دونالد ترامب يعود “ظافراً”، فما هو المنتظر في ولايته الثانية؟ بقلم : د. ماهر الشريف
لم يكن المحللون وخبراء استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة الأميركية يتوقعون أن يحقق دونالد ترامب هذا الفوز الكبير في انتخابات الرئاسة، التي جرت في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، وأن يحظى حزبه الجمهوري بالأغلبية في مجلس الشيوخ وأن يحافظ، غالباً، على أغلبيته في مجلس النواب.
أما المفاجأة الثانية في هذه الانتخابات، فقد تمثّلت في أن الأصوات التي حصلت عليها مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس كانت أقل بكثير مما كان متوقعاً، إذ هي خسرت في ولايات كان سكانها يصوّتون، تقليدياً، للحزب الديمقراطي مثل ولايات بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان، وهذه الولاية الأخيرة تضم أكبر مجتمع عربي مسلم في البلاد، يقدّر عدد أفراده بنحو 250.000، يبدو أن قسماً منهم صوّت للمرشح الجمهوري، بينما صوّت قسم آخر لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين، وذلك احتجاجاً على موقف إدارة الرئيس جو بايدن التي استمرت في دعمها الثابت للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (1).
ما هي العوامل التي سمحت لدونالد ترامب بتحقيق هذا الفوز
يرى جان كريستوف بلوكين رئيس تحرير صحيفة “لاكروا” الباريسية، في افتتاحيته في 6 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، أن فوز دونالد ترامب له “طابع انتقامي”، ذلك إنه لم يعترف، طوال أربعة أعوام، بهزيمته أمام جو بايدن في سنة 2020، ونجح خلال حملته الانتخابية، هذه المرة، في طرح شعارات تماهى معها معظم الناخبين مثل شعار “لنجعل أميركا عظيمة”، و”عصر ذهبي جديد لأميركا”، كما إنه فاقم شعور ناخبيه بأنهم في موقف “الضحايا” ووجد في المهاجرين، وخصوصاً غير الشرعيين، “أكباش فداء”، مؤكداً أنه قادر على معالجة جميع المشكلات التي يواجهها الأميركيون، وخصوصاً في مجال تدني قدرتهم الشرائية وارتفاع معدلات التضخم، واستمال قطاعات واسعة منهم بدعواته إلى تعزيز “النزعة الحمائية” وفرض رسوم جمركية عالية على الواردات من الخارج لتشجيع الصناعات الأميركية. وبذلك كله، نجح في توسيع قاعدته الانتخابية “إلى ما هو أبعد من أصوات البيض، من خلال جذب الناخبين السود وذوي الأصول الاسبانية” (2).
أما المحلل السياسي في أسبوعية “بوليتيس” الفرنسية، دوني سيفر، فقد نشر في اليوم نفسه مقالاً بعنوان: “ماذا سيفعل ترامب بفوزه؟”، قدّر فيه أن العامل الرئيسي في انتصاره الساحق تمثّل في وعده بإعادة أميركا “عظيمة” مجدداً، وبروزه بصفته “الرجل القوي”، صاحب الخطاب المحافظ، المتميّز بـ “فظاظته ورجوليته”، وذلك “في مواجهة إمرأة ضعيفة حتماً في مخيلة الكثير من الأميركيين الذكور”، أخذت الشعلة “من يد رجل عجوز مترنح”، بحيث نجح دونالد ترامب ليس في “تعبئة الأميركيين البيض فحسب، بل عبأ أيضاً العديد من المهاجرين الذين اندمجوا في المجتمع، ونسوا تاريخهم الخاص وعبّروا عن قلقهم من الاضطرار إلى التنافس مع الوافدين الجدد، وهو ما يمكن أن يفسر تصويت أعداد كبيرة من الأميركيين من ذوي الأصول اللاتينية له”. فمسألة الهجرة والحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك، فضلاً عن زيادة معدلات التضخم وتفاقم الجريمة، كانت من المسائل التي وظّفها دونالد ترامب في حملته الانتخابية، مستنداً إلى “جهاز دعائي ضخم يقف على رأسه رجل الأعمال والملياردير إيلون ماسك”، الذي سعى إلى تشويه صورة منافسته، وروّج وعوده الديماغوجية (3).
