريفا عربيا بامتياز:
1 . تدمير حماس بالمدفعية وراجمات الصواريخ لمسجد ابن تيمية في مدينة رفح على رؤوس المصلين فيه من الجماعة السلفية الجهادية في أغسطس 2009 ، وقتل رئيسها الدكتور الشيخ عبد اللطيف موسى وعشرات من أنصاره بطريقة وحشية لا تختلف عن وحشية الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أنّها من حمساويين يدّعون الحكم بشرع الله ورغم ذلك يقصفون مسجدا من مساجد الله لقتل خصومهم ومنافسيهم السياسيين.
2 . فرض السلطات القضائية لحكومة حماس المقالة على المحاميات الفلسطينيات بما فيهن المسيحيات ارتداء ما أسمته الزي الشرعي (غطاء الرأس والجلباب ) لدى ترافعهن أمام المحاكم، وذلك تنفيذا لقرار صادر عن “مجلس العدل الأعلى” التابع لها وشكّلته كجسم قضائي بديلا عن مجلس القضاء الأعلى التابع للسلطة الفلسطينية التي لا تعترف بها حركة حماس، وقضى القرار بإلزام المحاميات بارتداء الجلباب وكسوة القماش المعروفة باسم ( المنديل ) لغطاء الرأس.
3 . إعلان حماس في يوليو 2010 على لسان ناطق باسم وزارة الداخلية في حكومتها المقالة أنّه تم منع النساء من تدخين النرجيلة في الأماكن العامة في قطاع غزة ، مبررا بأن ذلك يتنافى مع ” العادات والتقاليد.
4 . منع وزير داخلية حكومة حماس المقالة فتحي حماد في فبراير 2011 الرجال من العمل في محلات حلاقة (كوافير ) السيدات، مهددا من لا يطبق هذا القرار بالسجن وإغلاق محله. هذا الأمر حرام ولكن عند حماس وفتحي حماد ليس حراما أن تفتح السلطات الإسرائيلية ليلة الخامس والعشرين من عام 2010 معبر إيريز خصيصا لنقل ابنته المريضة بسيارة اسعاف إسرائيلية إلى مستشفى برزيلاي الإسرائيلي في عسقلان، ثم نقلها بمروحية أردنية إلى المدينة الطبية في العاصمة الأردنية عمّان. فلماذا تختلف ابنته عن عشرات المرضى الفلسطينيين الذين يموتون على الحواجز الإسرائيلية؟.
5 . وضمن سياق الممارسات الظلامية الطالبانية هذه، تستمر الملاحقات والسجن لعناصر حركة فتح لدرجة الإقصاء والتغييب ومنع العديد من وفود فتح وكوادرها في الضفة الغربية من دخول وزيارة القطاع، مما جعل الشعب الفلسطيني فعلا وحقيقة ميدانية أمام دويلتين كرتونيتين يمكن تسميتهما: ( إمارة حماستان في القطاع) و (دويلة عباس في الضفة ).
6 . التذبذب والضبابية في الموقف السياسي الذي يجعلها فعلا وحقيقة أنّه لا برنامج سياسي واضح لحركة حماس، فمن التحرير من النهر إلى البحر إلى هدنة لمدة ستين عاما مع دولة الاحتلال إلى الموافقة على دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 ، وهكذا فلا أحد بمن فيهم كوادر حماس يعرف برنامجا سياسيا محددا لها، مع عدم القفز عن إطلاقها الصواريخ الكرتونية عندما تريد، واعتقالها لمن يطلق نفس الصواريخ من الفصائل الأخرى عندما تريد تهدئة مع الاحتلال لمصلحتها الميدانية، ناهيك عن الصراع بين حماس الداخل وحماس الخارج، والهجومات الحادة بين كوادرها خاصة هجوم محمود الزهار على خالد مشعل بعد توقيع اتفاق المصالحة مع محمود عباس بالعاصمة القطرية الدوحة في شهر فبراير 2012 ورفض حماس الداخل لذلك، وهو ربما الاتفاق الخامس عشر الذي يوقع دون تنفيذ مما جعل الانقسام الفلسطيني يدخل عامه السابع منبئا بانّه انقسام إلى الأبد، بسبب مصالح الطرفين الشخصية والتنظيمية والمالية أي أنّه صراع على الكراسي والمال وليس التحرير والدولة الفلسطينية.
