غزة … ماذا بعد؟!! بقلم : د. سفيان ابو زايدة
ثمانية وخمسون شهيدا حتى الان وما يقارب ثلاثة آلاف جريح منهم العشرات في حالة الخطر، هذه هي حصيلة يوم امس في مسيرات العودة على طول الحدود مع قطاع غزة الجريح والمحاصر اسرائيليا والمعاقب من ذوي القربى، رحم الله الشهداء وصبر ذويهم والشفاء العاجل للجرحى.
على الرغم ان المصاب جلل وفي حضرة الشهداء والجرحى لا معنى للكلام، ومع ذلك يجب ان لا نفقد عقولنا لكي لا تذهب دماءهم وارواحهم في مهب الريح، وعلى اعتبار ان هذه معركة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى يجب ان يكون هناك تقييم لما جرى وما سيجري وما هي افضل الخيارات المتاحه وكذلك تقييم لكيفية تصرف العدو خلال هذه المواجهات وكيف سيتصرف في المستقبل.
يجب الاجابة على الاسئلة الصعبة وعدم التهرب من اعطاء اجابات بشأنها سواء ما يتعلق بالاهداف الاستراتيجية بعيدة المدى او ما يتعلق بالاهداف التكتيكية التي يجب تحقيقها والتي اهمها فك الحصار والغاء العقوبات ورفع الظلم عن غزة واهلها.
بعيدا عن المبالغة والتهييط وبنظرة موضوعية… غزة استطاعت ان تعيد ترتيب الاوراق السياسية التي لها علاقة بالقضية الفلسطينية من جديد وتصدرت بحماستها ووطنيتها واستعدادها الدائم للعطاء رغم حصارها وجوعها، تصدرت الاهتمام العالمي، في الوقت الذي من المفترض ان يكون الاهتمام الاكبر في احتفال نقل السفارة الامريكية من القدس الى تل ابيب حيث جلس نتياهو وقيادات اسرائيل والضيوف الذين قبلوا ان يكونوا شهود زور على هذا القرار الجائر، جلسوا قلقين من تطور الاحداث في غزة وخشية ان تنتقل الى الضفة الغربية.
العالم انشغل في ما يجري من مجازر في غزة ولم يلتفت كثيرا لهذا الاحتفال الباهت ولم يلتفت كثيرا للكلمات والخطابات سواء كان خلال الاحتفال او بعد الاحتفال، لم يلتفت ايضا لاجتماع القيادة الفلسطينية التي بدت وكأنها قيادة لشعب اخر ليس له علاقة بغزة واهلها. قيادة لم يعد كلامها وقراراتها ذات قيمة او تأثير على مجريات الامور.
اسرائيل تورطت في دماء الفلسطينيين مما استدرج رد فعل عالمي ناقد لهذا الاستسهال في قتل الفلسطينيين العُزل بالرصاص الحي والمتفجر وبهذا يعتبر فشل اسرائيلي وليس انتصار… من ناحية اخرى يعتبرون ان عدم اجتياز مئات او آلاف الشبان الفلسطينيين للحدود هو انتصار لهم ولاستعداداتهم المسبقة. حيث وضعوا في الحسبان اسوء السيناريوهات التي ممكن ان تحدث.
غزة استطاعت ومازالت ان تشغل هيئة الاركان الاسرائيلية وقيادة المنطقة الجنوبية وتعيد انتشار القوات وتعزيزها من اجل مواجهة هذا الخطر المحدق وهذا السلاح الجديد الذي اكتشفه الفلسطينيون او اعادوا اكتشافه من جديد.
مع ذلك، اسرائيل تستطيع ان تكون فخورة ان ما جرى في غزة على خطورته لم ينتقل الى الضفة الغربية والقدس، حيث هناك مرت الامور في هدوء نسبي( على الاقل حتى الان) لا ينسجم مع حدث كبير كنقل السفارة واستشهاد ثمانية وخمسين فلسطينيا من غزة وجرح ما يقارب ثلاثة آلاف. ومع ذلك هم يدركون ان هذا الوضع قد لا يدوم طويلا.
لم يعد امس اي لاجئ الى بلدته الاصلية ولم ينجح الالاف باقتحام الحدود ولكن احد اهداف هذه المسيرة تحقق وان كان بثمن مرتفع وهو ان القضية الفلسطينية وخاصة قضية اللاجئين والقدس لن يزيلها من ذاكرة الفلسطينيين قرار سياسي او خذلان سياسي.
اسرائيل تدرك ان اهل غزة لا يهابون الموت وليس لديهم الكثير ما يخسرونه، ومن خلال تجربتهم يدركون ان الجُبن لا مكان له في قلوبهم سيما ان الامل في الحياة معدوم وان المستقبل مجهول، لذلك هناك من يدرك ان قتل العشرات والمئات لن يكون رادع لهؤلاء الشبان لذلك يطالبون بالعمل على تغيير الواقع المرير واعطاء الناس هناك امل في الحياة لعل حينها يكون لديهم ما يخسروه.
المنطق يقول ان هناك اتصالات غير معلنة لكيفية الخروج من هذا الوضع بأقل الخسائر. اهل غزة يبحثون عن الحياة واسرائيل تبحث عن الهدوء. وعلى اعتبار ان هذه المعركة هي ليست معركة حياة او موت بالنسبة للفلسطينيين وهي جزء من منظومة متكاملة لاسترداد الحقوق فأن الدماء التي سالت يجب ان تترجم الى انجازات اهمها انهاء الحصار والغاء العقوبات. انهاء الحصار من اسرائيل والغاء العقوبات من الرئيس عباس. وكنت اتمنى ان يقول امس في كلمته بعد هذا العدد من الشهداء ان يعلن عن انهاء العقوبات وصرف رواتب الموظفين افضل بكثير من تنكيس الاعلام واعلان الاضراب.
اذن، هذه المسيرات يجب ان تحقق هذا الانجاز التكتيكي ومصر تستطيع ان تلعب دورا في هذا السياق.
ولان اسرائيل لا تستطيع ان تتحمل استمرار هذا الوضع وتنتظر كل اسبوع قدوم آلاف الشبان، وتبقي جنودها وهيئة اركانها في حالة استنفار دائم، التقدير في هذه الحالة بأنها ستنقل المعركة من الحدود الى قلب قطاع غزة حتى و ان ادى ذلك الى حرب مفتوحة.