أوروبا “المشلولة” تخشى على صادراتها، وتتخوف من تراجع إدارته عن دعم أوكرانيا
يرى الخبراء الاقتصاديون أنه سيكون لفوز دونالد ترامب التأثير الأكبر على الاقتصادات الأوروبية، وخصوصاً إذا حقق وعده بزيادة الرسوم الجمركية بنسبة 10 إلى 20% على جميع المنتجات المستوردة من الدول الأوروبية، وذلك من أجل تشجيع الإنتاج الأميركي. وفي ظل المخاوف من زيادة الرسوم الجمركية، تصاعدت الدعوات في أوروبا للعمل على إظهار الوحدة، وهو ما أكدت عليه الناطقة باسم الحكومة الفرنسية، صبيحة الإعلان عن فوز دونالد ترامب، التي صرّحت بأنه يتعيّن على أوروبا أن “تأخذ مصيرها بيدها”، بيد إن العديد من المراقبين يشكك في قدرة أوروبا على اتخاذ مواقف موحدة، بفعل “الانقسامات الداخلية بين الدول الأعضاء، التي تميل إلى إبطاء – أو حتى شل – القرارات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي” (4).
وبخصوص أوكرانيا، يتخوف الزعماء الأوروبيون من أن يقدم دونالد ترامب على وقف المساعدات الأميركية إلى هذا البلد، التي وصلت إلى أكثر من 60 مليار دولار، وخصوصاً أن الحزب الجمهوري منع في مجلس النواب المساعدات عن أوكرانيا لعدة أشهر، كما كان دونالد ترامب قد أعلن، في أكثر من مناسبة، أنه سيوقف الحرب في هذا البلد “خلال 24 ساعة”، وهو موقف ينطوي على رسالة واضحة مفادها “سنوقف المساعدات لأوكرانيا ونلزم زيلينسكي بالتفاوض من موقع ضعفه العسكري مع روسيا”. ويشكك المحللون في قدرة الدول الأعضاء الـ 27 في الاتحاد الأوروبي على “التنسيق” فيما بينها والتوصل إلى موقف مشترك بشأن أوكرانيا، كما يتخوف الأوروبيون من قيام الرئيس الأميركي المنتخب بالامتناع عن الاستثمار في الأمن الأوروبي وبخفض دعم بلاده لحلف شمال الأطلسي، وهو الذي كان قد أصرّ، في ولايته الأولى، على أن تزيد الدول الأوروربية مساهماتها في ميزانية هذا الحلف (5) .
زيادة حدة الحرب التجارية على الصين
يعتزم دونالد ترامب، في ولايته الرئاسة الثانية، رفع مستوى الحرب الباردة الجديدة، الاقتصادية هذه المرة، بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم: الولايات المتحدة والصين، وذلك من خلال تعزيز الحواجز الجمركية أمام الصين، ورفع الرسوم الجمركية على صادراتها إلى الولايات المتحدة بنسبة 60 %. وكان قد أعلن، في آذار/مارس 2018 خلال ولايته الرئاسية الأولى، “أن الحروب التجارية جيدة ويمكن كسبها بسهولة”، ثم أضاف، في تغريدة نشرها في تموز/يوليو من العام نفسه: “أن الرسوم الجمركية رهيبة! فإما يتفاوض شركاؤنا معنا على اتفاقيات متوازنة، أو سنهاجمهم بالرسوم الجمركية، والأمر بهذه البساطة”.