وهي ممارسات تنطبق بأشكال أخرى على الحركات الإسلامية،
في مختلف الأقطار العربية مما يجعل التخوفات من صعود هولاء الإسلاميين للحكم مثار رعب وخوف من قطاعات واسعة من الشعوب العربية، خاصة أنّ بعض دعاة الإسلام هولاء لا يخافون الله ويمارسون الكذب والتضليل الذي من النادر أن يمارسه قطاع الطرق، ويكفي هذه النماذج الثلاثة من مصر و تونس:
1 . ظهور النائب السلفي عن حزب النور أنور البلكيمي عل شاشة التلفزيون في مارس 2012 وهو يضع لاصقا طبيا على أنفه، مدعيا أنّه تعرض لهجوم في الشارع من لصوص سرقوا منه مائة ألف جنيه، وفجأة يتصل الدكتور حمدي فراج بالنيابة ليثبت كذبه وأنّه كان عنده في المستشفى وأجرى عملية تجميل في أنفه، ورفض المبيت في المستشفى ليذهب للتلفزيون ليقدم هذه الكذبة الفاجرة. وقد اعترف النائب بكذبته هذه وتمّ طرده من حزب النور واستقال من البرلمان المصري.وأنا اسأل: كيف يستطيع هكذا شيخ منافق كاذب أن يواجه أسرته على الأقل؟.
2 . الكذب الواضح المبين من حازم صلاح أبو اسماعيل المرشح لانتخابات الرئاسة المصرية بانّ والدته تحمل الجنسية الأمريكية، وثبت أخيرا عبر وثائق الخارجية الأمريكية الرسمية أنّ والدته فعلا تحمل الجنسية الأمريكية مما دعى لجنة الانتخابات المصرية لشطب اسمه مع آخرين من سباق الرئاسة، وقد نشرت الصحف المصرية يوم التاسع عشر من أبريل الوثائق الرسمية التي تثبت كذبه وزيفه، ويكفي أنّ لجنة العلماء المصريين نشرت بيانا أعلنت فيه أنّه رفض المثول أمامها ليقسّم أنّ والدته لم تحمل الجنسية الأمريكية، و رغم ذلك ما يزال يصرّ على الكذب والتظاهر وسط العديد من المغفلين المغشوشين بكذبه وافتراءاته. فكيف يمكن تصديق هكذا شيوخ لحاهم حوالي نصف متر، ويكذبون علنا وهم يدّعون أنّهم حماة دين الله في الأرض؟
3 . الشيخ المغربي عبد الباري الزمزمي الذي أصدر فتوى تبيح للرجل ممارسة الجنس مع زوجته المتوفاة. هل يتصور إنسان أو حيوان هكذا رأي أو فتوى؟. وهل هناك إنسان حتى لو كان في مرتبة الحيوان يستطيع أن يمنع دموعه على رفيقة عمره التي ماتت وتيتم أطفاله ليمارس الجنس معها؟. أنا لا أتصور أنّ من يصدر هكذا فتوى أنّ له علاقة بالإسلام أو بجنس البشرية.
لذلك فإذا كانت تصرفات وممارسات حماس وهؤلاء الشيوخ الكذّابون المنافقون مقياسا لتصرفات الإسلاميين في حالة وصولهم للسلطة والحكم، فمن حق الشعوب أن تخاف منهم وترفض التصويت لهم، وفي كل الأحوال فكل شخص له الحق أن يصوت وينتخب من يريد، وبعد ذلك فعليه أن يتحمل ممارسات وتصرفات من انتخب، فهذه هي الديمقراطية الحقيقية.
القاهرة، مصر
www.drabumatar.com