والواقع، أن دونالد ترامب لم ينتظر فوزه في تلك الولاية كي يستهدف الصين، إذ اتهم هذا البلد، خلال حملته الانتخابية في سنة 2016، بأنه “يغتصب [حقوق] الولايات المتحدة”، وبأنه “السارق الأكبر في تاريخ العالم”، وأنه يقف في وجه مشروع “إعادة عظمتها إلى أميركا”. ووفقاً للحساب الذي أجراه في سنة 2018، فإن الصين “صدّرت في ذلك العام إلى الولايات المتحدة منتجات بقيمة 558 مليار دولار”، بينما “صدّرت الولايات المتحدة في العام نفسه منتجات إلى الصين بقيمة 178 مليار دولار فقط”، معلناً أنه عازم على “إعادة التوازن” إلى العلاقات التجارية بين البلدين. وهكذا، أعلن في آذار/مارس 2018 رفع الرسوم الجمركية على الواردات الصينية من الفولاذ بنسبة 25%، وعلى الواردات الصينية من الألومنيوم بنسبة 10%. وفي أواخر شهر آب/أغسطس من العام نفسه، فرضت إدارته زيادة على الرسوم الجمركية بنسبة 25 % على واردات صينية بقيمة 250 مليار دولار. ويقدّر العديد من الباحثين الاقتصاديين، ومنهم الباحثة في “المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية” فرانسواز نيكولا، أنه في ظل النظام الاقتصادي المعولم، لن تستثني الحرب التجارية الأميركية-الصينية أي اقتصاد في العالم، وأن “انخفاض التجارة سيؤدي إلى تباطؤ في الاقتصاد العام، وفي نهاية المطاف، سيعاني الجميع” (6).
أوهام الأميركيين من أصول عربية الذين صوّتوا لدونالد ترامب
يبدو أن قسماً معتبراً من الأميركيين من ذوي الأصول العربية قد صوّت لدونالد ترامب في الانتخابات الأخيرة، متوهماً أنه سينهي الحروب في الشرق الأوسط. ففي ديربورن، أكبر مدينة ذات أغلبية سكانية من أصول عربية في الولايات المتحدة، والواقعة في ولاية ميتشغان، فاز المرشح الجمهوري بفارق كبير على كامالا هاريس، في حين كان جو بايدن قد فاز هناك في سنة 2020.
وأعلن بيل بزي رئيس بلدية ديربورن هايتس المجاورة، الذي يعود بأصوله إلى جنوب لبنان، أن الناس “أدركوا أن ترامب سيحاول إحلال السلام في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع”، بينما قالت سمراء لقمان إنها “شعرت بالفضيحة بسبب الدعم العسكري والدبلوماسي الثابت الذي قدمته حكومة جو بايدن وكامالا هاريس لإسرائيل”، وأضافت: “يمكنهم تحميلنا مسؤولية هزيمة هاريس، أريدهم أن يفعلوا ذلك، فقد كان مجتمعي هو الذي قال: إذا ارتكبت إبادة جماعية، فسنحملك المسؤولية”(7)، بينما قال بشارة بحبح، رئيس منظمة “عرب أميركيون من أجل ترامب”، من جهته: “إن نقل لافتة من تل أبيب إلى القدس [في إشارة إلى السفارة الأميركية]، لا يعادل قتل 43 ألف شخص”، وأضاف: “إذا قال ترامب لنتنياهو: أوقف الحرب بحلول الوقت الذي أتولى فيه منصبي، وامتنع نتنياهو عن القيام بذلك، فلا شيء يمنع ترامب من وقف تدفق الأسلحة إلى إسرائيل”، معتبراً أن ترامب “يتمتع بنفوذ أكبر بكثير على نتنياهو، مقارنة بالرؤساء الديمقراطيين الذين تجاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي نصائحهم لفترة طويلة”، ومصّراَ على أن “ترامب في سنتَي 2016 و2020 شخص مختلف تماماً عن ترامب في سنة 2024″، إذ هو “تعرّف إلى مجتمعات المسلمين العرب الأميركيين، وعقد 15 لقاء على الأقل مع قادة عرب ومسلمين”. ويراهن العديد من هؤلاء الأميركيين العرب على الدور الذي يمكن أن يضطلع به، بالقرب من دونالد ترامب، رجل الأعمال اللبناني المولد مسعد بولس، الذي تزوج نجله مايكل من تيفاني ترامب في سنة 2022 (8).
بيد أن هذه الأوهام والرهانات لا أساس لها من الصحة في الواقع، إذا ما أخذنا في الاعتبار التصريحات المعلنة للمرشح دونالد ترامب، وخصوصاً تلك التي أطلقها خلال أول مناظرة تلفزيونية بينه وبين كامالا هاريس، في 11 أيلول/سبتمبر 2024، إذ اتهم المرشح الجمهوري المرشحة الديمقراطية ونائبة الرئيس جو بايدن بأنها “تتبنى موقفاً معادياً لإسرائيل”، و بـ “كره الدولة اليهودية”، مدعياً أنه لو كان في البيت الأبيض في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، “لما اندلعت الحرب في الشرق الأوسط”، وأضاف أنه في حال فوز كامالا هاريس في الانتخابات “لن تنجو إسرائيل بعد عامين”، وأنها “لم تقابل نتنياهو حتى عندما جاء إلى الكونغرس لإلقاء خطاب مهم جداً”، وخلص إلى أنه في حال فوزها “لن تكون إسرائيل بعد الآن”، مقدّراً أن رفع العقوبات الأميركية على إيران، التي فُرضت في عهده، “سمح لطهران بتمويل حماس وحزب الله” (9).
مشاعر البهجة تسود بين حكام إسرائيل لفوز دونالد ترامب
كان رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أحد أوائل القادة الذين رحبوا بفوز دونالد ترامب، إذ هنأه بـ “أعظم عودة في التاريخ”، وتوجّه إليه وإلى وزوجته ميلانيا بهذه الكلمات: “إن عودتكما التاريخية إلى البيت الأبيض تمثّل بداية جديدة لأميركا، وتجديداً للالتزام بالتحالف القوي بين إسرائيل وأميركا”. ولم يكن بنيامين نتنياهو الوحيد في الحكومة الإسرائيلية الذي أبدى حماسة لفوز دونالد ترامب، بل أبدى الحماسة نفسها الوزراء الأكثر يمينية في ائتلافه الحاكم، إذ كتب يسرائيل كاتس، الذي انتقل من وزارة الخارجية إلى وزارة الحرب بعد إقالة بوآف غالانت، في تغريدة: “سنعزز معاً التحالف الأميركي الإسرائيلي، ونعيد الرهائن ونعمل بحزم من أجل الانتصار على “محور الشر” الذي تقوده إيران”، بينما نشر كلٌ من بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير صوراً للعلمين الإسرائيلي والأميركي، مصحوبة بعبارة ” ليبارك الله إسرائيل”، “ليبارك الله أميركا” (10).
وكان دونالد ترامب، في سنوات ولايته الرئاسية الأولى، قد ظهر بصفته أوثق حلفاء إسرائيل، إذ هو اعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة، وأقرّ بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وقطع الأموال الأميركية عن وكالة الأونروا، ودفع أربع دول عربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بعيداً عن مراعاة متطلبات السلام التي حددتها القمة العربية في بيروت في سنة 2002، وتراجع عن الاتفاق الدولي النووي مع إيران وأعاد فرض العقوبات عليها باسم سياسة “أقصى قدر من الضغط”، وطرح، في كانون الثاني/يناير 2020، “خطة للسلام” عُرفت باسم “صفقة القرن”، تضمنت “رؤية لقيام دولة فلسطينية” منزوعة السلاح وغير متواصلة جغرافياً، تكون مقسمة إلى ستة كانتونات محاطة تماماً بإسرائيل، التي تبقى تتحمل مسؤولية الأمن في الجو والبحر والبر وفي كل المنطقة الواقعة إلى الغرب من نهر الأردن، على أن تعترف هذه الدولة الفلسطينية بإسرائيل بصفتها “الوطن القومي للشعب اليهودي”، كما اقترحت تلك الخطة إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى مناطق 1948، وقيام إسرائيل بضم كتل المستوطنات الواقعة إلى الغرب من جدار الفصل وأن لا تُقتلع أو تُخلى المستوطنات التي تقع إلى الشرق من هذا الجدار، وأن تكون هناك عاصمتان في منطقة القدس، بحيث تضم العاصمة الفلسطينية الأحياء الواقعة خارج جدار الفصل، بما يعني استبعاد القدس الشرقية، وفي الأساس المدينة القديمة، من ولاية الدولة الفلسطينية (11).
ما هو النهج الذي ستنتهجه إدارة دونالد ترامب إزاء قضايا المنطقة؟
بينما تستمر منذ أكثر من عام حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، ويتعرض لبنان، منذ نحو شهرين، لحرب إسرائيلية تسببت في دمار هائل وفي سقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، لا يتوقع الشعبان الفلسطيني واللبناني تغييراً إيجابياً في سياسة إدارة دونالد ترامب المقبلة إزاءهما، بل على العكس من ذلك لعل معاناتهما ستكون أكبر في عهد هذه الإدارة الجديدة، إذ لم يقل المرشح دونالد ترامب طوال عام كلمة واحدة للتعبير عن معاناة فلسطينيي قطاع غزة جراء الحرب الإسرائيلية، بينما دعا إسرائيل إلى “تحقيق نصر سريع”، مصراً “على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، حتى إنه سخر من دعوات كامالا هاريس إلى وقف إطلاق النار، مؤكدا أن ذلك “لن يؤدي سوى إلى إعطاء حماس الوقت لإعادة تشكيل نفسها والقيام بشن هجوم جديد مثل هجوم 7 أكتوبر”.
من الصحيح أنه وعد “بإحلال السلام في العالم”، لكن السلام الذي يدعو إليه هو”السلام من خلال القوة”، أي السلام الذي تفرض شروطه القوة الغاشمة، والذي يعني استسلام الذين يقاومون هذه القوة. وعليه، فمن المنتظر أن تقف إدارته إلى جانب إسرائيل في الحروب التي تشنها في المنطقة إلى أن تستجيب المقاومة التي تواجهها إلى شروط “السلام” التي تطرحها. من جهة أخرى، قد تعطي إدارته الضوء الأخضر لإسرائيل كي تضم الضفة الغربية رسمياً وتصفّي المطالب الوطنية للفلسطينيين، أو تعيد، في أحسن الأحوال، وضع “صفقة القرن” التي رفضها الفلسطينيون بحزم على طاولة المفاوضات، وتلزم المملكة العربية السعودية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل من دون شروط، وتتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران وبرنامجها النووي، وقد تذهب إلى حد الوقوف إلى جانب إسرائيل إذا ما اتخذ حكامها قراراً بقصف المنشآت النووية الإيرانية (12).
خاتمة
لم يقدم دونالد ترامب، خلال حملته الانتخابية، الكثير من التفاصيل حول السياسة الخارجية التي سيتبعها في فترة ولايته الثانية، لكن مؤيديه يقولون إن نهجه “السلام من خلال القوة” سيدفع القادة الأجانب إلى الرضوخ لإرادته. وقد أظهر، خلال سنوات ولايته الأولى، عدم ثقته العميقة بالتعددية، إذ أعلن عن نيته الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، وانسحبت بلاده بالفعل من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومن منظمة اليونسكو، ومن اتفاق باريس للمناخ ومن الاتفاق النووي الدولي مع إيران. وتتوقع الأمم المتحدة أن يقوم، خلال ولايته الثانية، بالانسحاب من المؤسسات والاتفاقيات الرئيسية متعددة الأطراف، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ [الذي عادت إلى الالتزام به إدارة جو بايدن]، وأن يُقدم على خفض التمويل الذي تقدمه بلاده للأمم المتحدة –وهي الممول الأكبر لها-، وخصوصاً أنه كان قد اقترح في سنة 2016، عندما وصل إلى السلطة لأول مرة، خفض المساعدات الأميركية بحوالي الثلث، بما في ذلك المساعدة المقدمة لتمويل عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، لكن الكونغرس رفض آنذاك هذا المقترح، بينما من المتوقع أن يقبله هذه المرة بعد أن أصبح الحزب الجمهوري يتمتع بالأغلبية فيه.
- باحث ومؤرخ – مؤسسة الدراسات الفلسطينية – بيروت